الإثنين  16 أيلول 2024

اليمن في الذاكرة الفلسطينية.. دورٌ يسبق الطوفان

2024-08-02 12:23:34 AM
اليمن في الذاكرة الفلسطينية.. دورٌ يسبق الطوفان

تدوين- سوار عبد ربه

في زحمة أحداث ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي"، كادت القضية الفلسطينية أن تدخل في غياهب النسيان، وتطوي صفحة من التضامن والإسناد الذي تشكل على مدار العقود التي سبقت "الربيع" في الذاكرة العربية، وإبان ذلك الزخم العربي، وما رافقه من حروب واقتتالات داخلية وأخرى عربية - عربية، ظلت القضية الفلسطينية معلقة بين ما تراكم في ذاكرة ووجدان الشعوب العربية والوقائع الجديدة التي بدأت تتشكل في المنطقة بصرف النظر عن القضية القومية والإنسانية الكبرى، وفي ظل هذا التأرجح العربي، وتقلص المساحات الصديقة للشعب الفلسطيني، استطاع اليمن أن يقدم نموذجا استثنائيا انفرد فيه وحده دون سواه من الدول التي شهدت ثورات أو أزمات سياسية، أو حروب كعاصفة الحزم التي أطلقها تحالفٌ عسكري من عشر دول بقيادة السعودية ضد اليمن.

وفي ظل المقتلة التي دارت في معظم محافظات اليمن، استطاع الشعب اليمني أن يترفع عن جراحه وآلامه، وأن يحول الميادين من ساحات اقتتال إلى مساحات تضامن مع القضية الفلسطينية، تجلى هذا بوضوح في شعارات المتظاهرين الذين رفعوا العلم اليمني والعلم الفلسطيني جنبا إلى جنب، ورددوا بصوت واحد: "قولوا لرُعاة التّطبيع.. قضيّتنا لن تضيع"، "من طبّع من العُربان.. ضمن تحالف العُدوان".. "إسرائيل هي السّرطان.. أمريكا هي الشّيطان"، "من قتل شعب فِلسطين.. هم من قتلوا اليمنيين"، "أعداؤنا في يمن العزّة.. هُم أعداء القدس وغزّة".

هذه الاستعادة للمواقف اليمنية تأتي في سياق ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية منذ 10 أشهر من إسناد عسكري مستمر، للمقاومة الفلسطينية ونصرة لمظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا إسناد ينظر إليه فلسطينيا بعين التقدير، ليس فقط لأن اليمنيين ما لبثوا أن خرجوا من حرب شعواء أفرزت ما أفرزته من انقسامات داخلية، وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، بل أيضا بحكم البعد الجغرافي بين فلسطين واليمن، وبهذا يكون اليمن استطاع صوغ معادلة جديدة لمفهوم الحدود، وفرض معادلات ردع أمام الاستكبار الأمريكي والهيمنة الصهيونية، وهو ما يمنح هذه الجبهة أهمية مادية وحيوية، إذا ما تجاوزنا المفاهيم الإسنادية الكلاسيكية للشعوب العربية حيال القضية الفلسطينية.

ثلاثة أبعاد وثلاث رسائل

نضال خلف

وحول أبعاد ودلالات جبهة الإسناد اليمنية، أوضح الباحث الفلسطيني المهتم بالشأن اليمني، نضال خلف في لقاء خاص مع "تدوين"، أن لهذه الجبهة أبعادا ثلاثة؛ أولها عسكري-اقتصادي يشمل محاولة حصار العدو والضغط عليه من بوابة لا يتجرّأ العرب عادة على الخوض فيها، وهي بوابة الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الكيان يمثل حلقة مهمة في اقتصاد النهب الذي يؤمن الهيمنة الغربية على العالم، إذ أن دعم الغرب للكيان يأتي في إطار تمكين كيان سرطاني هجين من الاستمرار في تأدية دوره على هذا الصعيد.

