الثلاثاء  09 كانون الأول 2025

حملة صهيونية وإعلامية في ألمانيا لفرض الرقابة على معرض فني مؤيد لفلسطين

2025-12-09 03:42:56 AM
حملة صهيونية وإعلامية في ألمانيا لفرض الرقابة على معرض فني مؤيد لفلسطين
من المعرض

تدوين-تغطيات

كشف موقع World Socialist Web Site عن حملة منسّقة تشنها جماعات ضغط صهيونية وعدد من وسائل الإعلام الألمانية بهدف التضييق على معرض "الكمونة – مفارقة التشابه في صراع الشرق الأوسط" الذي يحتضنه متحف في مدينة بوتسدام منذ منتصف تشرين الثاني وصولا إلى المطالبة بإغلاقه بالكامل.

المعرض، الذي يقدمه الفنان الإيطالي كوستانتينو تشيرفو، يعرض أعمالا متعددة الوسائط تُبرز التشابهات التاريخية واللغوية والأنثروبولوجية بين الفلسطينيين واليهود، في مواجهة السردية الإسرائيلية التي تسعى إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين وتبرير السياسات الاستعمارية والجرائم المرتكبة بحقهم، والتي تتلقى دعما مباشرا من الولايات المتحدة ودول أوروبية.

اتهامات صهيونية ومحاولات لإسكات العمل الفني

هاجم كل من إيفغيني كوتيكوف، رئيس الجالية اليهودية في بوتسدام، وأندرياس بويتنر، مفوض ما يُسمى مكافحة معاداة السامية في ولاية براندنبورغ، المعرض بزعم أنه يطرح "مساواة إشكالية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وادعيا أن الأعمال الفنية "تخلط بين الجلاد والضحية" وتُهون ما أحداث 7 أكتوبر وفق رواية الاحتلال"، وأنها "تشوّش على خطاب الاحتلال حول ما يسميه الدفاع المشروع".

وفي بيان مشترك، طالب المسؤولان إدارة المتحف بـ"إعادة صياغة المعرض جذريا أو إيقافه"، فيما تلقفت صحف ومجلات مؤثرة مثل Stern وDie Zeit الهجوم بإطلاق عناوين تحريضية من قبيل: "معرض يهوّن الإرهاب" وفق خطاب الاحتلال المعتاد الذي يصنف أي رواية فلسطينية أو نقد للاحتلال ضمن خانة "التطرف".

ويشير التقرير إلى أن بويتنر، الذي يقدم نفسه بصفة "مكافح معاداة السامية"، تنقل سابقا بين أحزاب ألمانية محافظة وليبرالية قبل انضمامه إلى حزب اليسار، وهو الحزب ذاته الذي طرد مؤخرا الناشط الفلسطيني–الألماني رامسيس كيلاني بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين. كما انضمت سفارة الاحتلال إلى الحملة متهمة تشيرفو بأنه "يشرعن الإرهاب" وفق الرواية الدعائية الإسرائيلية التي تستخدمها لشيطنة أي نقد لسياساتها.

 

تشيرفو: المعرض رسالة إنسانية… ومحاولة لفضح التهجير الاستعماري

في مقابلة مع الموقع، قال تشيرفو إنه يرفض رفضا قاطعا اتهامات "معاداة السامية"، مؤكدا أنها تُستخدم لتكميم الأصوات الناقدة لسياسات الاحتلال. وكشف أن جزءا من الحملة يركز على المطالبة بإزالة لوحة تظهر فيها آنّا فرانك مرتدية الكوفية الفلسطينية، لأنها تخلخل الرواية الصهيونية التي تحتكر معاناة اليهود وتستخدمها لتبرير اضطهاد شعب آخر.

وأشار تشيرفو إلى مفارقة لافتة: فالصحيفة ذاتها (Süddeutsche Zeitung) التي هاجمت المعرض نشرت بعد أيام تقريرا علميا لمعهد ماكس بلانك يقدر عدد شهداء العدوتن على غزة بأكثر من 100 ألف شهيد مع التأكيد أن هذا العدد لا يشمل ضحايا التجويع والعطش وغياب الرعاية الصحية، ما يجعل العدد الحقيقي أعلى بكثير. التقرير وصف ما يجري بأنه “مشابه تاريخيا لحالات إبادة جماعية”.

