تدوين-يحدث الآن
يعقد في الثامن من تشرين الأول 2025 المؤتمر السنوي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية تحت عنوان "فلسطين أمام منعطف تاريخي: قراءات في واقع جديد"، وذلك في توقيت يتزامن مع الذكرى الثانية لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، وفي ظل تحولات إقليمية ودولية فرضت وقائع جديدة على المشهد الفلسطيني والمنطقة ككل.
وأكدت المؤسسة في بيان صادر عنها أن المؤتمر ينعقد في لحظة سياسية بالغة الدقة، إذ تتكشف آثار الحرب على غزة بشكل أوضح من أي وقت مضى، سواء على مستوى الدمار الشامل الذي أصاب كل مقومات الحياة في القطاع، أو على صعيد التحولات السياسية والميدانية التي كرّست واقعا جديدا على الأرض. وأشارت إلى أن الحرب لم تكن مجرد عدوان عسكري، بل لحظة مفصلية أعادت رسم خريطة الصراع وأفرزت أسئلة جوهرية حول مستقبل القضية الفلسطينية.
وقالت المؤسسة إن قطاع غزة خضع لحصار شامل طويل الأمد قبل الحرب، فرضه الاحتلال برا وبحرا وجوا، وحوّله إلى سجن مغلق يتحكم فيه الاحتلال بكل تفاصيل الحياة. وجاء العدوان، بحسب البيان، لتجهز على ما تبقى من بنية تحتية واقتصاد وبيئة صالحة للعيش. أما في الضفة الغربية، فأوضحت المؤسسة أن سياسات الاحتلال مستمرة في فرض مزيد من الحواجز والتضييقات، إلى جانب تسارع غير مسبوق في النشاط الاستيطاني، بما يهدف إلى فرض واقع ديموغرافي وجغرافي يصعب التراجع عنه.
ورأت المؤسسة أن هذه الحرب رفعت منسوب الاستقطاب الدولي إلى مستويات جديدة، حيث انقسمت المواقف بين من برّر العدوان تحت ما يُسمى "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، متجاهلا جذور الصراع والحقوق الفلسطينية، وبين من أدان المجازر والانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت بحق المدنيين، والتي خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ودمّرت معظم القطاعات الحيوية.
كما أشار البيان إلى أن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من الغياب عمّقت من التحالف الاستراتيجي مع حكومة الاحتلال، وكرّست مقاربة تتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفا عقاريا لا سياسيا. وتوقفت المؤسسة عند ما طرحه ترامب من خطط لإعادة إعمار غزة في ظل التهجير، واعتبرتها مقاربات خطرة تُغذي سيناريوهات الطرد القسري وتجاوز الحقوق الوطنية. وأضاف البيان أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن لم تختلف كثيرا من حيث الانحياز والدعم العسكري غير المحدود للاحتلال، ما ساهم في تكريس اختلال موازين القوى على حساب العدالة والشرعية الدولية.
وأكدت المؤسسة أن المؤتمر سيتناول أيضا تداعيات الحرب على مستوى الإقليم، خاصة بعد اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي لتشمل لبنان وسوريا، وسقوط النظام السوري، وتوغّل الاحتلال في أراض جديدة، وسط تصاعد الحديث عن مشاريع تفتيت وتقسيم تعيد رسم خرائط المنطقة. كما ستُناقش مواقف القوى الإقليمية، بما في ذلك السياسة الإيرانية التي شابها التردد والانكفاء في بعض اللحظات، إلى جانب صعود الدور التركي الذي لا تزال انعكاساته على القضية الفلسطينية قيد التقييم.
وأشارت مؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى أنها واكبت الحرب منذ لحظاتها الأولى، ووسّعت من نشاطها البحثي والتوثيقي، فأطلقت منصات إلكترونية متخصصة، ونشرت أكثر من 150 ورقة سياسات بثلاث لغات، وفّرت من خلالها مرجعا علميا رصينا للباحثين والصحافيين والمهتمين. كما شارك باحثوها في عشرات اللقاءات والندوات التي قدّمت قراءات معمقة لجذور الحرب وسياقاتها ومآلاتها.
وفي ختام البيان، أكدت المؤسسة أن مؤتمر هذا العام يشكل فرصة ضرورية لفتح نقاش نقدي معمق وشجاع حول واقع القضية الفلسطينية ما بعد الحرب، بما يشمل أسباب اندلاعها، وتحولاتها الميدانية، وتداعياتها السياسية والاجتماعية. وشددت على أن المؤتمر، انطلاقا من استقلالية المؤسسة ومعاييرها الأكاديمية، يهدف إلى تقديم قراءة موضوعية متحررة من الاصطفافات، تسهم في فهم أعمق للصراع واستشراف مساراته المستقبلية.
ويُعقد المؤتمر بشكل متزامن في جامعة القديس يوسف في بيروت، وجامعة بيرزيت في رام الله، وجامعة جورج تاون في واشنطن، مع توفير مشاركة إلكترونية عبر منصة "زوم"، بما يتيح حضورا واسعا لعدد كبير من الأكاديميين والمفكرين والباحثين من المنطقة والعالم، ويعكس أهمية اللحظة السياسية التي ينعقد فيها المؤتمر في سياق نضال الشعب الفلسطيني وتحدياته المتصاعدة.