تدوين-ذاكرات
نشرت جريدة فلسطين الصادرة في يافا في عددها 269 الصادر في 6 أيلول من العام 1913 مقالة لرئيس تحريرها يوسف العيسى بعنوان "مرفأ يافا أيضاً" يتحدث فيها عن حساسية بعض الأوروبيين من موضوع إقامة مرفأ في مدينة يافا ورسالة مسؤول أوروبي سامٍ في القدس حول الموضوع واهتمام الصحافة الأجنبية به ذلك بعد نشر مقال سابق بعنوان "نريد مرفأ" يناقش إقامة مرفأ في مدينة يافا وحاجة المدينة إليه.
وفيمايلي نص المقالة:
ما أشد ولع الأوربيين بالحقائق ووقوفهم بالمرصاد لكلما يكتب أو يقال فيها أو عنها حتى ولو كان الأمر لا علاقة له بهم ويتعلق فقط بقوم تخاذلت نفوسهم وهرمت إرادتهم، هذا لو فرضنا أنها كانت يوماً ما فتية! فصاروا إذا استصرختهم لإطفاء نار شبت حولهم قالوا ببرود: أنها ستخمد حين تنتهي مادتها. وإن صحت بهم ليهبوا من النوم لأن الشمس قد طلعت اجابوك بما أجاب ذلك الخادم الابله معلمه: ومن قال للشمس أن تطلع قبل أن نستيقظ.
كنا كتبنا في عدد ماض مقالاً أولياً عن مرفأ يافا ظننا أن أهالي اللواء سينهضون على أثر قراءته نهضة رجل واحد ويطلبون من الحكومة بيانا صريحاً عن نياتها في هذا الشأن. ويستوضحونها صحة الأخبار التي نشرناها والخفايا التي
كشفنا عنها الستار. ولكننا نقول مع الأسف أن الأمر لم يتعد مع بني قومنا حد الاستحسان ومقالنا لم يفز إلا بصدى موافقة الرأي العام، وهو صدى لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في المشاريع النافعة في هذه البلاد!
بهذا فقط حضرت نتيجة مقالنا بين المواطنين الأفاضل. أما النزالة الاوربية وهي كما وصفناها لك أعلاه أيها القاري الكريم فقد اعتنت بالأمر واهتمت للحادث. وعقد أحدها فصلاً طويلاً في جريدة "اللويد اوتومان" أتى فيه على ما ذكرته «فلسطين» وعلق عليه ما لا يتعدى معناه. كما أننا أخذنا أيضا من فاضل آخر أوربي يشغل منصباً سامياً سياسياً في القدس الشريف كتاباً متعلقاً بالموضوع ينتقد بعض ما جاء فيه. فأكبرنا همة هؤلاء الناس الساهرين على التقاط كل بادرة والاطلاع على جميع ما يكتب في المواضيع العمومية عندنا. وها نحن نعرب الكتاب ملخصاً ونقول كلمتنا في ذيله.
***
كتب الفاضل المذكور:
اطلعت على مقالكم الافتتاحي تحت عنوان "نريد مرفأ" ولقد سرني كما سر كل من يحب الخير لبلدتكم طرقكم هذا الباب مراراً لأن المسألة حيوية ومفيدة ليس ليافا فقط بل للواء القدس أجمع ونابلس أيضا. لكن اسمحوا لي أن أنقد بعض ما جاء في المقال المذكور وأن أقدم بعض ملاحظات عساها تأتي بالمرغوب، إنني رأيت شيئا من التناقض في مقالكم فمن جهة تستنهضون همة المتمولين الأجانب ليقدموا على عمل مرفأ لبلدتكم وفي الوقت نفسه تشكون من كثرة الامتيازات الأجنبية وثقلها على كاهل البلاد. وتظنون أنه يكفي لعمل مرفأ أن يقوم الأهالي وينشدون هكذا: نريد مرفأ نريد مرفأ.
فهذا التناقض في قولكم واعتماد كم فقط على هذه الانشودة مما لا يجدي نفعا. بل الأحسن من هذا كله أن تبثوا روح التعاضد والاتفاق بين الأجانب والوطنيين وإنهاض همم الفريقين لمباشرة كل مشروع نافع وخصوصاً. مسألة المرفأ.
