تدوين- ترجمة: سعيد بوخليط
أولاً - مقالة جورج بانكر
"أعتبر المعادلات أكثر أهمِّية من السياسة، لأنَّ الأخيرة مرتبطة بالحاضر، في حين تنزع المعادلة وجهة الخلود." (ألبرت أينشتاين، 1875-1955).
وُلد أينشتاين يوم 14 مارس 1875 في أولم الألمانية وسط عائلة يهودية تنحدر من البورجوازية الصغرى. فترة قليلة بعد ذلك، انتقلت هذه العائلة إلى مدينة ميونيخ حيث تابع أينشتاين دراساته الثانوية في مؤسَّسة كاثوليكية.
لم يكن والدا أينشتاين ممارسين للشَّعائر الدينية، مع ذلك قدَّما لطفلهما تعليماً دينياً، الذي انساق خلف اللعبة والذهاب غاية مؤاخذتهما بخصوص عدم اهتمامهما بالقواعد.
خلال سنوات المراهقة، شرع أينشتاين يقرأ كتباً فلسفية وعلمية، ثم تخلَّص تماماً من كل ممارسة دينية.
سنة 1895، وقد بلغ سنّ الخامسة عشرة، قرَّر مغادرة ألمانيا، رفضاً من جهة لمنظومة الانضباط الصارمة السائدة داخل فصول المدرسة الثانوية، وكذا الخدمة العسكرية. بعد التحاقه بوالديه المستقرين منذ فترة قليلة في إيطاليا، هاجر ثانية إلى سويسرا، فأضحى سنوات بعد ذلك مواطناً سويسرياً.
دَرَسَ في مدرسة زوريخ ذات التِّقنيات المتعدِّدة، حيث تعرَّف على ميليفا ماريك زوجته المستقبلية، التي أنجب منها ثلاثة أطفال.
أكمل مساره الدراسي دون تمكُّنه من بلوغ منصب جامعي، لكن بمساعدة أحد رفاقه استطاع الحصول على وظيفة في مكتب براءات الاختراع في مدينة برن، وبقي هناك غاية سنة 1909. خلال هذه الحقبة، وضع أينشتاين مرتكزات الفيزياء الحديثة نتيجة أبحاثه حول نظرية النسبية وكوانطا الضوء، ممَّا توَّجه بجائزة نوبل سنة 1921.
إبَّان المرحلة الأولى من حياته، انكبَّ على نظرية النسبية وأكمل بناءها سنة 1915.
اليهودية، حقيقة فعلية لا تشغل اهتمام أينشتاين. تحقَّق اتصاله بها منذ فترة استقراره في مدينة براغ سنة 1911، حقبة الإمبراطورية النمساوية المجرية، حينما عُيِّن أستاذاً في جامعة اللغة الألمانية. ضمَّت تلك المدينة أقليَّة يهودية لكنها مهمَّة، شكَّلت مجالاً خصباً لأنشطة الأوساط الصهيونية. انخرط أينشتاين في دوَّامة الحرب العالمية الأولى.
ترأَّس معهد الفيزياء في برلين سنة 1914، بعد مضيِّ شهور قليلة من اندلاع الحرب، بيد أنَّه سرعان ما تعرَّض لعداوة الأوساط القومية والمعادية للسامية، باعتباره أجنبياً، يهودياً، ومناصراً للسلام.
منذ سنة 1919، ذاع صيته على امتداد العالم، بعد الاختبار التجريبي لنظريته خلال كسوف شمسي، وصار الهدف الأمثل لتلك الحملات المعادية: أثار مجموعة محرِّضين الفوضى أثناء محاضراته، واضطرَّت الشرطة إلى التدخُّل، كما صدرت مقالات على صفحات الجرائد تقارب نسبية العلم اليهودي.
قصد الخروج من بوتقة هذه الأجواء، باشر أينشتاين أسفاراً إلى الخارج: سنة 1922 رافق حاييم وايزمان صوب الولايات المتحدة الأمريكية من أجل جمع أموال مخصَّصة لإنشاء جامعة في القدس؛ ثم إلى اليابان خلال السنة الموالية.
