السبت  23 تشرين الثاني 2024

هل تمثل الديكتاتورية مرضا؟

​ترجمة: سعيد بوخليط

2020-11-26 09:20:44 AM
هل تمثل الديكتاتورية مرضا؟
سعيد بو خليط

الحدث الثقافي 

أدى ارتقاء الأنظمة الفاشية والديكتاتورية السلطة، بعد الحرب العالمية الأولى، إلى تبلور أدب جدير بالاهتمام، وأعمال ذات قيمة نوعية في غاية الأهمية، على مستوى العلوم الإنسانية وكذا الفلسفة. وما زال الإشكال بعيدا عن استنفاد مضمونه.

لذلك، قارب بدوره الكاتب المصري علاء الأسواني، هذه القضية، من خلال دراسة موجهة للجمهور الغربي ما دام أنها كُتِبت باللغة الإنجليزية، ضمت مجموع حالات الاستبداد، يشخصها مصطلح ''الديكتاتورية''.  

قارب علاء الأسواني، المتخصص أصلا في طب الأسنان، موضوع الديكتاتورية، التي اختبر تجربتها بشكل مباشر، باعتبارها مرضا، تتجلى أعراضه بنفس الكيفية لدى مختلف الأنظمة السلطوية. باختصار: ''تمثل الديكتاتورية تلك العلاقة العليلة بين حاكم وشعبه".

علاء الأسواني ديمقراطي مقتنع. لم يتوقف عن إثبات ذلك عبر بوابة تنظيم حركة كفاية، خلال انتفاضة يناير 2011، ثم بين طيات مختلف كتاباته، لا سيما روايته: أركض وجهة النيل (2018)، التي نجح نظام الماريشال السيسي في حظر إصدارها داخل البلدان العربية- باستثناء المغرب، تونس، لبنان- لأنها أماطت اللثام بمصطلحات واقعية جدا إلى حد ما، عن أسس نظام  يتمنى الكثيرون ألا ينكشف وجهه الحقيقي.

في دراسته عن الديكتاتورية، نجد ثانية مميزاته كراوٍ، بفضل تلك الذكريات الشخصية والحكايات الصغيرة التي يعج بها نصه. هكذا، ينتابنا إحساس مفاده، أننا نسمع نقاشا يتداوله أصدقاء، حول طاولة داخل مقهى. تهزنا مشاهد عديدة، وبعضها يثير السخرية. هكذا حينما توخى الأسواني تفسير حيثيات تأميم الصحافة من طرف عبد الناصر، سنة 1960، استحضر حكاية تنتمي إلى تاريخ الخداع الزوجي، تأويل يشعرنا بالارتباك. في هذا الإطار، يعود سبب غضب عبد الناصر، إلى تركيز الصحافة واهتمامها بمحبي وعشاق تاتا زاكي، عارضة أزياء سابقة، اعتبرت كأجمل امرأة في مصر، وقد قررت الهرب من بيت زوجها حينما رفض الأخير الاستجابة لرغبتها في الطلاق، كي تلتقي ثانية عشيقها الشاب، ثم إبان ذلك تحولت نحو صحفي مشهور كي تخبره بمعطيات حول تفاصيل وضعيتها، فجعل منها مادة لسلسلة مقالات حققت نجاحا.

تساءل الأسواني إبان طفولته، لماذا خرج المصريون إلى الشارع للتظاهر بكثافة كي يطلبوا من عبد الناصر البقاء زعيما لمصر، جراء تقديم استقالته بعد الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل خلال حرب 1967. سؤال لاحقه، ثم تيقن بأنه عثر على جواب، حينما صادف كتاب إيتيان دولا بويسي: ''خطاب في العبودية الاختيارية''.

بخصوص هذا النص البليغ، الذي شرحه كتّاب كبار، يقترح قراءة قد نصفها بالأحرى تبسيطية قارن وفقها: ''الأشخاص الذين تحكمهم الديكتاتورية بالمرضى العقلانيين''. ثم يزداد الارتباك عندما قارب الأسواني بين تخمينات بويسي الخاطفة ثم ما طرحه باعتباره تجربة علمية حول القردة، مع أنها ليست في الواقع سوى حكاية، عرفت تحت اسم: ''نظرية القردة''.

إننا بعيدون عن تفكيك لغز: ''الخوف من الحرية''، على حد وصف إيريك فروم ثم كارلو ليفي، وما زال الإشكال يستحق أن نطرحه ثانية. لكن قضية توطيد وكذا تأبيد الأنظمة السلطوية، المختلفة عن بعضها البعض، تبعا لسياقات ليست بالضرورة نفسها، لا يمكن اختزالها إلى مجرد أن هذا الشعب أو ذاك: "يبدي حاجته إلى ديكتاتور''، فالديكتاتور يتدبر أمره فيما بعد: ''كي يصل إلى السلطة ثم يركزها بين يديه''.

قد يبدو، مثلا، مدهشا جدا، عدم التفات الأسواني، حين حديثه عن الأعراض المَرَضية للديكتاتورية، لأبعاد العلاقات الدولية وكذا لعبة القوى الكبرى، بحيث من المعلوم جدا أنها تقدم غالبا دعمها لأنظمة سلطوية عندما تتداخل مصالحها السياسية والاقتصادية.

يستخلص علاء الأسواني، من خلال دعوته إلى تطوير: ''نزعة شكية محمودة"، الوسيلة الأكثر فعالية قصد التصدي للديكتاتورية، مع إقراره بأن الطريق ما زالت طويلة قبل: ''استمتاع الإنسانية بزمان لا يعرف حضورا للديكتاتوريين".

الكثير منا يتعقبه على خطى هذا المسار، ونعترف له بشجاعته وجرأته، كما نتطلع أيضا أن يمنحنا خلال فرصة جديد متعة قراءة رواية جميلة مثلما يدرك فعل ذلك.

*مرجع المقالة :

في انتظار نادو، مجلة الأدب، والأفكار، والفنون :  30 سبتمبر 2020 .