ولهذا، شكلت الرسالة اليمنية باستهداف السفن والبوارج في البحرين الأحمر والعربي وصولا إلى المتوسط ضرباً لحلقة تمكين الكيان وموازنة لثمن الحرب اقتصاديا، بحيث لا يعود الفلسطينيون والعرب وحدهم يدفعون ثمنها، بل ستصل آثار استمرارها إلى حياة ومستقبل كل العالم وأوله الغرب المهيمن، بحسب الباحث.

أما البعد الثاني وفقا لخلف، فهو بعد سياسي يتمثل بتبني قوى عربية حرة لعملية بحجم طوفان الأقصى والاستعداد للانخراط فيها مهما كانت الأثمان، موضحا أن هذا يشكل ورقة قوة بيد المقاومة الفلسطينية، ويسحب من العدو ورقة الاستفراد بالفلسطينيين.

وأخيرا، يرى الباحث أن البعد الثالث هو البعد المعنوي، حيث تشكل جبهات الإسناد نموذجاً عربياً جديداً لم يعهده الفلسطينيون من قبل، وهو ما يمنح مسار التحرير الفلسطيني جرعة أمل مبنية على واقع متغير لصالح شعوب المنطقة.

وتحت اسم "معركة الفتح والجهاد المقدس"، انخرط اليمنيون رسميا بتاريخ 31 تشرين الأول 2023، في معركة طوفان الأقصى، إذ أعلن العميد يحيى سريع، الناطق العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية (الحوثيون) في بيان: "إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والمجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة على أهداف مختلفة للعدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة".

هذا الإعلان رافقه حشد مليوني في عشرات الساحات بالمدن والمحافظات ومناطق التجمعات السكنية بشكل أسبوعي أيام الجمعة في مسيرات للتعبير عن تأييد اليمنيين المطلق للمقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة.

وحول هذا قال الإعلامي اليمني حسين فايع في لقاء خاص مع "تدوين"، "إن الشعب اليمني كان سبّاقا بالخروج إلى الساحات والميادين لإظهار موقفه من معركة طوفان الأقصى، الذي تعتبر القيادة هي الأساس فيه، لا سيما ضمن المنهجية المتأصلة وذات الثوابت التي يتخذها قائد أنصار الله "الحوثيين"، عبد الملك الحوثي، والتي من أولوياتها نصرة الشعب الفلسطيني".

حسين فايع

وأضاف: "الخروج الشعبي أسفر عن تحرك للمؤسسات الرسمية بعد توجيهات من قائد الثورة، وكان من بينها تحرك للقوات المسلحة الذي تصاعد ضمن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، مشيرا إلى أن التحرك الثقافي والشعبي والسياسي، وعلى كل المستويات يأتي في إطار محور الجهاد والمقاومة، من أجل الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني".

وفيما يتعلق بالرسائل الأخلاقية والسياسية التي يقدمها نموذج اليمن في هذا المضمار، أوضح الإعلامي اليمني محمد القاعدي في لقاء خاص مع "تدوين"، أن "هذا الحشد المليوني في مختلف الساحات أتى لرفع معنويات الشعب الفلسطيني الذي أحس بالخذلان العربي، ولإسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومقاومته الباسلة التي لا زالت تسطر أروع ملاحم الصمود والبطولة في وجه كيان العدو الإسرائيلي".

كما أنها رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت في الفترة الأخيرة على حشد مزيد من المواقف العربية لصالح كيان العدو الإسرائيلي، ليأتي اليمنيون ويقولون لها لا زالت هناك شعوب حية تقف إلى جانب فلسطين بالسلاح والمال وبكل المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية بكل الوسائل المتاحة، وفقا للقاعدي.

وثالثا، أوضح القاعدي أنها رسالة للشعوب العربية والإسلامية التي تتخاذل وتتجاهل ما يحصل في غزة من إبادة جماعية ومن جرائم وانتهاكات للمقدسات من قبل العصابات الصهيونية.