أثناء عودته، زار فلسطين ربيع 1923 وبقي في عين المكان طيلة أسابيع، قصد إجرائه جملة اتِّصالات مع مسؤولي "يشوف" (السكان اليهود في فلسطين) بغية تنبيههم حول ضرورة التَّوافق مع المجموعة العربية في فلسطين. بناءً على انحيازه للسلام ورفضه النظريات القومية، دعا أينشتاين خلال تلك الفترة إلى إقامة دولة في فلسطين ثنائية القومية.
لاحقاً، جرَّاء معاينته وصول أوَّل أفواج اللاجئين الهاربين من ألمانيا النازية، انحاز أينشتاين إلى موقف الصهيونية في إطار واقعية سياسية. ابتداءً من سنة 1920، لاحظ صعود القوميات، وكذا بروز النازية، ثم سنة 1922، اغتالت مجموعة قومية، والتر راثيناو وزير الشؤون الخارجية من أصول يهودية؛ حادثة أثَّرت بعمق في أينشتاين، التي أكَّدت سيطرة النازيين على دواليب الحكم خلال فترة عشر سنوات.
يوم 30 يناير 1933، لحظة تعيين هتلر مستشاراً، تواجد أينشتاين في الولايات المتحدة الأمريكية، فرفض العودة إلى ألمانيا، متَّخذاً قراره بالاستقرار النهائي في برنستون (نيو جيرسي) صحبة إلزا زوجته الثانية وابنتها التي تبنَّاها. هكذا، صار مواطناً أمريكياً منذ سنة 1940 واشتغل غاية نهاية حياته في معهد الدراسات المتطورة.
لم تمضِ سوى فترة وجيزة على حكم النازيين لألمانيا، حتى صادروا ممتلكاته وأحرقوا كتاباته. منذئذ، استبعد أينشتاين قناعاته الدَّاعية إلى السِّلم، وانخرط مباشرة في الصِّراع ضدَّ النظام النازي: تَكَفَّلَ بمسألة إخراج ممتلكاته الشخصية من ألمانيا، ثم استقباله في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف عدَّة علماء، وبعثه رسالة إلى الرئيس روزفلت سنة 1939 قصد تحفيزه على تبنِّي مشروع صناعة القنبلة الذرية، رسالة تحسَّر عليها بعد مشهد هيروشيما.
ضمن هذا السياق، وبخلاف الاعتقاد السائد، لم يشارك أينشتاين في تطوير القنبلة، نتيجة ارتياب المسؤولين منه، معتبرين إياه فوضوياً ينزع أكثر نحو السَّلام.
سنة 1952، تُوفي حاييم وايزمان، فاقترح بن غوريون على أينشتاين ترأُّسَ حكم الدولة الإسرائيلية، لكنه رفض.
توفي أينشتاين يوم 18 أبريل 1955 في مستشفى برنستون، وورثت جامعة القدس تراث كتاباته.
يمكن اختصار مفهومه حول اليهودية إلى الصيغة التالية: ''لا دين، لا مماثلة''، حسب عبارته الخاصة. أينشتاين مؤمن، لكن حسب تصوُّر سبينوزا الذي كان مُلْهِمَه وزيَّن حائط مكتبه بصورة الفيلسوف. لقد استبعد فكرة إله شخصيٍّ منشغل بمصير البشر، بل الإله وحي جمال وتناغم الكون.
تَمَثَّل أينشتاين انتماءه العميق إلى الشعب اليهودي، لكنه لم يمارس قط الشعائر الدينية: ترتكز اليهودية، بحسبه، على قيم أخلاقية محورها العدالة والحرية أكثر من بنود نصوص التَّوراة. في نفس الوقت، يستنكر موقف احتقار اليهود الألمان للاجئين القادمين من أوروبا الوسطى، وانخرط عمليًّا في مساندتهم، بحيث صار سنة 1923 رئيسًا لجمعية مساعدة الأطفال (OSE)، ومشاركته خلال مناسبات عدَّة في أنشطة لقاءات تدعم هذه الجمعية، وكذا منظمة إعادة التأهيل (ORT).
نتيجة رحيل أينشتاين، افتقدت الهيئة العلمية رجلًا فتح سبيلًا أمام فيزياء القرن الواحد والعشرين، كما خسر العالم مواطِنًا.
أخيرًا، تنبغي الإشارة إلى رسالة مؤرَّخة بـ 2 غشت 1939، وقَّعها أينشتاين كي يحذر فرانكلين روزفلت بخصوص إمكانية استغلال "ألمانيا النازية" الأبحاث النووية من أجل اختراع قنبلة ذرية، ممَّا أفضى إلى تبلور مشروع مانهاتن الذي أشرف عليه العالم الأمريكي روبرت أوبنهايمر (1).
