الإثنين  23 كانون الأول 2024

الرجل الأول في كتاب/ بيسان عابد.

2015-02-25 01:05:11 PM
الرجل الأول في كتاب/ بيسان عابد.
صورة ارشيفية
 
قبل أسبوعين من الآن. وقعت يدي على "رواية نهاية رجل شجاع ". وجدتها في بسطة كتب في إحدى شوارع مدينة نابلس ، بينما كنت أتجول باحثة عن حزن ما لأكمل ما تورطت بكتابته منذ عدة شهور . تسائلت :أين  قرأت هذا العنوان ؟ أتذكره جيدا . ثم قلبت الصفحات حتى عثرت على مفيد .هل هو مفيد الوحش الذي أعرفه ؟ غريب ؛ كيف تجمعني به الصدفة بعد كل هذه السنوات بين دفتي كتاب ؟

بدأ ذلك مع الممثل السوري سعد مينه الذي أتقن دور مفيد في صباه ومرحلة طيشه الأولى في ضيعته الخراب ثم انتقاله الى بانياس . ثم الممثل أيمن زيدان الذي كان وحش الشاشة في دور مفيد أنذاك .في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم . والجميلة سوزان نجم الدين التي لعبت دور لبيبة في المسلسل.

بدأت حكايتي مع مفيد الوحش الذي رفضته الحياة ونكلت به حتى غدا وحشا حقيقيا كاسرا . الفتى الذي يحب الطبيعة والجبل والأشجار والطيور والذي واجه وحوش البراري وحده وتحدى البحر . البحر الذي أحبه وأصغى إليه أكثر مما يصغي لأي إنسان عاقل حاول أن ينصحه ويرشده ويدله على الطريق الصحيح .

"أدرت وجي للبحر . استغفر الله هذه الكلمة خطيئة .أن تدير ظهرك للبحر خطيئة.."

"..الرجل لا يبكي .البحار لا يبكي.."

"..لكن أمام البحر لا يبقى الرجل رجلا .البحر رجل الرجال، وأمامه أحني رأسي أو أركع على ركبتي وأصلي.."

".. ندخن ونصغي الى صمت البحر . هذا الصمت الحبيب الى قلبي ."

"..أحببتها. أحببتها، جننت في حبها منذ عرفت البحر .منذ نزلته سابحا وصيادا ومتفرجا في حالات الصحو ونوبات العاصفة.."

هذا القليل عن البحر مما جاء على لسان مفيد الوحش الحقيقي في رواية حنا مينة .

قطع مفيد ذنب الحمار وعقاب القرية والمختار ثم طرده معلمه من المدرسة ثم طرده والده من البيت .حياته في الجبال ثم انتقاله الى بانياس .الفرن ثم عبدوش ثم لبيبة ثم الميناء والعجوز ونهايته .. نهاية هذا الوحش الشجاع الذي لم أره يبكي أبدا .انه مثل البحر .

هذه أول دراما أتذكر أنني تابعتها في المرحلة الأولى من حياتي الشخصية بشقيها الطفولة والصبا . وكنت تأثرت به أيما تأثر . حيث كانت كل الفتيات تتحدث في المدرسة عن أحداث حلقة البارحة . ثم تطور الأمر الى الأحلام . حيث عبرت صورة مفيد إلينا لتصبح أيقونة فارس أحلام ذلك الجيل . الجيل الأصيل الذي تربى على الدراما السورية في أوج ازدهارها وتفتحها . مرورا بعيلة خمس نجوم ويوميات مدير عام ويوميات جميل وهناء  والفصول الأربعة ثم عائلتي وأنا ثم دنيا أسعد سعيد عام 1999 . وما سبقهم وما لحق بهم من أسماء لا تقل أهمية عن هذه . لكن ذاكرتي لم تسعفني حاليا على تذكرها .

في الحلقة الأخيرة بكيت . ربما كل الوطن العربي بكى . لكن الفارق أن أول عملية تأثر ترتبط بالدراما أو القصص أو الروايات والحكايا التلفزيونية شعرت بها في حياتي كانت نهاية هذا الرجل الشجاع . واستمر ذلك وتطور فيما بعد بالانتقال الى الدراما المدبلجة المكسيكية ثم التركية وما إلى ذلك .

لكن بذرة الحزن والتأثر والحب بدأت من هناك من ذاك الرجل السوري !

الرجل السوري الذي قطعت رجلاه القويتان الثابتتان أمام قوة الموج الهائج . وأضحى الشجاع الوحش عاجزا مقهورا مظلوما ذليلا حزينا في بيته المطل على البحر وأسماكه المتضورة جوعا.

ذاك الحزن لا يختلف عن هذا الذي أصابني بينما كنا نتسلى في ليلة شتائية باردة حول موقدة النار . حيث كنا نلعب أنا وأخوتي بالورق لعبة اسم نبات حيوان جماد بلاد .. ولما اخترنا حرف السين . تصادف أن ملأنا جميعنا خانة البلاد في أوراقنا باسم سوريا !

سوريا هذا الاسم الذي ذكرني بالحلقة التي كنا نكونها حول التلفاز وقت كانت أجسادنا أكثر طراوة وعقولنا أقل إدراكا لما يحصل لهذا الرجل الشجاع في واقع الأمر . ذلك قبل أن أتسلل بخفة من حلقة العائلة وأدخل إلى غرفتي ثم أغرق بكاملي وأعثر على ذلك الرجل السوري في بحر