الإثنين  23 كانون الأول 2024

المتحف الفلسطيني يُطلق مؤتمره السنوي.. 4 جلسات حول إنتاج المعرفة والمستقبل

2021-12-09 11:09:38 AM
المتحف الفلسطيني يُطلق مؤتمره السنوي.. 4 جلسات حول إنتاج المعرفة والمستقبل

الحدث- سوار عبد ربه

أطلق المتحف الفلسطيني، فعاليات مؤتمره السنوي الثالث تحت عنوان "فلسطين: إنتاج المعرفة، إنتاج المستقبل"، أمس الأربعاء، بالشّراكة مع مركز مدى الكرمل (المركز العربي للبحوث التطبيقيّة)، ودائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت.

الجلسة الأولى

في بداية الجلسة الأولى، التي أدارتها مديرة المتحف الفلسطيني عادلة العايدي أشارت العايدي إلى إن هذا المؤتمر يقع ضمن استراتيجية المتحف الجديدة التي أطلقها قبل ثلاث سنوات، والتي بموجبها أعلن المتحف عن إطلاق برامج جديدة تركز على البحث والمعرفة ضمن سياسة المتحف المتمثلة بإنتاج ونشر تجارب معرفية تحررية عن فلسطين شعبا وثقافة وتاريخا، إضافة إلى إكمال المسيرة في نهج إنتاج المعرفة المتمثلة في الجمع بين المعرفة الفردية المحكمة والمادة الوثائقية".

وأكدت أن المتحف "ينظم فعاليات أكاديمية على مدار السنة، ويقدم منحا بحثية متعلقة في الجانب الثقافي لسد الفجوات المعرفية حول التاريخ الفني الفلسطيني".

ونوهت إلى أن سؤال المؤتمر يتمحور حول عملية إنتاج المعرفة وعلاقتها بالخطاب التحرري المحلي والعالمي وممارساته، مُستندًا إلى مجموعة من التساؤلات، على غرار، كيف نفكر بفلسطين، وكيف نبحثها؟ وكيف يتمّ إنتاجها وإعادة إنتاجها بحثيّا؟.

في المداخلة الأولى التي جاءت تحت عنوان: "سرديات المستقبل لتأريخ فلسطين" التي قدمها رئيس جامعة بيرزيت د. بشارة دوماني، أشار دوماني إلى إن السرديات التاريخية تتميّز بكونها تستمدّ وجودها من الحاضر وذات توجّه مستقبلي، لذا فإن الماضي يمثّل ميدانا متنازعا عليه بصورة مستمرة بين أنماط إنتاج المعرفة التي تمنح امتيازا لأزمان وأماكن وفئات اجتماعية معينة.

وطرح دوماني عدة أسئلة تمت مناقشتها في جلسات المؤتمر، وأبرزها هل المطالبات السياسية الحالية والمسارات الممكنة لمستقبل فلسطين مفتوحة أو تعيقها تشكيلات مختلفة فيما يتعلق بمفهمة الوقت، والحيّز، والفاعل؟ وهل لهذه البُنى السرديّة تاريخ خاص بها؟

الجلسة الثانية

 الجلسة الثانية للمؤتمر جاءت تحت عنوان: "نحو مساءلة المنهج" وناقشت مواضيع "الإنتاج المعرفي والمنهجيات النسوية المناهضة للاستعمار" والتي قدمتها د. لينا ميعاري؛ وموضوع الأصلانية تحت عنوان "أصلانية أم أصلاني؟ سؤال المنهجية" قدمتها د. رنا بركات؛ وموضوع "الزمن والزمانية والمنهج في دراسة فلسطين والفلسطينيين"،والتي قدمها د. علاء العزة. 

 قالت أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة بيرزيت لينا ميعاري إن هذه الورقة هي أشبه بتأملات حول الإنتاج المعرفي والمنهجيات النسوية المناهضة للاستعمار، وبدأتها ببعض المفاهيم التي تفتح سؤال استعمارية المعرفة في مجال العلوم الاجتماعية.

