استهلال لا بد منه
المواطنة هي جواز سفر الفرد لحقوقه وامتيازاته المختلفة، والالتزامات التي تفرضها عليه، كالولاء والدفاع وأداء العمل. المواطنة في فلسطين معمدة بدماء الشهداء ومعاناة الأسرى وصبر الأمهات، وبذلك فهي سمة مقدسة لا يملك أحد الحق في الانتقاص منها لأي سبب كان.
ولد الفلسطيني الحديث حرا أبيا شامخا، من رحم المعاناة والتهجير القسري وظلم ذوي القربى، وبذلك استحق أن يكوّن لمواطنته معنى خاصا ينفرد فيه. إن تفرد الفلسطيني بتميزه على الرغم من محاولات طمس كيانه وتاريخه، ومعاناته في سبيل الحفاظ على هذا التميز، يحتم علينا جميعا التعاطي مع مواطنتنا بمنتهى القداسة والهيبة والطهارة، وبذل كل غال ونفيس في صونها.
في ضوء ما سبق، من حق كل منا أن يسأل نفسه إن كان مواطنا بحق فيما يتعلق بواجباته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه، وأن يسأل من حوله إن أساؤوا لهذه المواطنة فيما يتعلق بحقوقه وامتيازاته المختلفة.
أسعى من خلال هذا الزاوية، التي أتاحت لي صحيفة الحدث النشر فيها يوم الاثنين من كل أسبوع، إلى رصد تجليات ممارسة المواطنة لدى كل منا، وبحق كل منا. فمما لا شك فيه أن لكل منا سياقه الخاص في فهم وممارسة مواطنته، وأن للمؤثرات الموضوعية شأنا كبيرا في صياغة سياق التعاطي مع هذه المواطنة، والأمثلة كثيرة. سنعمل على مواجهة الذاتي أولا، ومواجهة الموضوعي أولا أيضا، لعلنا في ذلك نسهم في تشكل رأي عام يؤسس لانتصار مواطنة كل منا، على الرغم من انتهاكها في كل زاوية من ربوع وطننا، في المنزل بالتمييز بينه وبينها، على الرصيف وفي التاكسي ومراجعات الدوائر الحكومية، والتطبيق الانتقائي للقوانين، والإقصاء، وانتشار ثقافة الإيليت السياسي، وغيره الكثير مما يجري حولنا. ولا يقتصر ذلك على الشأن الذاتي والداخلي، وإنما يمتد إلى الشأن الخارجي في مسائل كثيرة أهمها محاباة الأنظمة، والاضطرار مثلا إلى مباركة نشر الخاشقجي مقابل حفنة دولارات.
نأمل أن تكون هذه الزاوية مساحة حرة بمعنى الكلمة، وأن لا تشكل عبئا على صحيفة الحدث في فضائنا الذي يضيق علينا كل يوم إكراما لعلية القوم، وأختتم هذه التوطئة بالقول:
"ضبوا الطابق ياجماعة"