الجمعة  17 أيار 2024

نص من من رواية " أنا وحاييم"

2023-05-19 08:09:46 AM
نص من من رواية
غلاف رواية الجزائري الحبيب السائح "أنا وحاييم"

تدوين- نصوص

أنا وحاييم رواية للروائي الجزائري الحبيب السائح، وصدرت لأوّل مرة في العام 2018 عن دار ميم للنشر في الجزائر. ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019، المعروفة باسم «جائزة بوكر العربية".

يروي الكاتب الجزائري «الحبيب السائح» في هذه الرواية حكاية الجزائريين؛ الصيدلي اليهودي «حاييم بنميمون» وأستاذ الفلسفة المسلم «أرسلان حنيفي» اللذان يتقاسمان منذ طفولتهما الجيرة والطعام والذكريات والتعليم الابتدائي والدراسة الثانوية والجامعية. ويواجهان، تحت الاحتلال الفرنسي، العنصرية والاستفزاز، ما يدفعهما لأن يخوضا معًا في درب المقاومة، كل بطريقته، من أجل تحرير الجزائر.

تقع «أنا وحاييم» في ٣٣٣ صفحة، ويعود زمنها الروائي إلى منتصف القرن العشرين - ثلاثة عقود منه تنتهي باستقلال الجزائر وانقلاب بومدين على بن بللا. وترصد علاقة أنا السارد أرسلان بصديق طفولته حاييم بنميمون حتى وفاة الأخير بالسرطان في 60 القرن 20.

كتب الناقد الفلسطيني عادل الأسطة مقالاً حول الرواية ومما جاء فيه: "وعموما فإن السائح لا يشيطن اليهود كلهم ويميز بين يهودي شيوعي وآخر صهيوني، ويقدم شخصية يهودية جزائرية وطنية ناضلت ضد الاستعمار تعرضت في زمن الاستقلال إلى التضييق عليها من التيار الإسلامي الذي رمى إلى أسلمة الجزائر." ويضيف: "في أدبيات عصر التنوير في أوروبا أخذ الكتاب يرسمون صورة إيجابية لليهود مغايرة للصورة التقليدية لهم، ولكن الصورة التقليدية لم تختف من الكتابات الجديدة التي انبثقت من فلسفة عصر التنوير، وأعتقد أن هذا يبرز أيضاً في كتابات الكتاب العرب الذين يبرزون لليهود صورة إيجابية، فاليهودي التقليدي المرابي والمكار والخبيث ومحب المال يحضر في رواياتهم.

الحبيب السائح

وفيما يلي مقطع من الرواية:

"لعله هو ذاك الشعور الذي أدخلني، كما حاييم، في تنافسٍ، كلّ شيء فيه كان شديدا، مع ثلاثة وعشرين زميلا لنا من الأوروبيين والاقدام السوداء، الذين كانوا في غالبيتهم، خاصة المحظيين منهم بالنظام الخارجي، ينظرون الينا، أنا وحاييم، نظرة اهل المدينة الى الريفيين. وكانوا، لاسميناه، قد رتبونا بقوة احكامهم المسبقة، ضمن خانة الانديجان – تلك كانت نظرة الاقدام السوداء والاوربيين جميعا الى غيرهم من الأهالي في البلد كله – فدليلهم، بالنسبة الى حاييم بنميمون، انه لا يزال يستعمل اسما كان يجب على عائلته ان تغيره باسم أوروبي، كما فعلت ذلك عائلات من اليهود المستفيدين من قانون التجنيس، اما اسمٌ مثل أرسلان حنيفي فيحمل في أصوات حروفه دلالاته على صفته الاجتماعية.

كحلزونيين لاصقين بغرائنا في دفاترنا، تارة، ومثل عثتين في ظلمة كتبنا طورا، وأخرى كفارسين لا نسقط في استجواب فجائي، مازح أحدنا الاخر راضيين. وتساءلت أمام حاييم، مرة في تلك الأيام التي تسبق الاختبارات، ونحن بالمرقد في غمرة المراجعات، عما حدث ليرتفع نسق ادائنا بتلك الدرجة مع تسارع وتيرة الدروس بحجم ساعاتها المكثف وموضوعاتها الصعبة والمعقدة. فأسرّ لي بأنه ليس لديه متسع من الوقت ليدره في الهذر لأن الانوار ستطفأ بعد حين. ثم ابتسم ونظر الي واضعا محددا من ريشة حمام بين صفحتين من كتاب العلوم الطبيعية بين يديه.

"لأننا لا نحب أن نعود الى أهلنا منكسين رأسنا".

كان ذاك هو إحساسي. غير أ، بديهتي لم تحضر لأعبر عنه كما فعل حاييم. وبنهاية سنتنا الأولى، وقد سبقت ذلك نتائج الفروض الفجائية والاحتبارات الفصلية، كنا من الأوائل في الترتيب. فكان طبيعيا ان تثور غيرة زملائنا، خاصة أنطوان لونورموند الذي رفع صوته، ونحن امام سبورة التنشير نقرأ أسماء المهنئين الذين كنا منهم.

"الانديجان لا همّ لهم غير الدروس ينكبون عليها، كما الجياع على طعام. وبمجرد ان يشبعوا شبعتهم الأولى سينامون".

ولكن أن تدهش نتائجنا اساتذتنا انفسهم فأمر لم نكن ننتظره انا وحاييم- الان يقابلني في مكتبتي كتاب لا حكايات لافونتان وقصصه الذي اهدتنا إياه أستاذة اللغة الفرنسية ماري تريتان الجميلة التي كنت مفتونا بها فتنة المراهق بنموذج يعبده لأنها كانت تنوّه بموضوعات إنشائي الحرة منها خاصة اذ تجدها مبنية على حكاية من غير ان تعرف انها مستوحاة غالبا مما ترويه لي جدتي أو تدرك أني أستعير أوصافي من سحر وجهها وحين قوامها وتناغم هذا وذاك بألييستها الانيقة في الفصول الثلاثة أو أن تنتبه أخيرا الى تنهيدتي الحارقة عندما أعادت لنا أوراقنا ذات مرة ثم ابتسمت مثل زهرة وأعلمتنا أن الحرب العالمية الثانية وضعت أوزارها فتخيلت فرحتها يبعثها فيها أن خطيبها سيعود إليها من الجبهة سالما ولكنها لم تخبرنا أبدا أن فصول أعمال عنف دامية كانت تجري في اليوم نفسه بين الأهالي من جهة وقوات الامن والاقدام السوداء والاوربيين من جهة ثانية في مدينة سطيف مطالبة بالحرية.