وأشارت ميعاري فيي مداخلتها إلى مفهوم "الإمبريالية الأكاديمية"، وهو أحد المفاهيم تناولها عالم الاجتماع الماليزي ذو الأصول اليمنية فريد العطاس، والتي يعبر من خلالها عن كون الأكاديميا تعيش ظاهرة شبيهة بالإمبريالية السياسية والاقتصادية، وتقوم على فكرة أن السيطرة على المستعمرين وإدارتهم استلزمت تطوير حقول معرفية كالتاريخ والجغرافيا والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم الإنسان في المستعمرات، ما أدى إلى انخراط العديد من الأكاديميين بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالأبحاث والتدريس لخدمة الاستعمار.

وتابعت: "أحد هذه الأمثلة التي يصفها العطاس هو مشروع كاملوت في العام ١٩٦٤ في مجال العلوم الاجتماعية والمرتبط بمكتب بحث العمليات الخاصة في الجامعة الأمريكية في واشنطن، إذ هدف المشروع إلى تحديد إمكانية تطوير نموذج لمنظومات اجتماعية تمكن من التنبؤ والتأثير في الأبعاد السياسية للتغيير الاجتماعي في الدول النامية وتحديدا تطوير إجراءات لتقييم إمكانية حدوث حروب داخلية في المجتمعات، وتشخيص الأفعال التي بإمكان الحكومات القيام بها لتصميم الظروف التي بإمكانها المساهمة في نشوب حروب داخلية".

وبحسب ميعاري: "كان هذا المشروع مدعوما من الجيش ووزارة الدفاع بالتعاون مع أجهزة أخرى في الحكومة الأمريكية، ولتحقيق ذلك تم التخطيط لجمع معلومات ميدانية واستخدام المعلومات المتاحة حول الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وقد كان التركيز الجغرافي للمشروع على دول أمريكا اللاتينية، معتبرة أن هذا المشروع يشير  بوضوح إلى العلاقة الوثيقة بين الاستعمار والأكاديميا.

وترى ميعاري أنه في عصر الاستعمار الجديد هناك طرق عدة للهيمنة الأكاديمية من خلال ما يسمى التبعية الأكاديمية،  وبحسب نظرية التبعية الأكاديمية التي نشأت في الخمسينات في البرازيل فإن العلوم الاجتماعية في المجتمعات التابعة تعتمد على مؤسسات وأفكار العلوم الاجتماعية الغربية، وأن الأجندات البحثية والقضايا المعرفة كإشكاليات بحثية ومنهجيات البحث ومعايير التميز كلها محددة أو مستعارة من الغرب، وقد دعا أصحاب هذه النظرية لوجوب قطع المشتغلين بالعلوم الاجتماعية  في أمريكا اللاتينية لعلاقاتهم مع العلوم الاجتماعية في مراكز القوى الغربية وتطوير علوم اجتماعية أو أصلانية.

أما مفهوم العطاس لتقسيم العمل العالمي في مجال العلوم الاجتماعية وفقا لمداخلة ميعاري، فيعود لنمط إنتاج المعرفة الاستعمارية والذي يستمر حاليا من خلال التبعية الأكاديمية ويتميز بالتقسيم العالمي للعمل المعرفي من خلال التقسيم بين العمل النظري و الإمبريقي والتقسيم بين دراسة دولة أخرى أو دراسة الدولة ذاتها، وتقسيم العمل بين الحالات الدراسية المقارنة والحالات المنفردة ويشير الكثير من الباحثين إلى العلاقة الجدلية بين الاستعمار المادي والاستعمار المعرفي أو الإنتاج المعرفي الاستعماري وتحديدا أن أنماط المعرفة المنتجة حول الواقع الاستعماري تحجب حقيقته وتشوه عملية فهمه.

وحاولت ميعاري تناول الإنتاج المعرفي حول النساء العربيات الفلسطينيات من خلال التركيز على الإنتاج المعرفي والمنهجيات النسوية المناهضة للاستعمار، وبدأت من الواقع المادي التاريخي المحدد، ومن موقعها كأديمية نسوية عربية فلسطينية تنتمي لعالم الجنوب الذي تشكل بحسب ميعاري من خلال تاريخ طويل من الاستعمار الغربي الرأسمالي الحديث والذي فرض من خلال الحروب والسلب والتدمير.