سرد زمني لمسار تصاعدي ممنهج

بعض من شهداء القوات البحرية اليمنية

سبق الإعلان الرسمي من القوات المسلحة اليمنية المشار إليه سابقا، خطاب للأمين العام لحركة أنصار الله "الحوثيين"، عبد الملك الحوثي، بتاريخ 10 تشرين الأول 2023، أي بعد ثلاثة أيام من اندلاع معركة طوفان الأقصى، تحدث فيه عن الجهوزية التامة لليمن شعبا وقيادة للانخراط في المعركة، بكل السبل والإمكانيات، موجها تحذيرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية من انضمامها المباشر مع الاحتلال في حربه ضد الفلسطينيين.

وفي الرابع عشر من كانون الأول 2023، هدد عبد الملك الحوثي باستهداف سفن الاحتلال في البحر الأحمر، ليبدأ الاستهداف الفعلي في التاسع عشر من الشهر ذاته.

وبتاريخ 9 كانون الثاني، وسعت القوات المسلحة اليمنية دائرة الاستهداف لتشمل جميع السفن من جميع الجنسيات المتجهة من وإلى الموانئ الفلسطينية المحتلة.

وفي أيار الماضي، أعلنت القوات المسلحة اليمنية، بدء تنفيذ المرحلة الرابعة من التصعيد، والتي تشمل استهداف "كافة السفن المخترِقة لقرار حظر الملاحة الإسرائيلية والمتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من البحر الأبيض المتوسط في أي منطقة تطالها القوات المسلحة".

وفي حزيران، بدأت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عمليات مشتركة بحرية وجوية مع المقاومة الإسلامية في العراق.

وفي 19 تموز الجاري، دخلت القوات المسلحة اليمنية مرحلة عسكرية جديدة باستهدافها هدفا مهما في "تل أبيب" المحتلة، بطائرة مسيرة جديدة أطلقت عليها اسم "يافا"، معلنة بهذا "تل أبيب" المحتلة منطقة غير آمنة وستكون هدفا أساسيا في مرمى أسلحتها.

وفي سياق استراتيجية التصعيد الممنهج الذي اتخذتها القوات المسلحة اليمنية في عملياتها، أوضح الإعلامي اليمني محمد الصاعدي أن القوات المسلحة اليمنية منذ العملية الأولى باختطاف سفينة "غالاكسي ليدر" واحتجازها في سواحل محافظة الحديدة اعتمدت على عنصر المفاجأة وأدخلت أسلحة جديدة في مواجهتها مع السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، كما أدخلت زوارق حربية من صنع محلي، وصواريخ مجنحة وفرط صوتية وطائرات صوتية.

وأضاف: "المواجهة العسكرية منذ بداياتها تسير في مسار تصاعدي من خلال توسيع دائرة الاستهداف من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال استخدام أسلحة جديدة متطورة واستراتيجية وأيضا من خلال توسيع بنك الأهداف سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.

جبهة تجاوزت الحدود والجغرافيا

وفي سياق ما يتعلق بالبعد الجغرافي بين فلسطين واليمن، وقدرتها على الانخراط في المعركة من موقعها، كجبهة فاعلة ومؤثرة، متجاوزة بهذا مفاهيم الحدود والجغرافيا، أوضح الباحث نضال خلف أن المشاركة اليمنية رغم البعد الجغرافي تدل على الوعي السياسي الجذري لحقيقة المعركة في المنطقة، وهو كسر لحدود التقسيم الاستعماري وآثاره في نزع الشعب العربي عن قضيته.

وأضاف: "اليمنيون اليوم (وإخوانهم في جبهات الإسناد) يثبتون معادلة أساسية في تاريخ ومستقبل المنطقة، وهي أن القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي، وهي مفتاح حل كل الأزمات المتفرعة من المشكلة الأساسية وهي الاستعمار والتقسيم.

ويرى خلف أن اليمن حول الجغرافيا من عائق إلى عامل مساعد؛ لأن المعركة الفعلية هي معركة على كامل جغرافيا المنطقة. فالكيان الصهيوني ليس سوى قاعدة من قواعد الهيمنة الأمريكية المتمركزة في الخليج العربي والبحار العربية وصولاً إلى مضيق جبل طارق، مشيرا إلى أن الإسناد اليمني شكل تصحيحاً لمسار المعركة وإعادة تعريف ميدانها ونطاقها وهيئة عدونا الحقيقي.

