الأحد  22 كانون الأول 2024

الدّيكة والإنجليز...

2014-07-08 03:10:48 PM
الدّيكة والإنجليز...
صورة ارشيفية

نصير أبو عساف

يجبُ أنْ تعرفي أنَّ بداخلي، ديكاً، يشبهُ كثيراً ديكَ قصائدَ نزار، أكثرَ غروراً وثقافةً وريشاً، وأحياناً يصيرُ أكثر اختلافاً وتنمو له أذرعٌ إضافيّة لكنْ بلا أصابعْ.

هذا الدّيك المُثقّف داخلي لا يعرفُ القراءة وشكلَ الأحرفْ، ولكنْ يدركُ جيّدا أنّ “أندريا بوتشيلي” كانَ أعظمَ المبصرين رغم كفافه، ويشهقُ كلّما وصلتْ الثانية، الثّامنة عشرة 18 بعد الدّقيقة الرّابعة حينَ يغنّي رائعته “Time To Say Goodbye” صحبةَ “سارة برايتمان،

هوَ بسيطٌ لهذه الدّرجة رغمَ إنكارهِ المستمرّ.

كما يستمرُّ بقراءة “كافكا” كلّ مساءْ، رغمَ إنهائه الرّوايات الموجودة لديه، لكنّه يظلّ يعيدها،

كلّ مساءٍ يعيدها بشغفٍ لا نهائيّ كما يداعب “رونالدينيو” الكرة كلّ يومٍ، يكتشفُ مقطعاً ما،لمْ يولهِ اهتماماً يستحقّه قبلاً، فيعيدُ قراءته كما لو كانت المرّة الأولى، ويقرأ في أسفل الورقة ملاحظاتهِ الّتي وضعها سابقاً والّتي لطالما كانت غريبة.

منذ أسبوعين كان يقرأ: السّطر العاشرُ حول “المِدية والخنجر” يتشابه كثيراً مع عينيكِ حينما تغزوان الفجر.. و أيضاً مرّة قرأ: إصرارُ “خوسيه” على المضيّ في رحلتهِ، يشبهُ الصّحن الهارب من رغوة سائلِ الجلي صوب يديكِ العذراوتَين سوى من ريشةِ العود والكتابة، وذاتَ مرّة قرأ في أسفلِ الورقة:

لا بدّ أنّ “ كافكا” البائس هذا كانَ عربيّاً، فليسَ من المعقولِ اشتهاءَهُ الغناءَ في أوقاتِ البكاء، أو التحدّثَ للفساتين وأشجار الكاكاو، ولا يكونَ مثلَ هؤلاء الشرقيّين، يجبُ أن تعرفي هذا عنّي 

فَـيوماً ما ستجدينني أُحدّثُ الفراغ وستظنّين بي الجنون، على الأخصّ في أوقات التناقضات الّتي تملأ جدارَ رأسيَ الّذي يثقلُ أحياناً ويهذي ويأمرُ عضلاتي الخائرة تعباً لتحضرَ كأسَ براندي ولكنّها لا تستجيبْ.

مثلاً، ما زالَ يعتقدُ أن شاماتكِ كانتْ يجبُ أنْ تُرسمَ إلى اليمين قليلاً مع مساحة ضوء أكبرْ،

في حين ما زلتُ أظنّ أنّ شاماتكِ تموضعتْ وحدها دونَ أنْ أرسمها.

بالمناسبة، كمْ السّاعة الآن؟ أسألُ لأعرفَ ما إذا كنتُ قد تجاوزتُ حدودَ الوقتِ الممنوح لي بالشّكوى، أو فيما لو أتى وقتُ الشاي ولمْ يأتِ الضّباب بعدْ.

أنا إنسانٌ أتشبّه بالإنجليز كثيراً حبيبتي،

وأحاول جاهداً أن أحاكي “T. S. Eliote”، كما ما زلتُ أبني المسارح الجوّالة وأُجلّ “درايدن” وأكره الفرنسيّينْ، شيءٌ واحدٌ فقط لا أشبهُ به الإنجليز، وهو بالمناسبة يكادُ يكون العامل المشتركَ الوحيد مع هذا الدّيك اللّعين داخلي، وهو أنّني لا أشجّع فريق الأرسنال ولا تغريني صولات مدافعهمْ، وفي كلّ مرّة وَرغمَ ندرة المرّاتْ الّتي يفوز بها فريق “كارديف سيتي”، وهو من “ويلز” المُجبرة على الخضوع، على هذا “الأرسنالْ” أشعرُ بنشوة عظيمة لرؤية التّاج البريطانيّ يهتزّ بقوّة.

أعرف أيضاً أنّكِ لمْ تسمعي بـ “آندي موراي” سابقاً.

حبيبتي، صبَرَ الإنجليز سبعاً وسبعينَ عاماً لرؤية إنجليزيّ يفوز ببطولة “ويمبلدون” لكرة المضرب

ورأوا بأمّ أعينهمْ كيف أتى هذا الفتى الأسكتلنديّ وخطفَ اللّقب، لا تدركينَ كمّ َحقدهمْ آنذاكْ 

همْ تظاهروا بالفرح والسّعادة لرؤية بريطانيّ يفوز بالبطولة لكنّهم يكذبون،لمْ يكنْ إنجليزيّاً بل كان  بريطانيّاً مُجبراً على أن يكون هكذا وفاز على أرضهمْ، تماماً كما استطاع “ويليمْ والاس” هزّ عرشِ  “ذو السّاقين”.

أخبركِ بهذا لأنّي لنْ أكونَ يوماً كالاستكلنديّين صغيرتي.. لن أقبلَ أنْ توضعَ بلادي تحت أيّ مسمّى وتحتَ أيّ تاجْ.. لن أصيرَ يوماً كـ “ويلزيّ” أو آيرلنديّ يشربُ الجعة بشراهة، ويرى كيف أتَتْ قبائل “جرمانيا” واحتلّتْ بلاده واكتفى بالنفي والتّاريخْ، وحفْظِ قصائد الأوائل كما يفعلُ بريطانيّ غبيّ وهو يقرأ “ Beowulf” مردّداً : هذه قصيدتنا الأولى.

أمس فقطْ تذكّرتُ ما قلتهِ لي في تمّوز: أنا أكره الدّيكة والإنجليز.