واعتبرت د. لينا ميعاري أن الشعوب العربية عانت من هذا الاستعمار الذي دمر الأنماط الإنتاجية والحياتية، وفي الحالة الفلسطينية: تعرض الشعب الفلسطيني منذ نهايات القرن التاسع عشر لمشروع استعماري استيطاني صهيوني توسعي مدفوع بالاستيلاء على الأرض ومحو السكان الأصليين للبلاد بالقتل والطرد والتهجير وبالاحتواء وإعادة تشكيل البشر ورؤاها حول ذواتها ومشاكلها الاجتماعية، هذا الواقع يتم تشويهه من خلال أنماط المعرفة السائدة المنتجة بشكل عام وتلك المنتجة حول ظروف النساء العربيات، والتي تنضوي تحت المنطق الثقافي الاستشراقي الذي يختزل مقاربة ظروف حياة النساء بالعوامل الثقافية والدينية فقط.

ووفقا لعضو الهيئة التدريسية في دائرة العلوم الاجتماعية  لينا ميعاري، تحضر النسوية المناهضة للاستعمار كنظرية وفكر وكفعل سياسي تشتبك مع ممارسات وآثار الاستعمار المادي للأرض وللعالم الاجتماعي وعلاقاته، كما تشتبك مع أنماط المعرفة المنتجة حول هذا الواقع الاستعماري وتحديدا أنماط المعرفة النسوية المنتجة بهذا الشرط.

وتطرقت ميعاري إلى ما أكدته ليندا سميث على أن المنهجيات المتحررة من الاستعمار هي أكثر من مجرد نقد الاستعمار فعليها فتح إمكانات لفهم ومعرفة العالم بطريقة مختلفة وتقديم حلول مختلفة للمشاكل الناتجة عن الاستعمار، ففي إطار التحرر من الاستعمار يشكل تفكيك المعرفة الغربية جزءا من مهمة أوسع وهي المقاومة التي تعني التوضع في الهامش باستحضار ما كنا عليه وإعادة صنع أنفسنا.

وتطبيقا لذلك في الحالة الفلسطينية وجدت د. لينا أن هناك أهمية لفهم وتحليل بنية المشروع الاستعماري الصهيوني وممارساته الظاهرة والخفية وآثار هذه الممارسات المادية والمعرفية وأبعادها الطبقية والنوع اجتماعية، كما أن هناك أهمية معرفية وسياسية لتحليل وتطوير سبل مقاومة هذا الاستعمار لأبعاده الطبقية والجنوسية.

وبحسب ميعاري: "يقوم توجه النسوية المناهضة للاستعمار بربط التجارب اليومية للنساء وأنماط القمع والعنف الذي تتعرض له بالقوى التي تشكل وتعيد إنتاج ظروف القمع والسلب والتدخلات الإمبريالية لصياغة مصالح النساء وأولوياتها، ورغم أهمية هذا التوجه كمقاربة تحليلية للواقع اليومي نرى أنه تستمر هيمنة التحليل الاستشراقي الثقافي الذي يموضع قضايا النساء والعنف الحياتي في الثقافة والتقاليد الجامدة من خلال هيمنة التوجهات النسوية الليبرالية التي تركز بشكل ضيق على الأفراد، هذه التوجهات تخفي وتشوه حقيقة ديناميات القوة الفاعلة بطريقة تعيد إنتاج استعمارية القوى، في حين تسعى التوجهات النسوية المناهضة للاستعمار إلى موضعة تحليل ظروف النساء داخل الأنظمة التي تنتج العنف وأشكال مقاومتها".

وتعتقد ميعاري أن التوجهات النسوية المهيمنة وأطرها التحليلية ترتبط عضويا بالمنهجيات التي تعيد إنتاج هذه التحليلات ومنطقها الاختزالي، ما قادها إلى تناول التوجهات النظرية والمنهجية المادية التي تركز على تحليل البنى والعلاقات المحددة تاريخيا والتي تشكل الأساس المادي للظواهر قيد البحث لفهم السياق المادي التاريخي للمنطقة العربية ولموضعة ظروف وشروط حياة النساء داخلها، بالتزامن مع تحليل التوجهات النسوية والأصلانية المناهضة للاستعمار يساهم في كشف ما هو غائب عن التحليل للتوجهات السائدة.

