الحدث الثقافي- إصدارات
صدر حديثًا عن "سلسلة الشعر" في "المركز القومي للترجمة"، في القاهرة، كتاب "الزمن المؤجل" الذي يضم مجموعة من القصائد المختارة للشاعرة النمساوية إنجبورج باخمان (1926 - 1973)، التي نقلها إلى العربية سمير جريس ويوسف ليمود.
ويقول المترجم المصري يوسف ليمود في تقديمه للكتاب: "على الرغم من شهرتها الكبيرة، وعلى الرغم من عشرات الترجمات ومئات الكتب والمقالات التي كُتبت عنها في لغات العالم المختلفة، لا يكاد القارئ العربي يعرف اسم إنجبورج باخمان؛ إذ لم يترجَم من أعمالها إلى العربية سوى المجموعة القصصية "العام الثلاثون". ويضيف: "أما شعرها فلم يترجَم منه، حسب علمنا، سوى نثار يُعد على أصابع اليد الواحدة، وتم ذلك في الغالب عبر لغة وسيطة ليست من الأصل اﻷلماني".
في "الزمن المؤجل"، ثمة ثنائية محورية عامة تنتظم المختارات هي ثنائية الحياة/ الموت. تندرج تحتها ثنائيات فرعية، تختلف من قصيدة إلى أخرى، وتتخذ أسماء شتى، من قبيل: النهار/ الليل، النهر/ البحر، الورد/ الشوك، الجمر/ الرماد، الأرض/ السماء، الأشجار/ الريح، النور/ الظلمة، وغيرها.
من خلال هذه الثنائية وغيرها، نقع على مقامات الشاعرة وأحوالها، وتحولاتها بين الأطوار المختلفة، ونتعرف إلى قلقها الوجودي: "طويل هو الليل يا لَلَّعنة/ تحت بصاق القمر المريض/ نوره الأصفر يكنس أثر الحلم"، واغترابها المكاني: "لم أعُد أرى في الأشجار أشجاراً/ لم أعُد أرى في أيّ طريق طريقاً"، وانتظارها الزمني: "أيام أكثر قسوة سوف تجيء/ الزمن المؤجل إلى حين/ يلوح في الأفق"، وعدم تكيفها مع الواقع، من جهة، ونتعرف إلى إيمانها بدورها التنويري: "... حيث لا نكون يسود الليل"، وتوقها إلى الحرية: "أن أكون حرةً لساعة واحدة / حرةً، وبعيدة/ مثل أغاني الليل في الأجواء/ هذا ما أريد"، من جهة ثانية.
بين هذين الحدين، تتحرك باخمان في مختاراتها الشعرية، فتنسج قصيدتها القلقة، ولا تؤجل زمنها إلى غد لا يأتي، وتصنع لحظتها الشعرية الخاصة بها، ما جعلها تستحق مكانتها في الأدب الناطق بالألمانية، ومنحها جواز مرور إلى الآداب الأخرى، ولو تأخرت في الوصول إلى الأدب العربي، فنحن كثيراً ما نصل متأخرين، مع الأسف، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً.
على الرغم من أن إنغبورغ باخمان (1926-1973)، لم تعش إلا سبعة وأربعين عاماً، فإن نتاجها، في جانب كبير منه، يؤسس أحد أهم الإنتاجات الشعرية المكتوبة بالألمانية خلال القرن العشرين .
انغبورغ باخمان، شاعرة وروائية نمساوية، ولدت في كلاغنفورت في 25 يونيو/حزيران ،1926 وتوفيت في روما 17 أكتوبر/تشرين الأول 1973 .
تركت دراسة القانون وكرست جهدها للفلسفة والبسيكولوجيا واللغة الألمانية في جامعة كلاغنفورت . حازت درجة الدكتوراه في الفلسفة في عام 1950 عن أطروحتها التلقي النقدي للفلسفة الوجودية لدى مارتن هيدغر . بعد انتهائها من دراستها عملت في الإذاعة النمساوية .
مثل كثير من الكتاب الناطقين بالألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت باخمان نشاطها الشعري ضمن جماعة 47 الألمانية الطليعية التي تأسست في عام 1947 في ميونيخ، والتي كافأتها في عام 1953 بجائزتها عن ديوانها الأول الزمن المؤجل . وتحت تأثير هانز فرنر ريشتر، أصبحت أهم جماعة أدبية مؤثرة في الأدب الألماني ما بعد الحرب . كان ريشتر يريدها جماعة ديمقراطية وشعبية، ولذا أخضع أعضاءها إلى القراءات النقدية لأعمال كل عضو فيها . في داخلها، تمت مناقشة الموضوعات كافة: الحرب، إعادة بناء ألمانيا، الحياة اليومية، الصراع ضد النظام القائم .
استقبل الجمهور والنقد قصائد إنغبورغ باخمان وكتاباتها الإذاعية بنجاح كبير، ما منحها شهرة كبيرة في العالم الجرماني .
في عام ،1959 دشنت، كأول بروفيسورة زائرة، كرسي الشعرية في جامعة فرانكفورت -آن-ماين، الذي أسسته هذه الجامعة لكي يتسنى لأي كاتب ألماني من عرض تجربته الشعرية . قدمت ست محاضرات، من نوفمبر/تشرين الثاني 1959 إلى فبراير/شباط ،1960 أعطتها عنوان أسئلة الشعر المعاصر .
عملت مع الملحن الألماني هانز فرنر هينتس على تحقيق أعمال أوبرالية أمير هامبورغ (1960)، واللورد الشاب (1965) .
حصلت في عام 1964 على جائزة جورج بوشنر المرموقة، وكتبت، لهذه المناسبة، نصها الشهير: برلين، مكان المصادفة .
ارتبطت بعلاقة حب مع باول سيلان وماكس فريش، غير أن علاقتها بالأول وسمت نتاجهما معاً إلى الأبد: كان حياتي . كنت أحبه أكثر مما أحب حياتي، كما كتبت في روايتها مالينا . حبها المأساوي والمفجع لبول سيلان قاد زوجه، الفنانة جيزيل دو ليسترانغ، إلى أن تكتب: ليلة أمس حتى وقت متأخر من الليل، أنشأت أقرأ قصائدها (قصائد باخمان) . أثارتني . بكيت . شيء رهيب . أحبتك بقوة، وتعذبت كثيراً . كيف كنت قاسياً للغاية معها؟ الآن اقتربت منها، أوافق أن تراها ثانية، سأظل هادئة، أنت مدين لها بهذا، فتاة بائسة، مناسبة وشجاعة في صمتها خلال ست سنوات . بالتأكيد عليك أن تعيد رؤيتها .
شاعرة، وأيضاً فيلسوفة متأثرة بأفكار هيدغر وفيتغنشتاين . كان نتاجها أحياناً نقداً لاذعاً، ولكنه في أغلب الأحيان كان ذا نزعة عالمية، إنسانية . كانت أول امرأة في الأدب المكتوب بالألمانية بعد الحرب العالمية الثانية تصف، بوسائط شعرية قوية، الحرب والسلام، الصراع بين الرجال والنساء، الصراع بين الكتابة والحياة . كاتبة، متمردة، نسوية، اضطلعت بمعارك الحياة بالتزام سياسي وشعري . شاركت في المظاهرات ضد حرب فيتنام ونظمت قصائد ضد القنبلة الذرية.