تدوين- يحدث الآن
افتتح مؤخرا في متحف نابو شمال لبنان، معرض "بدايات الصحافة العربية"، والذي يضم نحو 400 صحيفة عربية جمعها الباحث والمؤرخ بدر الحاج علي على مدار أكثر من 50 عاما.
ويقدم المعرض الذي سيستمر حتى شهر أيلول، مختارات من صحف ومجلات عربية، منذ بداياتها في القرن التاسع عشر حتى مطلع الخمسينات من القرن العشرين، ذلك بهدف تشكيل حافظة للمؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية العربية لكيفية البدء في عملية إنقاذ هذا التراث الصحافي من الاندثار.
يقول القائمون على المعرض إنه جرى في القرن التاسع عشر محاولات لإحصاء تقريبي لعدد من الصحف والمجلات العربية الصادرة حول العالم. لكن تلك المحاولات، على أهميتها، لم تستطع تقديم رقم صحيح لأسباب متعددة.
وبحسب القائمين، أجرى جرجي زيدان أول إحصاء للصحف والمجلات العربية سنة 1892، ونشره في العدد الأول من مجلة "الهلال"، مشيرا إلى صدور 147 صحيفة ومجلة.
المحاولة الثانية لإحصاء الصحف وفقا للقيمين، قام بها ناشر جريدة "طرابلس" محمد كامل البحيري، الذي نشر في العدد الأول من جريدته سنة 1893، بحثا قال فيه إن عدد الصحف الذي صدر حتى ذلك التاريخ بلغ ما يقارب 40 صحيفة، وتوالت الإحصاءات إلى أن أصدر الفيكونت فيليب دو طرازي في بيروت سنة 1913، كتابا موسوعيا من أربعة أجزاء بعنوان "تاريخ الصحافة العربية" وأكمل الطرازي إحصاءه حتى عام 1929.
تشير الإحصاءات إلى أنه منذ القرن التاسع عشر وتحديدا النصف الأخير منه، حتى العقد الأول من القرن العشرين صدرت في مصر 394 دورية وجريدة، في حين كان عدد الصحف والمجلات في لبنان قد بلغ ما يقارب ال 55، وتدريجيا ارتفع العدد في البلدين، وانتشرت أيضا بأعداد أقل، الصحف والمجلات في كل من سوريا، فلسطين، العراق، والحجاز. وقد أحصى طرازي حتى أواخر سنة 1929 في فرنسا فقط 43 صحيفة ومجلة.
الملاحظ أن أسماء الصحف والمجلات تتشابه من بلد إلى آخر، ويتكرر اسم بعضها مثل "الأخبار"، و"العروة الوثقى"، و"البيان"، و"الزهور" وغيرها.
وكانت أول الصحف العربية قد صدرت في القاهرة سنة 1799 بعنوان "الحوادث اليومية"، وهي صحيفة يومية رسمية أنشأها نابليون الأول عندما كان قائدا للجيوش الفرنسية في وادي النيل، في عام 1828، أمر خديوي مصر محمد علي بإصدار "الوقائع المصرية"، وكانت تصدر باللغتين العثمانية والعربية في البداية، ثم تحولت إلى العربية لاحقا. الجريدة العربية الأولى التي أصدرها عربي عام 1855، هي "مرآة الأحول" للشاعر السوري رزق الله حسون، لكنها أوقفت عن الصدور بسبب نقدها الشديد للسياسة العثمانية.
لعبت النساء أيضا دورا رياديا في الصحافة العربية، وكانت الشاعرة السورية مريانا هواش أول امرأة تكتب في الصحافة العربية، وظهرت مقالاتها في "الجنان"، و"لسان الحال" في بيروت، وفي العام 1892 أسست اللبنانية هند نوفل في الإسكندرية أول مجلة نسائية في العالم العربي، وحملت عنوان "الفتاة".
وشهد القرن التاسع عشر، وخاصة نصفه الأخير انتشارا مكثفا للصحافة العربية سواء في السلطة العثمانية وشرق آسيا وأوروبا وأقطار المغرب العربي، أو القارة الأمريكية. ونظرا للرقابة الصارمة على المطبوعات في عهد السلطات عبد الحميد الثاني، انتقل عدد كبير من الصحافيين والكتاب السوريين الذين يطلق عليهم عبارة "الشوام"، إلى مصر، حيث ساهموا في نشر عشرات المجلات والصحف في كل من القاهرة والإسكندرية بشكل خاص، وكذلك الأمر بالنسبة للصحف التي أصدرها المهاجرون سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، والوسطى، والجنوبية.
كانت الصحف والمجلات تعبر عن آراء سياسية متضاربة، بعضها عثماني الولاء، والبعض الآخر يؤيد السياسة البريطانية أو الفرنسية، وبعض آخر يدعو إلى التحرر والاستقلال ومحاربة العثمانيين، أتى في طليعتها جريدة "المفيد" التي أصدرها عبد الغني العريسي، والذي أصدر جمال باشا حكما بإعدامه.
أصدر بطرس البستاني في أيلو ل 1860 جريدة "نفير سورية"، التي اعتبرت من أوائل الصحف التي نشرت الوعي الوطني ودعت إلى الإقلاع عن العصبيات الطائفية، ولمعت أسماء ما لبثت أن لعبت دورا أساسيا في يقظة العرب على الأصعدة كافة، أمثال أحمد فارس الشدياق، بطرق البستاني، ناصيف اليازجي، فرح أنطون، جبران خليل جبران، أمين الريحاني، خليل سعادة، وغيرهم كثر.