وخلصت ميعاري إلى أن استعمارية الإنتاج المعرفي هي امتداد وانعكاس للاستعمار المادي وبالتالي فإن المعرفة الاستعمارية تمكن وتبرر استمرار الاستعمار، إذ توجد علاقة جدلية بين الاستعمار المادي وممارساته وبين إنتاج المعرفة الاستعمارية وبالتالي فإن تفكيك استمرارية المعرفة غير ممكن دون تفكيك الاستعمار والعلاقات الاستعمارية في العالم الاجتماعي المادي.

ومن موقعها كرئيس نقابة العاملين في جامعة بيرزيت، تطرقت إلى أهمية فهم العلاقة بين العمل النقابي وإمكانية إنتاج معرفة نقدية وتحررية، لأن العمل النقابي يحاول الاشتباك  مع الواقع المادي للمؤسسة وعلاقاتها وأثره والظروف الإدارية والمادية للمؤسسة وكيف بإمكانها أن تشكل الحاضنة المادية لنمط من المعرفة المادية.

بدورها، عرجت مديرة المتحف الفلسطيني في جامعة بيرزيت رنا بركات على التاريخ التحرري، وتناولت التاريخ  والاستعمار الاستيطاني كتخصصين أكاديمين من خلال جملة من الأسئلة التي طرحتها في مداخلتها على النحو الآتي: لماذا التاريخ ولماذا الاستعمار الاستيطاني ولماذا أصلاني ولماذا أصلانية؟

ترى د. بركات أن التاريخ كتخصص هو جزء من الحداثة، والدولة والقومية وهو الرواية الذاتية للدولة القومية، لذلك فإن للتاريخ معنى مستمداً جاء من حداثة أوروبا والاستشراق، بينما اعتبرت أن المحرك الأساسي للاستعمار الاستيطاني هو المحو، ليس فقط السيطرة على الشعب، والاستعمار الاستيطاني كتخصص يمركز المستوطن ويخلق جدلا بين المرئي أي كيف نرى أنفسنا كفلسطينيين، والشيء الأساسي هنا الاعتراف.

وأشارت بركات إلى أننا عندما نقول "فلسطيني أصلاني" فنحن نحاول إثبات شيء، وهو أننا موجودون هنا، وحقنا أن نكون، وهذا كله معلق بسياسات الاعتراف الليبرالية، أي أن أصلاني أصبحت هوية، كما فرقت بين الأصلاني والأصلانية، فالأصلانية هي الفكر والمنهج.

واعتبرت د. رنا بأننا "محاصرون بالتاريخ والاستعمار الاستيطاني أي أن الحداثة والدولة والوجود والاعتراف والخطاب والوطنية، يستحوذون علينا، وإذا الوطنية فقط هوية والمقاومة فقط خطاب لن نصل لمكان، وكي نتخلص من الاستحواذ لا بد من الاعتراف أننا لا نعرف، وهنا نكون قد تخلصنا من سلطة المعرفة وبدأنا نتجول بمنهج ومنهجية."

من جانبه، بدأ رئيس دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت علاء العزة، مداخلته التي وصفها بمجموعة من التأملات بعنوان "الزمن والزمانية والمنهج في دراسة فلسطين والفلسطينيين"، بالتقسيم الذي يضعه عن فكرة الزمن والزمانية، ففي الحالة الحداثية بدأ النظر إلى الزمن باعتباره مجرد تقسيم وقتي تتساوى فيه التقسيمات ما بين ساعة ويوم وسنة وعقد، وباعتباره كما وصفه وولتر بينيامين زمن فارغ متجانس، فارغ باعتباره غير ذا دلالة ثقافية، ومتجانس بحيث أنه يعود بشكل دوري ومستمر على شكل تقسيمات واضحة المعالم.

واعتقد العزة أنه لولا هذا الزمن المتجانس الفارغ لما استطاعت الأمة أن تتشكل أو تتخيل نفسها صاعدة في الزمن إلى ما لانهاية بحيث أن الزمن أصبح ماضيا حاضرا ومستقبلا، وفيما يتعلق بمفهوم الزمانية الذي تستخدمه العلوم الاجتماعية فهو الفهم الثقافي للزمن والتعبير عنه تمثيليا ومدى ارتباطه بالحياة اليومية.

الجلسة الثالثة

أما الجلسة الثالثة من المؤتمر والتي يسرها د. خالد فوراني وتحدث فيها كل من: أباهر السقا، ومي البزور، ومهند مصطفى،  فكانت تحت عنوان مقاربات سياسيّة وثقافيّة للاستعمار الاستيطاني في فلسطين.