ويرى تشيرفو أن ما يخشاه هؤلاء ليس الصور بحد ذاتها، بل الرسالة الإنسانية التي تُظهر الفلسطينيين واليهود كأفراد تجمعهم ملامح شبه متطابقة، وأن الخلاف بينهما ليس صراعا وجوديا بل صراع فرضته السياسات الإمبريالية والقوة الاستعمارية الإسرائيلية.

الصراع ليس بين شعبين… بل بين منظومة استعمارية وشعب مُستعمَر

يوضح تشيرفو أن أعماله لا تُبرز "التطرف" كما يزعم منتقدوه، بل تعبّر عن رؤية إنسانية قائمة على التشابه والأخوة، مشيرا إلى أنه وضع خلف الوجوه لوحات تُظهر مسار التهجير المستمر للفلسطينيين منذ 1917 وحتى اليوم في توثيق بصري متسلسل يفضح التطهير العرقي الذي رافق تأسيس "الدولة الإسرائيلية".

ويؤكد أنه تعمّد ألا يظهر جنديا من جيش الاحتلال أو عناصر من فصائل فلسطينية، بل صوّر جنديا أمريكيا، تنبيها إلى أن جذور الصراع مرتبطة بالسياسات الإمبريالية الغربية ودعمها غير المحدود للمشروع الصهيوني. ويذكر بأن الفلسطينيين واليهود عاشوا قرونا في سياق اجتماعي طبيعي قبل ظهور الصهيونية.

مناخ القمع في ألمانيا… يمتد إلى الفنانين والمفكرين الدوليين

يضع تشيرفو استهدافه ضمن موجة واسعة من القمع السياسي والثقافي التي تطال أي صوت ينتقد جرائم الاحتلال. ويستشهد بقضية فرانتشيسكا ألبانيزي، المقررة الأممية الخاصة، التي تعرّضت لعقوبات أمريكية شملت تجميد حساباتها المصرفية بسبب تقاريرها التي توثق جرائم الحرب في غزة.

ويرى أن الحكومة الألمانية تستخدم دعمها المطلق للاحتلال كوسيلة للهروب من تاريخها النازي، حتى لو كان ذلك عبر التحالف مع حكومة يمينية صهيونية متطرفة ترتكب جرائم ترقى إلى الإبادة. ويؤكد أن هذا النهج لا يضر الفلسطينيين فقط، بل يسيء أيضا لليهود حول العالم، لأنه يغذّي الخطاب المعادي لليهود عبر ربطهم بسياسات الاحتلال.

مصالح تسليحية وتاريخ استعماري مستمر

يلفت التقرير إلى ارتباط الموقف الألماني بمصالح اقتصادية وتسليحية، مشيرا إلى إعلان فريدريش ميرتس عن تخفيف القيود على تصدير الأسلحة للاحتلال، وإبرام ألمانيا أكبر صفقة سلاح في تاريخها مع تل أبيب.

ويشير تشيرفو إلى أن الدول الأوروبية تعاملت تاريخيا مع الصراع من منظور مصالحها، مستشهدا بإيطاليا في زمن أندريوتي وألدو مورو، التي أيّدت منظمة التحرير وفهمت دوافع المقاومة، خلافا للموقف الألماني الذي لطالما اصطف إلى جانب الاحتلال.

درس التاريخ: صناعة الإبادة وتبريرها

يختتم تشيرفو بالتذكير بأن معسكر أوشفيتز كان أيضا مركزا للعمالة القسرية يخدم الشركات الألمانية، وأن النازية استخدمت "العدو الداخلي" -اليهود- لضمان السيطرة السياسية والاجتماعية. ويقول إن المعرض محاولة فنية لتفكيك هذا المنهج القائم على "فرق تسد"، وإبراز وحدة المصير الإنساني بين الشعوب، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الذي يواجه منظومة استعمارية ما زالت تمارس العنف والاقتلاع حتى اليوم.