الخميس  16 تشرين الأول 2025

في ذكرى اغتيال وائل زعيتر: تعاون أوروبي - إسرائيلي في الظل تكشفه وثائق سرية

2025-10-16 07:21:30 AM
في ذكرى اغتيال وائل زعيتر: تعاون أوروبي - إسرائيلي في الظل تكشفه وثائق سرية
الشهيد وائل زعيتر

تدوين- ذاكرات/ شخصيات وأحداث

تصادف اليوم، السادس عشر من تشرين الأول، الذكرى السنوية لاغتيال المفكر والمترجم الفلسطيني وائل زعيتر، الذي استشهد برصاص عملاء الموساد الإسرائيلي أمام مدخل شقته في العاصمة الإيطالية روما عام 1972.

وائل زعيتر، من مواليد مدينة نابلس عام 1934، كان مفكرا ومترجما ودبلوماسيا بارزا، وبرز كأحد أبرز الوجوه الثقافية الفلسطينية في أوروبا خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن العشرين. عرف بثقافته الواسعة وإتقانه لعدة لغات، وكان من أوائل من ترجموا كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى اللغة الإيطالية.

عمل زعيتر ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية في روما، حيث كرس جهوده لتعريف الرأي العام الأوروبي بالقضية الفلسطينية، من خلال الحوارات الثقافية والنشاط السياسي السلمي.

جاء اغتيال زعيتر كأول حلقة في سلسلة طويلة من عمليات التصفية التي نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي، ضمن ما عرف لاحقا باسم "عملية غضب الرب"؛ وهي حملة اغتيالات انتقامية أمرت بها رئيسة وزراء الاحتلال آنذاك، غولدا مائير، ردا على عملية ميونيخ التي نفذتها منظمة "أيلول الأسود"، وأدت إلى مقتل 11 رياضيا إسرائيليا خلال دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا الغربية.

لأعوام طويلة، روج لتلك الحملة على أنها عمليات استخباراتية إسرائيلية خالصة، نفذت بسرية تامة ودون علم أو تدخل الدول التي وقعت على أراضيها. غير أن كتابا جديدا صدر هذا العام عن منشورات جامعة كامبريدج، يعيد رسم ملامح هذه الرواية بشكل جذري.

"عملية غضب الرب" لم تكن إسرائيلية فقط

في كتابها الجديد: "عملية غضب الرب: التاريخ السري للاستخبارات الأوروبية وحملة اغتيالات الموساد"، تكشف الباحثة في شؤون الاستخبارات والأمن أفيفا غوتمان النقاب عن دور عميق وخفي لأجهزة استخبارات أوروبية دعمت تلك الحملة الإسرائيلية، ليس فقط بالتواطؤ، بل بمساهمة فعلية في جمع المعلومات والتنسيق على الأرض.

تستند غوتمان إلى أكثر من 40 ألف وثيقة غير منشورة، مصدرها أرشيف ما يعرف بـ"نادي بيرن"، وهو تجمع استخباراتي سري تأسس عام 1969 وضم رؤساء أجهزة الاستخبارات الداخلية في ثماني دول أوروبية، بينها فرنسا، ألمانيا الغربية، وإيطاليا. بعد عملية ميونيخ، أنشأ هذا التحالف قناة اتصال مشفرة أطلق عليها الاسم الرمزي "كيلوواط"، خصصت لتبادل المعلومات عن النشطاء الفلسطينيين.

دعم استخباراتي أوروبي... واغتيالات بأيد إسرائيلية

تكشف غوتمان أن هذه القناة لم تكن مجرد أداة للتبادل المعلوماتي، بل تحولت إلى شريان حيوي لنجاح عمليات الموساد. إذ حصل الاحتلال من خلالها على بيانات دقيقة تشمل عناوين الفلسطينيين المستهدفين، وثائق سفرهم، هوياتهم الحقيقية والمستعارة، ومسارات تحركاتهم.

ولم يقتصر التعاون على ما قبل الاغتيال، بل امتد لما بعد التنفيذ. كانت الأجهزة الأمنية المحلية ترسل إلى "كيلوواط" تقارير مفصلة من الشرطة، وتحقيقات أولية حول العمليات، ما أتاح للموساد تقييم نتائج عملياته، وتعديل استراتيجياته وفقا لما تعرفه الدول المستضيفة.

فعلى سبيل المثال، عقب اغتيال زعيتر، قدمت الاستخبارات الإيطالية للموساد تفاصيل تتعلق بسيارة الهروب، واسم المستأجر الوهمي، وحتى الرسم التقريبي لأحد المنفذين. وفي اغتيال محمد بودية في باريس عام 1973، سوقت الاستخبارات الفرنسية الرواية القائلة بأن الانفجار في سيارته كان "حادثا عرضيا"، الأمر الذي ساعد على طمس الأدلة وتضليل الرأي العام.

واحدة من أكثر المفارقات التي يسلط الكتاب الضوء عليها هي التناقض الصارخ بين المواقف السياسية العلنية للحكومات الأوروبية، وبين ما كانت تفعله أجهزتها الأمنية من دعم مباشر للموساد. ففي الوقت الذي اتخذت فيه حكومات أوروبية، مثل حكومة بريطانيا، مواقف ناقدة للاحتلال، وذهبت حد منع تصدير قطع غيار دبابات خلال حرب تشرين التحريرية 1973، كانت أجهزتها الاستخباراتية تزود الاحتلال بكل ما تحتاجه لتنفيذ عمليات تصفية على أراضيها.

تصف غوتمان هذا التناقض بما تسميه "النظام الأمني الموازي": منظومة تعمل خارج الرقابة البرلمانية والإعلامية، وتبرر ممارساتها باسم "مكافحة الإرهاب"، فيما هي تنفذ عمليات قتل خارج نطاق القانون، بالشراكة مع أجهزة استخبارات أجنبية، وعلى أراض يفترض أنها ذات سيادة.

إعادة النظر في "أسطورة الموساد"

من النتائج البارزة للكتاب أيضا تفكيك الأسطورة القديمة التي أحاطت بجهاز الموساد بوصفه جهازا خارقا يعتمد على إمكانياته الذاتية. على العكس، تؤكد غوتمان أن نجاح "عملية غضب الرب" ما كان ليتم بهذا الاتساع والدقة لولا الدعم الأوروبي الحاسم.

حتى في فضيحة ليلهمار عام 1973، عندما اغتال الموساد نادلا مغربيا في النرويج ظنا أنه القائد الفلسطيني علي حسن سلامة، تظهر الوثائق أن الصورة التي استخدمها العملاء لتحديد الهدف كانت قد وصلت إليهم من جهاز MI5 البريطاني.

في الفصل الختامي من الكتاب، تربط غوتمان بين ماضي تلك الحملة وبين الحاضر. فكما فجرت عملية ميونيخ سلسلة اغتيالات طالت قيادات فلسطينية في الخارج، تحذر غوتمان من أن عملية 7 أكتوبر 2023 أطلقت موجة جديدة مشابهة، تجسدت في تشكيل الاحتلال لوحدة اغتيالات جديدة باسم "نيلي" (NILI)، مهمتها تتبع وتصفية كل من يشتبه بتورطه في العملية.