ثانيًا: تعليق على النَّصِّ المترجَمِ
عاش أينشتاين تجربتين مهمَّتين علميًّا وسياسيًّا، اختبر عبر تفاصيل حيثياتهما مدى التزامه بمرجعياته المبدئية، سواء داخل المختبرات العلمية أو ضرورات الوقائع السياسية. تتعلَّق الأولى، بإلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي.
انتاب أينشتاين شعورٌ فضيعٌ بالذنب، حيال ما فعلته بالشعب الياباني تداعيات معادلته الفيزيائية الشهيرة: ''E=mc²'' (تساوي الطاقة كتلة الجسم مضروبة في مربع سرعة الضوء...)، لكنه صرخ في وجه منتقديه: ''المعادلات لا تنفجر''.
يوم 2 غشت 1939، بعث أينشتاين رسالة إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، قصد تحفيزه على تبنِّي مشروع صناعة القنبلة الذرية، بعدما تأكَّد أو أشيع في أمريكا - الواقعة ليست واضحة - أنَّ الألمان، بتوجيه مباشر من هتلر، لفريق علمي يشرف عليه فيزيائي شهير آخر اسمه هايزنبرغ، بصدد صنع السلاح الذري، بل، ربما نجحوا في تحقيق الانشطار النووي. رسالة تحسَّر عليها أينشتاين بعد مشهد هيروشيما المأساوي.
المسألة الثانية، تعود بنا إلى سنة 1952، حينما عرض بن غوريون، رئيس وزراء الدولة العبرية، على أينشتاين أن يصبح: ''الرئيس المختار للدولة المختارة''، بعد وفاة حاييم وايزمان، أول رئيس لإسرائيل، وهو عالِم وأستاذ جامعي، درّس الكيمياء في جامعتي جنيف ومانشستر، ممّا هيَّأ له، لحظة تولِّيه منصبه السياسي، نسج علاقات واسعة مع عدد كبير من العلماء؛ في طليعتهم أينشتاين.
تراكمت تأويلات عدَّة بخصوص ترشيح قادة إسرائيل لأحد أهمِّ عظماء العلوم الفيزيائية، المنحدر من أبوين يهوديين، اضطرَّته الملاحقات النازية كي يغادر موطن ولادته، ألمانيا، نحو أمريكا، حيث عاش هناك، غاية وفاته عام 1955.
رفض أينشتاين رفضًا قاطعًا مفهوم الدولة اليهودية الدينية والعقائدية، بحيث سنلاحظ أنَّ جلّ آرائه وكتاباته السياسية ومراسلاته المنصبَّة على الموضوع، وهي، بالمناسبة، غنيَّة يطويها أرشيف الجامعة العبرية، استشرفت، منذ تلك الحقبة، الآفاق المظلمة الموصولة حتمًا بالمشروع الصهيوني اللاهوتي، فقال: ''إنَّ دولة تنشأ كما نشأت إسرائيل، لدولة جديرة بالفناء''.
لا يتحدث أينشتاين بدافع تأثير رومانسية حالمة، لِعالِمٍ لائكي، صاحب نزوع كونيٍّ موسوعيٍّ، إنسانيّ المرجعية، يتسامى عقله الجبَّار فوق ضآلة المرجعيات والمذهبية والأصولية، ممتعضًا أشدَّ الامتعاض من النَّزعات القومية الصغيرة. لكنه، أيضًا، الخبير ببدايات الملفِّ ومنتهاه، المطَّلع على تفاصيله التاريخية، منذ سنوات برلين، حينما عاين بؤس اليهود الهاربين من الاضطهاد في بولونيا وروسيا، يطرق بعضهم باب منزله طلبًا للمال أو الطعام. تأثُّره بذلك الوضع، جعله يتعجَّب من انعدام التكافل بين أفراد اليهود الألمان.
أقول، صار أينشتاين منخرطًا في يوميات القضية، غاية وفاته، فكان الائتلاف والاختلاف، التجاوب والتَّعارض، الاحتضان والرَّفض، التجاذب والتّنافر، بمعنى ظلَّ محتفظًا دائمًا بمساحات العقل بينه وبين أهل جلدته، غير أنَّ أسطورة دعمه لإسرائيل، انبثقت بالضبط ضمن فقرات خطاب نعيه بصحيفة نيويورك تايمز.