بدأها السقا بمداخلة حملت عنوان "كيف نقرأ الحالة الاستعماريّة / المُستَعمريّة في المستعمرتَين الأولى 1948 والثانية 1967، معرفيًّا ومنهجيًّا، وبأيّة أدوات؟"، وقال في مقدمته: "يعلمنا ابن خلدون  في درسه الأول أن المقاربات تجعل في بنى متماثلة، ومن المؤكد أن لدينا بنية استعمارية واحدة، لكن لدينا بنى اجتماعية واقتصادية وسياسية مغايرة في المستعمرتين، يذكرنا الواقع الاستعماري المستعمري على أن لدينا بنية استعمارية ولكن لدينا تشخيص مشوه للواقع الاستعماري بسبب إخضاع عملية التحليل والتشخيص الأكاديمي لإنفاذ مفردات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي المشوه بسبب طغيان مفردات الخطاب السياسي".

وأشار السقا إلى صعوبات ذات طبيعة معرفية ومنهجية تواجه الباحثين عند دراسة الحالة الاستعمارية الفلسطينية  بسبب استمرارتيها، الأمر الذي يصعب عليهم العمل على ظواهر قيد التشكيل وقيد التبدل، بالإضافة إلى أن كل حالة استعمارية لها فرادتها وسياقها وشروطها وانعكاساتها، ما يجعل دراسة كل حالة أشبه بالمرور بحقل ألغام بسبب عناصر التشابه من جهة والاختلاف للظواهر الاستعمارية المستعمرية من جهة أخرى وكذلك التوجهات المقارنة عادة.

واقترح د. أباهر تسمية حالة الوقوع تحت الاستعمار بالحالة المستعمرية نسبة للمستعمرة، موضحا أنه اختار هذه التسمية لأن التوصيف الاستعماري ذو طابع تعميمي لا يميز بين طرفين في الحالة الاستعمارية أي لا يميز بين المستعمرين والمستعمرين، ولذا يستخدم تعبير الاستعمارية لتوصيف حالة المستعمرين وتعبير المستعمرية لتوصيف حالة المستعمرين، كذلك استخدم تعبير المستعمرة الأولى لوصف المناطق التي استعمرتها "إسرائيل" عام 1948 والمستعمرة الثانية لتوصيف المناطق التي استعمرتها "إسرائيل" عام 1967.

وجاء في مداخلة الأستاذة المُساعدة في دائرة العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة في جامعة بيرزيت د. مي البزور التي حملت عنوان "مفهوم التطبيع ضمن بنية الاستعمار الاستيطاني في فلسطين" عرضا لأحدث الأبحاث التي قامت بها حول تحليل الخطاب السياسي الرسمي العربي فيما يتعلق بموضوع التطبيع.

أشارت البزور في البداية إلى مفهوم التطبيع العام ضمن حقول العلوم السياسية، والذي يعني عودة العلاقات الطبيعية بين دولتين أو أكثر بعد انتهاء حالة حرب أو صراع، بالتالي المفهوم العالمي للتطبيع يشير إلى حالة تفيد بالانتقال من السلام إلى التطبيع، أي أن الشرط الأساسي للتطبيع هو حدوث السلام بداية، لكن ضمن السياق العربي والفلسطيني التطبيع هو بشكل معاكس للمفهوم العالمي بأن معناه يفيد الاعتراف بدولة "إسرائيل" وإقامة علاقات طبيعية معها ومن ثم يحدث السلام.

وخلص بحث البزور إلى أن تبني لفظ التطبيع من قبل حركات المقاومة في الخطابات هو وقوع في الفخ لأن اللفظ هو بحد ذاته يحصر الإشكالية مع المستعمر في إقامة علاقة معه وبالتالي عمل على إزاحة معرفية وانتقال وازاحة معرفية لما كان هو سائد سابقا من ثنائية الوطنية والخيانة إلى ثنائية جديدة فيها قبول أكثر بالآخر.

واختتمت الجلسة الثالثة بمداخلة مدير عام مركز مدى الكرمل – المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة والتطبيقيّة مهند مصطفى التي حملت عنوان الهبّة الشعبيّة في أيّار 2021 ومحو الخطّ الأخضر من الأرض والوعي.

