الثلاثاء 12 آب 2025
تدوين- إصدارات
ما الذي كان يميز الحياة في فلسطين خلال ثلاثينيات القرن الماضي، قبل أن تحجب نكبة 1948 تفاصيلها اليومية؟ كتاب "ذكريات من القدس" لسيرين الحسيني شهيد (1920-2009) يقدم إجابة فريدة من نوعها. من خلال سردها الشخصي، تعيد الحسيني شهيد إحياء تلك الحقبة، ممازجة بين مصيرها الفردي والذاكرة الجماعية لشعب يرفض النسيان.
بانوراما الحياة في فلسطين: من القدس إلى الشتات
يقدّم الكتاب، الذي صدر حديثاً بترجمة الناقد المغربي محمد برادة، صورة بانورامية للحياة الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين. تبدأ الحسيني شهيد رحلتها من سنوات طفولتها في القدس، وتمر عبر تفاصيل عائلية وشخصيات محورية مثل خالها، القيادي الوطني موسى العلمي. تتنوع فصول المذكرات التي نُشرت لأول مرة بالإنجليزية عام 2000، لتشمل مراحل مختلفة من حياتها: من مدارس الفرندز في رام الله، وعلاقات الأسر المقدسية، إلى الأحداث التي شهدتها بيروت وبغداد. يتوقف السرد عند تداعيات نكبة 1948، وما تلاها من شتات، قبل أن يعود إلى أريحا والقدس. كما تسلط الحسيني شهيد الضوء على دور النساء في الحفاظ على التراث الفلسطيني، وتذكر تأسيسها لجمعية "إنعاش" عام 1967 مع الفنانة اللبنانية أوغيت كالان، لدعم اللاجئين والحفاظ على فن التطريز الفلسطيني.
التاريخ الاجتماعي من منظور المرأة الفلسطينية
في تقديمه للكتاب، يوضح إدوارد سعيد أن الحسيني شهيد، رغم نشأتها في بيئة ميسورة، لم تغفل عن معاناة شعبها في ظل الانتداب البريطاني والتوسع الصهيوني. يؤكد سعيد أن التاريخ، وخاصة تاريخ الضحايا، يستمر عبر الشهادات الشخصية التي لا تروي قصة فردية فحسب، بل تستحضر النسيج الاجتماعي الفلسطيني بأكمله.
من جهتها، تؤكد محررة الكتاب، جين سعيد مقدسي، على أهمية هذه المذكرات كوثيقة حيوية لتوثيق ذكريات النساء العربيات التي غالباً ما تُهمل في السرد الأكاديمي. تضيف المذكرات بُعداً إنسانياً حيّاً للتاريخ الفلسطيني عبر استعادة الأصوات، الروائح، والملابس، وصور الأزقة المبلطة، مما يمنح عمقاً لمحكيات مهددة بالاندثار.
