الإثنين  23 كانون الأول 2024

المخيّم.... لـ: أنور الخطيب

2015-01-13 11:14:09 AM
المخيّم....
لـ: أنور الخطيب
صورة ارشيفية

 الحدث.

حاجزٌ ..ليس من أهل المخيّم

يفتّش فينا عن نفسِه

يؤكّد كلّ مساء أنّنا غرباء

نؤكّد كلّ صباح أنّنا شهداء ..

المخيّم ..

دربٌ عتيق يغذُّ المسيرَ انعتاقا

تسير عجوز ..

على ظهرها خمسون ممّا يعدُّ الغريب

خمسون ممّا يعد القريب

وخمسون .. تعدُّها على هواها ..

حبّةُ رملٍ إثر حبّةٍ من تراب

إثر حبّةِ برتقال إثر حبّة من محبّة

إثر حبّة من فراق، وحبّة من عناق

وحبّة من لهفةٍ، حبّة من اشتياق..

وكلّما دنت من الأرض ينشقُّ سرّ

تسرّب عبر الجذور نفحة

من حنايا الغريب للحبيب،

وكلّما دنت يعود العمرُ إلى أوّلِ العمر

ثم يغيب المخيّمُ إذ يحضر الشمال

لحضن الجنوب المهيب،

تصير سهلا من الهلال الخصيب

ينبت الجمّيزُ من خصرِها

وينبت القمح من رأسها

تطلُّ كالوهج من عرين العرين

عجوزٌ تجدّدُ الصّبا في التّراب

ولا تعدُّ السنين..

المخيّم ..

طفلٌ تعلّمَ زرعَ التّينِ

 في حاكورة العشق

كأنه يخطُّ حرفا على سورِ عكّا،

وحين ينقل الماء في جرة النفي

يسرّب عبرَ الوريدِ برتقالَ يافا

ويكبرُ في كلّ يوم سروتين

يكتب في كلّ حلم عودتَيْن

عودة للعشق في جوهر العشق

وعودة للهدير في بحر عكّا

فيطرب إذ ينتقي خارج الحلم عودة ثالثة

وعودة رابعة وعودة عاشرة..

وعودة وعودة وعودة

يصيرُ حزاما يحيطُ القدسَ بالشهقةِ الناسفة

تصير فلسطين بعدها حاسة سادسة

المخيّم ..

مقبرة في الخاصرة

نخبّئ فيها المتعبين من شوقِهم للكروم

سنحملهم يوم القيامة للقرى كي يأنسوا للحبق

ونحكي لهم بعض ما سردته النجوم

من نشيد الغسق..

المخيّم ..

بيوتٌ في انتظار البيوت

محاطة بالياسمين المؤقّت

ينامُ سكانُه نوما مؤقّتا،

يأكلّون طعاما مؤقّتا

يرتدون ثيابا مؤقّتة

يشعلون ساعاتهم في نهار مؤقّت

يدخلون ليلهم دخولا مؤقّتا

يستيقظون في صباحٍ مؤقت

يعملون في بساتينَ مؤقتة

يضحكون ضحكا مؤقّتا،

يخوضون نقاشا مؤقّتا

يرقّصون عرسا مؤقّتا،

يموتون موتا مؤقّتا

يمشون في الشوارع المؤقّتة

يطلّون على بحر مؤقت،

في وطن مؤقت

بيوت .. منذ خمسين عاما ..

في انتظار البيوت

تجدّدُ اللحظةُ أحلامَها

كإنّها لا تموت ..                    

  صور _ لبنان _ 2001