الإثنين  23 كانون الأول 2024

مرايا الغربة تلتهم كبدَ العالَم للشاعر: محمد الأمين سعيدي

2015-01-27 12:10:48 AM
مرايا الغربة تلتهم كبدَ العالَم
للشاعر: محمد الأمين سعيدي
صورة ارشيفية

 الحدث.

1.

الغربة التي سكنتْ جرحَ البارحةِ

وحيدةَ الصّرخةِ

تسكنُ جراحَ كلِّ الأيّامِ

مبعثِرةً تعبَها في جيوبِ الأمكنةِ المتعبةِ أصلا..

في العيون المفتونة بغيوم الحيرةِ

الهاطلةِ بكاءً أحمرَ

يربِكُ بساطةَ الماء

في أوْعية الفقْد السّوداء.

وأيضا،

في حدائق الأبجديّة المشتعلة أشجارُها

بنيران إحساسٍ زائد.

2.

كلُّ شيء مستمتع بتكسير مرايا الألْفة في كلِّ شيء

حتَّى الطرقُ المؤدِّية إلى منازلِ السَّكينةِ

تتنكَّرُ لخطواتِ العائد تُلبسها برودةَ المتاهِةِ

حتَّى القبلات المجنونة

الـ كانتْ تفجِّر الأنهارَ على جسدِ العاشقين

تنامُ باكرا

تاركةً سفوح النّهْديْنِ لعواءٍ يتيمٍ..

الأغنياتُ التي تفتحُ نافذةً على دفء السَّماء السَّابعةِ

تحملُها ريحُ الصَّمْتِ إلى مسامعِ الفناءِ

بعد أنْ أطعمَ المغنِّي رقبتَه لحبْلٍ جائعٍ

متدلٍّ من سقف الحسرة..

3.

في المقهى

تأتي النَّادلةُ العامِر صدرها بالفاكهةِ

تنُّورتُها القصيرة تغري بلاطات الأرضية الهرِمةِ

بالنظر إلى الفوقِ..

يُبْصرها العاشق الملتحف بالخفاءِ

التَّائقُ إلى جهنَّمِ أردافها

تُبْصرُه تنُّورتها الشَّقيَّةُ

لكنْ هذه المرَّةِ

بلا حلاوةٍ توقد مخيِّلةَ اللَّحظةِ

لا يتبادلان اللغة الفاحشة كالعادةِ

لا يختليانِ ببعضهما تحت الطاولةِ الحمراءَ المكشوفة

لا يطلبُ شيئا

بل يكتفي بقضم مكعَّباتِ السُّكَّرِ..

4.

يا لَلغربةِ...

حتَّى الوطنُ الذي كان غزالا يمتطي الجريَ

عبرَ البراري البهيجةِ

يركضُ

يركُضُ

يقفزُ

يقفزُ

يُرهقُ مسافاتِ السِّباقِ الوعرةِ

حاصرتْه الزوابع من الجهاتِ الأربعِة

فأقعدتْه أرضًا

بلا أقدامٍ

وبلا أسنانٍ..

ترعاهُ عجوز الجاذبيّةِ الحكيمة ليتعلَّم

رويدًا رويدًا

نسيان آية الحركةِ وامتطاءَ الثَّباتَ.

5.

الغربة التي تذرع العالمَ بلا رأسٍ

المخضَّبة أثوابُها بدماءِ المسرَّاتِ القديمة

الحاملة في يدها اليسرى علبَة باندورا وفي يدها اليمنى فظاظة خليفةٍ أمويٍّ

في كلِّ ناحية تأمر الهاوية السحيقة أنْ تحلَّ ضيفةً إلى الأبد بين الأشياء التي تشرب من بحيرة محبَّة واحدةٍ.

. تطالعك الغربةُ في الرصيف تثوِّر المارَّةَ ضدَّ جوع المتسوِّلةِ

. في المدرسةِ،

تعلِّم الأنانيَّةَ للشَّجرة المعطاءة لتضمَّ أغصانها الممتدَّةِ

فلا تجود على الطُّفولةِ بملائكة الظِّلِّ القادرة على إغاظة شياطين الشَّمسِ المحرقة.

. في السَّماء توسْوسُ للماءِ كيْ لا يجيء..

. في المساجد..

. في الملاهي الليليَّةِ..

. في الفراش تعلِّم القصبَ الذَّكريَّ الارتخاءَ؛

تعلِّم الحبيبة معاشرة النَّومِ في السَّابعة مساءً كلَّ يوم.

. في الكتابة تحوِّل الشَّاعر الثوريَّ إلى مقاوِلٍ،

تُدْخِلُ القارئَ إلى غابة المشافهة الظلْماء.

. في الإنسانية تطعم خوفَ الضعفاء شطائرَ الرَّصاصِ المالحةِ...

6.

الغربة التي تسكنُ جرحَ اليوم

ألبستِ الحاضرَ خرائب الانكسار وتاجَ اللَّا جدْوى

وسافرتْ عبر الزَّمنِ إلى القادم البعيد

تنتظر تقدُّمنا في المشقَّةِ

لتحتفلَ بالوصولِ الأبديِّ لأولادِها الغرباء.