إن أهم الوسائط التي تحصل بها المدن على مرافئ تحصر بأمرين وعلى مدينة يافا اتباعها فتنال المقصود:
1. تأليف "سنديكا" من تجار وملاكين ومصارف هذا اللواء وهذا "السنديكا" عليه إما أن يكفل. أو أن يأخذ لحسابه قسماً من الأسهم، وإما أن يأخذ على عاتقه العمل كله ويكفل للماليين الأوربيين كذا وكذا من الواردات كما تفعل الحكومة في الضمانة الكيلومترية. وفي هذه الحالة يطلب من يافا نفسها أن تعطي هذه الضمانة لا الحكومة المركزية التي فهمنا أنها لا تريد أن تدخل تحت ضمانة من جهة مرفأ يافا.
2. اعتادت أهل المدن المتمدنة أن تضع واردات بلدياتها ضمانة لمثل هذه المشاريع الوطنية، أو بما أن أعظم الربح سيعود من هذا المشروع على البلدة نفسها. فعلى البلدة أن تكون هي صاحبة الإمتياز وعلى الأهالي أن يشتركوا ويأخذوا الاسم وكل نقص يحصل من استهلاك أو فائدة أو رهن الخ. إذا لم يدفع من الواردات الصافية يتحصل من رسومات جديد أي من زيادة الضرائب المحلية.
فإذا كان أهالي يافا لا يضعون الحسد والغيرة والمنافسة الشخصية على جهة ليتمكنوا من الوصول إلى هذه النتيجة الحسنة والحصول على هذه الضالة المنشودة فلا يجب أن يلوموا غير أنفسهم إذا رأوا يوماً ما تجارتهم تتحول إلى حيفا وبلدتهم تتأخر اقتصاديا.
***
نقول إننا مع علمنا بأن جميع هذه النصائح ستذهب في قومنا كصرخة في واد، ولا يبقى منها أقل أثر في نفوسٍ عبدت الواحدة منها ذاتها وجهلت معنى القومية. لا يسعنا إلا شكر هذا الرجل الكبير الفاضل على غيرته علينا واهتمامه بتعليمنا من علمه إياه الزمان والخبرة.
أما قوله بأننا جمعنا النقيضين من رجاء وتنفير عند كلامنا عن الأجانب فنعده منه إساءة تفسير لما كتبناه. لأن الموضوع لم يكن متعلقاً بالأجانب وليس ثمة ما يوجب لهذا القول. بل كان الكلام محصوراً بيننا وبين حكومتنا وقومنا فقلنا
أولاً: إن الشركة الوحيدة التي يمكنها عمل مرفأ ليافا هي شركة السكة الحديدية الفرنساوية الموجودة بين ظهرانينا.
ولعل هذه العبارة هي التي ظنها الكاتب رجاءً واستنهاضا لهمة الأجانب.
وقلنا ثانياً جواباً للذين يعتبرون شراء خط القدس الحديدي من قبل الحكومة خدمة وطنية ما خلاصته: يسرنا عزم الحكومة على شراء هذا الخط كما يسر كل عثماني يرى دولته شعرت بثقل وطاءة المشاريع الأجنبية على كاهلها وإنما الذي نراه من متابعة الحكومة بيع المشاريع الجديدة يجعلنا أن نشك بأنها ستشتري من أجنبي لتبيع إلى أجنبي. والذي ستشتري منه " أعني الشركة الفرنساوية" تضمن مرفأ لمدينتنا بينما الذي ستبيع إليه ونظنها شركة ألمانية لا يوافقها ولا يوافق الحكومة إلا جعل المرفأ في حيفا فهل هذا مما يدعي تحاملاً على الأجانب أو تناقضاً في القول كما ذكر حضرة الكاتب.
أما غمزته لنا ونقده طلبنا من مواطنينا أن يرفعوا صوتهم ويلاحقوا الحكومة قائلين: نريد مرفأ. نريد مرفأ. وقوله إن مثل هذه الانشودة لا تكفي لعمل مرفأ الخ. فنجيبه عليه بأن ما نعرفه نحن من حكومتنا ربما يجهله جنابه، فالحكومة عندنا إذا لم تلاحق بالبرقيات من قبل الاهالي الطالبين تنسى الطلب وتنسي حتى وجود الأهالي، ومرفأ يافا كما قلنا ونكرر القول لا يستطيع عمله إلا اثنان: إما الحكومة لحسابها الخاص وعلى نفقتها أو شركة خط القدس الحديدي إذا تركوا لها خطها. لأن واردات المرفأ المقدرة لا تكفي لأطماع أصحاب الأموال والشركات ترفض عمله دون ضمانة. فعلى أهالي يافا إذا أن يلاحقوا بطلب حق لهم عند الحكومة فإن جمركهم فقط يقدم سنوياً للخزينة 3 ملايين فرنك من الواردات.