الإثنين  23 كانون الأول 2024

شباك لا يطلّ منه أحد / بقلم: أمير داود

عتبة

2015-03-10 02:00:40 PM
شباك لا يطلّ منه أحد / بقلم: أمير داود
صورة ارشيفية
 
 
الضوء خافت في البناية المقابلة، والناس ناموا، ناموا على حزن وقهر. صاحب البناية يطل برأسه من الشباك ويتجشأ، والناس تركض في الشارع. هذا مشهد عادي في فيلم كلاسيكي ممل.
في الصف السابع ابتدائي، أمضيت وقتاً لا بأس به أراقب شباك المبنى المقابل، لا حياة ولا ناس ولا بنات ولا ضفادع تطل من هناك، وانا أراقب الشباك، لم أكن بانتظار احد أن يطل برأسه، أو بنت تجفف شعرها تحت الشمس وأمام المارة، كنت اراقب الشباك فقط، ولم يخطر في ذهني وقتها أن يتحول الشباك مثلاً إلى سيارة وفجأة تغادر مكانها، هذه فكرة مجنونة، ومجنونة أكثر من مراقبة شباك لا يطل منه أحد.
في طفولتي، وكلما غضبت من أهل البيت، قررت ان أصنع مدفعاً، مدفعاً حقيقياً مثل الذي أراه على الدبابات في التلفزيون، كنت أقول أريد أن أصنع مدفعاً لأقصف كل شيء، لكن لا أريد لأمي أن تموت، فليذهب كل شيء الى الجحيم، ومع ذلك كنت أرى أمي تطل برأسها من خلف الجحيم والدمار. لن تموت. أخاف من فكرة موت أمي، أرتعد من الخوف، وأبكي كلما ماتت أم احدهم، بل أبكي كلما ماتت قطة أمام ابنائها. الحياة بلا أمهات، مثل مراقبة شباك لا يطل منه أحد، وإيمان يائس بأن الشباك لن يتحول إلى سيارة تغادر مكانها.
قبل أكثر من عشر سنوات، انفجر فرن الغاز في بيتنا واحترق وجه أمي واحترق شعرها، واحترق قلبي إلى أن عاد وجهها مثل ما كان، كانت النار حاضرة في كل الأحلام. النار في الأحلام مثل النار في اليوميات، تشوي القلوب والعقول، وكلما استيقظت من النوم أتحسس حرارة مشتعلة في الأطراف. قال لي الطبيب حينها: أنت تعاني من ضغط زائد.
ضغط زائد أيها الطبيب؟
احترق وجه أمي، واحترق شعرها.
في فيلمFirst Born أمسكت اليزابيث شوي بيد أبنها الصغير في نهاية الفيلم ودفنته في التراب في حديقة المنزل بعد أن عانت من هلوسات معقدة طيلة الفيلم، مات الولد، وصدم الأب وانتهى الأمر بالأم الجميلة في مصح نفسي، كان الفيلم صادماً وخانقاً، صادماً مثل يوميات كثيرة خانقة، راودتني احلام بعدها عن موت الأطفال، ونهايات حزينة للامهات.
استطيع تخيل كل شيء، لكن، لا أستطيع تخيل طفل مريض، ينزف، ضعيف ويستجدي المساعدة ممن حوله، هناك حديث غير مكتشف في عينيه، حديث تواطأت اللغة عن فك شفرته، ثمة ضعف قاتل في عيونهم، يتسلل إلى داخلنا ينهشنا بيدين من زجاج.

الحياة، كومة مشاهد في فيلم كلاسيكي ممل، ولولا صرخات الأمهات وضعف الأطفال واللغة الهائلة غير المكتشفة في عيونهم