الإثنين  23 كانون الأول 2024

خزانة محمد أركون في المكتبة الوطنية المغربية

2023-03-05 11:05:56 AM
خزانة محمد أركون في المكتبة الوطنية المغربية
محمد أركون

الحدث الثقافي- أخبار وفعاليات

 آثرت أرملة المفكر الجزائري الراحل محمد أركون السيدة ثريا اليعقوبي أن تهب خزانته الشخصية للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية.

وتأتي هذه البادرة امتداداً لمشاعر صاحب "نقد العقل الإسلامي" نحو المغرب الذي اختار أن يتزوج منه، وأوصى بأن يدفن فيه. وفعلاً ووري جثمانه في مقبرة الشهداء في مدينة الدار البيضاء في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) 2010 عن عمر ناهز 82 سنة.

حفل توقيع بين أرملة المفكر الجزائري ورئيس المكتبة الوطنية المغربية

محتويات الخزانة

وتضم الخزانة التي وهبت للمكتبة الوطنية في الرباط أكثر من 12 ألف كتاب (خمسة آلاف مؤلف وسبعة آلاف مجلة)، معظمها ينتمي إلى حقول الفلسفة والنقد والتاريخ والترجمة.

وتم توقيع "اتفاقية هبة" بين إدارة المكتبة الوطنية وعائلة المفكر الراحل ممثلة في زوجته ثريا اليعقوبي، رئيسة مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات. وتقضي هذه الاتفاقية بنقل محتويات خزانة محمد أركون المغربية فضلاً عن أرشيفه إلى فضاء خاص بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، لتكون متاحة لعموم الطلبة والباحثين، كما ستخصص المكتبة الوطنية حيزاً يكون بمثابة متحف رمزي يضم مكتبه والأدوات التي كان يستعملها الراحل في الكتابة. وقد حضر حفل التوقيع وزير الثقافة ووزير الشؤون الإسلامية ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، ووجوه من عالم الثقافة والفكر، فضلاً عن أصدقاء الراحل.

وقد عبر مدير المكتبة الوطنية محمد الفران عن افتخاره بحصول مؤسسته على هذا الإرث الثقافي والفكري الكبير، مؤكداً أن هذا الحدث هو مناسبة للعودة إلى تجربة أركون من لدن الباحثين والدارسين المغاربة، كما أكدت أرملة المفكر الراحل حبه للمغرب، وانشغاله الدائم بالتراث الفكري والحضاري لهذا البلد الذي كان يضعه في المرتبة نفسها التي يضع فيها بلده الأصلي الجزائر.

وأضاف الفران بحسب ما نقلته وسائل إعلام مغربية، أن هذه الخزانة "تعتبر منارة علمية شامخة، وعلما من أعلام الثقافة الإنسانية"، مشيرا إلى أن "هذا ما يجعل المكتبة الوطنية للمملكة المغربية تفتخر بهذه الهبة التي ستكون مجالا لتسليط الضوء على فكر المرحوم محمد أركون".

ونوه مدير المكتبة الوطنية بالمغرب، بالمسار العلمي الحافل للمفكر محمد أركون "الغني عن كل تعريف لما تركه من مؤلفات وكتب في العديد من المجالات العلمية والفلسفية"، مبرزا  أن الراحل يعتبر "شخصية إنسانية اشتغلت على تصورات متعلقة بالثقافة العربية الإسلامية وسبل تجديدها".

من جهتها، عبرت أرملة الراحل، ثريا اليعقوبي أركون، "المحبة التي كان زوجها محمد أركون يكنها للمغرب".

وقالت ثريا اليعقوبي إن نقل الخزانة الأدبية للراحل من باريس إلى المغرب "مثّل تحديا كبيرا بالنسبة لها"، معربة في هذا الصدد عن شكرها لكل الأطراف التي ساعدتها لتحقق هذا المبتغى.

عن محمد أركون

محمد أركون (1928-2010) مفكر وفيلسوف ومؤرخ في الفكر الإسلامي، ومن أبرز أعماله: "الفكر العربي"، و"قراءات في القرآن"، و"تاريخ الإسلام والمسلمين في فرنسا"، و"عندما يصحو الإسلام" وغيرها.

وحصل أركون على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون التي شغل بها منصب أستاذ فخري، كما درس في  في جامعات متعددة أوربية وأمريكية ومغاربية متعددة.

انخرط أركون في الحداثة، وكان من قادة مشاريعها في العالم العربي، إذ رأى أن العودة إلى الماضي ليست بالضرورة هي الحل لمشكلات العصر، حتى وإن كان ذلك الماضي مشرقاً، لذلك كان يتساءل في هذا الصدد "ماذا ينفع أن نفتخر بالماضي إذا كان حاضرنا بائساً؟".

انتقد المفكر الراحل ظاهرة "الجهل المقدس" في المجتمعات العربية. ورأى أن المجتمع هو الذي أدى إلى تقديس الفاعلين الاجتماعيين للجهل، فالخطاب الديني المتداول في المجتمعات العربية يرسخ، بالنسبة إليه، عقائد دوغماتية من دون إخضاعها إلى تحليل تاريخي. وإذا كان أركون قد استعار مفهوم "الجهل المقدس" من المفكر الفرنسي أوليفيي روا فإنه نحت بالمقابل مفهوماً آخر سماه "الجهل المؤسس"، وينتقد عبره البرامج التعليمية التي تضعها مؤسسات الدولة في البلدان المغربية تحديداً، وهي برامج بالنسبة إلى أركون تقف ضد حرية التفكير، وتكرس بالتالي انغلاقاً معرفياً وفكرياً لدى أجيال متعاقبة، وتعمل على تقييد العقول حتى لا تنتج. وتساءل من باب التمثيل عن طريقة تدريس التاريخ العربي والإسلامي لطلاب المدارس والجامعات في البلدان العربية. وعاب على المدرسين العرب ضعفهم في التكوين والإدراك، ورأى أن الأستاذ الذي لا ينتج ولا ينجز البحوث ولا يقدمها للنقاش هو مساهم بالضرورة في الجهل المؤسس.

كان أركون يشكو عدم تشجيع البحث العلمي في البلدان العربية في مجال علوم الإنسان والمجتمع، وعبر عن سعادته بوجود مفكرين عرب في عصرنا لا يتوقفون عن البحث وطرح الأسئلة أمثال محمد عابد الجابري وحسن حنفي وعبدالله العروي وهشام جعيط وطيب تزيني، وتأسف بالمقابل لعدم وجود نقاش بين هؤلاء وغيرهم. وعزا غياب هذا الحوار إلى طبيعة العلاقات السياسية والثقافية بين بلدان العالم العربي، التي تنحو في غالبيتها إلى الانفصال وعدم التنسيق.