وافتتح مداخلته بمقولة مركزية وهي أن السياسات الاستعمارية الإسرائيلية في التعامل مع المناطق المحتلة عام 1948 في السنوات الأخيرة تهدف إلى إنتاج حقل سياسي فلسطيني على مستوى السلوك والتفكير والوعي، مرتبط بالحالة الاستعمارية وهذا هو الهدف الأسمى للسياسات الاستعمارية الإسرائيلية هو إنتاج هذا السياسي الذي له علاقة فقط مع الدولة وتفريغ وتفكيك أي حقل سياسي ليست له علاقة مع الحالة الاستعمارية.

ومن خلال مداخلته حاول مصطفى إثبات أن السياسية الاستعمارية مع المناطق المحتلة عام 1967 هي ذاتها المستعملة مع المناطق المحتلة عام 1948، مع تغيير اللاعبين السياسيين.

يُشار إلى أن المؤتمر يأتي بالتّزامن مع معرضه الحالي "بلدٌ وحدُّهُ البحرُ: محطّات من تاريخ السَّاحل الفلسطيني (1748-1948)"، المُنطلِق في سرديّته من صعود عكّا في القرن الثامن عشر، ثمّ صعود يافا في القرن التاسع عشر، ثمّ مركزيّة مدن السّاحل الاقتصاديّة وتنامي النفوذ الأوروبّي، فالنّكبة و"انكسار البلاد" في القرن العشرين.

الجلسة الرابعة

وخصصت الجلسة الرابعة والأخيرة من المؤتمر للقائمين على المعرض إذ أدارها د. سليم أبو ظاهر، وتحدث فيها عامر حليحل، كما واختتم المؤتمر بشعر بعنوان بحر وقع على بلاط يافا أداه علي مواسي.

وقال الممثل والمخرج المسرحي عامر حليحل في مداخلته التي حملت عنوان" مسرحة الذاكرة ما بين الامتثال للفن والاخلاص للتاريخ": "أكثر ما يهويني في مسرحة التاريخ الذاكرة أو مسرحة الماضي هو محاولة إعادة نفخ الحياة فيه، ونفخ روحه بالنااس، ما يهمني في التاريخ ليست الملعومة عن الأحداث المهمة وليس التغني بماض كان لنا فيه أكثر ما كان عليه، وليس الاحتفال بالبطولة والتأسي على الهزيمة، وأكثر ما لا يعنيني في مسرحة التاريخ هي المادة التعليمية التثقيفية.

وتابع: "برأيي المسرح لي المكان لتعلم التاريخ، وهو لم يخلق كي يكون محاضرة أستقي منها المعلومات عن فترة معينة حتى لو شمل العمل الفني المعلومة وكان مفيدا، فهذا ليس هدفه، إذ أن الفن ليس أداة تعليمية تلقينية تعطي الأجوبة لمن أراد المعرفة، بل وجد الفن كي يكون مساحة للسؤال، في معنى الوجود والحياة وماذا نفعل فيها نحن البشر.

وأضاف: "هناك من يختلط عليه الأمر في تعريف أهمية الفن وبالذات في فضائنا العربي، حيث يعتبر الفن إما أداة ترفيه بحتة أو أداة تعليمية واعظة تمتلك الأجوبة عن معضلات حياتنا، فنطلب من مسرحية أن تعطينا جوابا عن مسألة سياسية معينة، أو من رواية أن تجيبنا عن مسألة أخلاقية، أو فيلما يحل لنا مشكلة اجتماعية، بينما السبب الحقيقي لوجودهم هو لتقوم بدور معالج نفسي جمعي جيد، ذلك الذي يعرف كيف يسأل السؤال الصحيح، كي يصل كل متعالج إلى أجوبته الخاصة، بما أن لكل شخص فينا خصوصيته ونظرته تجاه هذه الحياة".

وفي الختام، ألقى الشاعر والباحث علي مواسي شعر بعنوان "بلاطة مكسورة على بحر يافا"، كتبه بعد زيارته لمعرض بلد وحده البحر في الافتتاح الأول، وجاء فيه:

"بلاطة مكسورة في بحر يافا

فراشة على حائط خفيف

 أمشي،

 ويمشي معي بحثي في التي لا أعرف سوى أدلتي في الآخرين منها".