أما الإعلامي محمد القاعدي فيرى أن كون القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لليمنيين، لا يوجد مكان للحسابات الجغرافية، وهذا لإدراكهم أن فلسطين هي قضيتهم التي يجب أن يناضلوا ويدافعوا من أجلها، مضيفا أنه رغم البعد الجغرافي تعيش القضية الفلسطينية في قلب كل أبناء الشعب اليمني.

محمد القاعدي

أما ما أثبتته اليمن في هذه المعركة، بحسب القاعدي هو أن "فلسطين قريبة من كل العرب ولا يمكن فصلها عن جسد الأمة العربية والإسلامية وإذا ما وجدت النوايا والإرادة والموقف الواضح وجدت المقاومة".

وعطفا على هذا أكد الضيوف المتحدثين في التقرير أن القضية الفلسطينية راسخة في الوجدان اليمني على مدى عقود ومن جيل إلى جيل، ولو وجد السبيل للوصول إلى فلسطين، لحضر ملايين اليمنيين للقتال، سيما وأنهم لفترات طويلة تجهزوا في معسكرات للتعبئة والتدريب، واليمني بطبعه إنسان مقاتل ومتمرس وجاهز لأي معركة.

الأمر ذاته الذي تحدث عنه عبد الملك الحوثي في أولى خطاباته ضمن معركة طوفان الأقصى بقوله: "كنا نتمنى أننا بجوار فلسطين ولو تهيأ لنا ذلك لبادر شعبنا بمئات الآلاف من المقاتلين للدفاع عن فلسطين لكن أمامنا المنطقة الجغرافية، وبعض الدول".

نموذج جديد في الوعي الفلسطيني

استطاع اليمن أن يقدم نموذجا جديدا في الوعي الفلسطيني، الذي تعج ذاكرته بالخذلان، وأمام المواقف العربية الخجولة والمعدومة أحيانا في الشارع العربي تجاه القضية الفلسطينية، باستثناء جبهات الإسناد، انتزع اليمن مكانة له في الذاكرة الفلسطينية الحديثة، واضعا نفسه في مقدمة المؤتمنين عليها، وشريكا بالدم والسلاح.

وفي هذا الجانب، أوضح الباحث نضال خلف أن الخذلان العربي شكل ثيمة متداولة عبر الأجيال. وبالرغم من عدم "علمية" المصطلح، كان للتقسيمات الاستعمارية أثر كبير في تحييد الشعب العربي وفئاته عن القضية العربية، مما خلّف شعوراً مزمناً بالخذلان والاستفراد عند جزء كبير من الشعب الفلسطيني. لهذا، شكلت جبهات الإسناد، وعلى رأسها اليمن، نموذجاً جديداً في الوعي الفلسطيني، قائم على إرادة سياسية شعبية ورسمية بالقتال والتضحية ودفع الأثمان إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعماً لأهدافه التي تعود فوائدها على كل الشعب العربي- وهذا وهو الوعي الجذري.

أما على الصعيد النفسي، وجد الفلسطينيون إنساناً عربياً جديداً، يتميز بالجرأة والإقدام والحكمة ويمتلك قراره السياسي بعيدا عن الإملاءات والأوامر الغربية، هذا النموذج لـ "إنسان طوفان الأقصى" هو أمل الفلسطينيين وكل أحرار الأمة بإمكانية تحقيق أهدافنا بالحرية والتحرير والعودة، وفقا لخلف.

وخلص الباحث إلى أن الإرادة السياسية المتجانسة مع القوة الميدانية هما جوهر الأمل الفلسطيني والعربي بالحرية، ولليمن في ذلك فضل كبير. فهو يقدم للفلسطينيين نموذجا حيا عن شعب خرج من مقتلة شاركت فيها كل الأمم لكسره وإخضاعه، ليخرج منها مستقلاً عزيزاً وقوياً وثابتاً على حق الأمة وأهدافها.

ثورة داخلية لإعادة موضعة القضية الفلسطينية في الوعي اليمني

بتاريخ 21 أيلول 2014، قاد الشعب اليمني ثورة كان أحد أهدافها إعادة الانتصار للقضية الفلسطينية، وخلق وعيا شعبيا جماهيريا بأهمية مناصرتها.

وحول هذا أوضح الإعلامي اليمني محمد القاعدي أن فلسطين كانت أحد أهم وأبرز أهداف ثورة أيلول، التي خرج فيها الشعب اليمني ليسقط أدوات الوصايا والهيمنة الأمريكية السعودية على اليمن.

وأضاف: "هذا الوعي الذي ظهر الآن هو نتيجة عمل ثوري وكفاح ونضالات الشعب اليمني الممتدة منذ العام 2014 وحتى الآن"، مشيرا إلى انتصار الثورة التي تقود الآن هذا الوعي وتحرك اليمنيين لمناصرة القضية الفلسطينية".

من جانبه، قال الإعلامي اليمني حسين فايع إن "الدور اليمني في طوفان الأقصى مرتبط بارتباط الشعب اليمني بقيادته التي رسخت ضمن أولوياتها مبدأ ثابتا وهو نصرة الشعب الفلسطيني"، معتبرا أن هذا التحرك يندرج ضمن المسؤولية الأخلاقية والدينية والإنسانية، ولم يكن وليد اللحظة بل نتاج بناء من خلال الثقافة القرآنية التي دعا إليها قائد حركة أنصار الله السابق، حسين بدر الدين، والتي ركزت بشكل كبير على مظلومية الشعب الفلسطيني وعلى إيجاد مشروع للتحرر من الهيمنة الصهيونية والتحرر من الاستكبار الأمريكي".

دور يسبق الطوفان

ويرجع تاريخ تشكل القضية الفلسطينية في وجدان الشعب اليمني إلى ما قبل طوفان الأقصى بعقود، إذ أوضح الإعلامي حسين فايع أن القضية الفلسطينية وقضية الأقصى على وجه التحديد تسبق طوفان الأقصى بعقود، على المستوى الشعبي والتنظيمات السياسية أيضا، إذ أن التفاعل معها ومع مظلومية الشعب الفلسطيني أمر مبدئي، وفي وقت سابق استضافت اليمن الفصائل الفلسطينية وظل عدد كبير منها في الأراضي اليمنية.

أما المحلل السياسي عبد الحافظ معجب فيرى أن القضية الفلسطينية ليست بجديدة أو طارئة على الشعب اليمني، إنما عمرها بالوجدان اليمني يرجع إلى اليوم الأول لبداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، أي قبل تشكل الكيان الصهيوني، ففي حينها عايش اليمنيون المأساة الفلسطينية وبدأت موجات الجهاد اليمني داخل الأراضي الفلسطينية.

وإبان النكبة عام 1948، بلغ عدد الشهداء اليمنيين ما يقرب الـ 50 شهيدا موزعين بين يافا والقدس وغرب الخليل، وأحدهم استشهد داخل المسجد الأقصى، وفقا لما ورد في كتاب "نكبة فلسطين والفردوس المفقود 1948-1952" للمؤرخ الفلسطيني عارف العارف.

وبالعودة إلى أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، كان اليمنيون في موسم الحج يذهبون إلى مكة ومن ثم إلى المسجد الأقصى، ضمن موسم عرف باسم "تقديس الحج"، وهو ما يدلل على الارتباط العميق بينهم وبين فلسطين، وفقا لمعجب.

وبحسب الإعلامي محمد القاعدي، اليمن أغلق في حرب عام 1973 باب المندب أمام التحركات الأمريكية الفرنسية البريطانية الداعمة لكيان العدو الإسرائيلي وفي تلك الفترة وقف اليمن عسكريا إلى جانب مصر في معركة تحرير سيناء، وهذا الموقف يتجدد اليوم بوقوف كل أبناء الشعب اليمني مع فلسطين ومقاومتها وقضيتها.

كما أن اليمنيين شاركوا بحمل السلاح دفاعا عن أرض فلسطين مع بدء الهجرات اليهودية، ثم توالت الرحلات الجهادية من اليمن في السبعينات والثمانينات وصولا إلى مرحلة اجتياح بيروت عام 1982، إذ شارك اليمنيون في العديد من العمليات العسكرية كعملية الشهيد كمال عدوان، بحسب المحلل السياسي عبد الحافظ معجب.

وعن هذا كتب معين الطاهر، قائد الكتيبة الطلابية في حركة فتح، في كتابه "تبغ وزيتون": "تميّز المتطوعون اليمنيون بالصلابة والروح القتالية العالية والجاهزية الدائمة للقيام بالمهمات الصعبة.. اندمج هؤلاء الإخوة بسهولة في حياة الكتيبة ومهماتها اليومية، وتولى بعضهم لاحقاً مهمات قيادية فيها مثل الشهيد عبدالكريم الكحلاني (عبد القادر اليمني) الذي أصبح نائباً لقائد قلعة الشقيف واستشهد فيها وكان سابقا رقيب أول في الجيش اليمني، وحاز محبة إخوانه وثقتهم، وكذلك الشهيد أبو رعد اليمني الذي أصبح قائداً لمجموعة رشاشات ثقيلة مضادة للطائرات من عيار 37 ملم، وهو الذي تولى تدريب إخوانه على هذا الرشاش الذي دخل في الخدمة خلال وجوده معنا، وكان يعمل في الجيش اليمني على الرشاش ذاته، وقد تمكن أبو رعد ومجموعته من إسقاط مروحية إسرائيلية هوت محترقة مساء 6 يونيو 1982 على إحدى تلال النبطية وهي تقل عدداً من ضباط قيادة الأركان الصهيونية. كان اليمنيون مثالا ساطعا للمقاتل العربي الذي لو أتيح له الوصول إلى مناطق التماس مع العدو الصهيوني لحقق الكثير من الإنجازات".

وأشار المحلل السياسي إلى وجود شهداء كثر ارتقوا في القدس ومدن فلسطينية أخرى، بينهم من يقبعون في مقابر الأرقام ويرفض العدو الإسرائيلي تسليم جثامينهم أو الإفصاح عن معلوماتهم لأنهم نفذوا عمليات كانت موجعة لهذا الكيان.

ما قدمه الطوفان لليمن

عبد الحافظ معجب

وبعد سنوات من الانقسام، توحدت ساحات صنعاء والحديدة وصعدة، التي تخضع لجماعة أنصار الله الحوثيين، مع مأرب وتعز والمخاء وحضرموت والمهرة التي تخضع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في احتضان المظاهرات الأسبوعية المؤيدة للمقاومة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يقول الإعلامي والمحلل السياسي عبد الحافظ معجب في لقاء خاص مع "تدوين"، إن "طوفان الأقصى أسهم بشكل كبير بلمس اليمنيين ودرء الاختلافات الداخلية بين الشعب اليمني وتوحدوا بموقف واحد وهو الدفاع عن القضية الفلسطينية".

أما الإعلامي حسين نافع فيعزو هذه الوحدة إلى المسيرة القرآنية التي مضت بها حركة أنصار الله والتي تخضع لأدبيات على رأسها العداء لأمريكا و"إسرائيل"، إذ ترفعت عن كل الثغرات بما فيها الخلاف الداخلي ما أسهم في تحصين الجبهة الداخلية وتعرية أدوات أميركا في المنطقة.

وعام 2018، أطلق الشعب الفلسطيني حملة مناصرة للشعب اليمني، بعنوان "من فلسطين هنا اليمن"، شملت فعاليات ميدانية وأخرى افتراضية، إذ وحد الفلسطينيون في حينها صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا صورا ومقاطع فيديو وعبارات تضامنية، تحت وسم حمل اسم الحملة، كما نظمت وقفات تضامنية في عدة محافظات فلسطينية كان أبرزها في مدينة رام الله، وجامعة بيرزيت شمال غرب المدينة.