لمَّا أوشك زعماء الكيان الإسرائيلي على إعلان قيام دولتهم، كتب أينشتاين ما يلي: ''إنَّ إدراكي للطبيعة الجوهرية لليهود، يقاوم فكرة دولة يهودية ذات حدود وجيش وقدر من السلطة الدنيوية، بغض النظر عن مدى تواضع هذا القدر. إنَّني أخشى من الدمار الداخلي الذي سيلحق باليهودية، خاصة من تطور نزعة قومية ضيقة داخل صفوفنا، كنا قد حاربنا ضدها بقوة، بدون دولة يهودية''.
مبرِّر رفضه الجلوس على كرسيّ رئاسة إسرائيل، وإن كانت وظيفته بروتوكولية ورمزية، تقاسمته عبارات علنية محكومة بدواعي أدبيات الدبلوماسية، مثل: "أنا رجل علم ولست رجل سياسة"، و"السياسة أصعب من الفيزياء"، أو "لقد قضيت حياتي وأنا أهتمّ بعالم الأشياء، وحبذا لو كانت لي القدرة الطبيعية أو التجربة الكافية للاهتمام بعالم البشر، إنّها مسؤولية صعبة بالنسبة إليّ"...
حقيقة اكتسى البعد المضمر، صراع شديد بين أينشتاين ورموز فكرة إنشاء الدولة العبرية، انكشفت تجلياته من خلال تصريحات غير رسمية، هكذا همس بن غوريون، لحظات عقب توجيه رسالة إلى أينشتاين، لترشيحه رئيسًا: "لم يكن ممكنًا إلا أن نعرض عليه الرئاسة، لكن الويل لنا لو استجاب"، كما أنَّ السبب الجوهري، لرفض العالِمِ الفيزيائي، برَّرته وجاهة تصريح جانبي: "إنَّني مضطرٌّ أن أقول للشعب الإسرائيلي أشياء كثيرة لا يحبّ سماعها"، أبرزها، وهي التي تعكس الأطروحات التي بقي مقتنعًا بها حتى آخر يوم في حياته، أنَّه يشاطر حقًا اليهود، حلمهم بوطن، لكنه يعارضهم جذريًا، حول الانتقال الإيديولوجي إلى بناء الدولة، لأنَّها مرتبطة بفكرة الوطنية الضيقة، تصور غير سليم في منحاه العام، فما بالك، إن انتهى الأمر بيد جماعة من المتعصِّبين الحاقدين، الذين يلوِّحون علنًا بأحقِّية مبادئهم العنصرية، يقول بهذا الخصوص: "أن يكون لهم وطن لا يُضطهدهم فيه أحد، ولا أريدهم أن يُضطهدوا أحدًا، فعرب فلسطين لهم الحق في الوطن الوحيد الذي عرفوه، ولا يستطيع أحد أن ينكر عليهم ذلك".
سنوات العشرينات، دعا أينشتاين إلى ما يشبه الحكم الفيدرالي بين العرب واليهود في فلسطين، وصياغة دستور يضمن حقَّ الشعبين في اتخاذ القرارات عن طريق آلية التصويت. رفض قرار التقسيم البريطاني، مطالبًا بدولة علمانية يتعايش الطرفان تحت سلطتها.
سنة 1930، وجَّه رسالة تحذيرية إلى أعضاء المنظمة الصهيونية العالمية، مفادها: "أنَّه سيوقف كل دعم لهم إن لم يتوصَّلوا إلى سلام مع العرب".
أواخر الثلاثينات، في خضم الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز واليهود، خاطب أينشتاين أبناء شعبه قصد تذكيرهم، بتعارض اليهودية والدولة القومية، لأنَّها ديانة كونية.
أواسط الأربعينات، صرَّح علانية بما يلي: "فكرة دولة إسرائيل، لا تتوافق مع رغبات قلبي. إنَّني لا أفهم لماذا نحن بحاجة إلى دولة كهذه، فالدولة القومية فكرة رديئة وقد عارضتها على الدَّوام. إنَّنا نقلد أوروبا التي دمَّرتها القومية".
قبل اندلاع حرب 1948، أرسل برقية إلى نيويورك تايمز، مشدِّدًا على أنَّ متطرِّفي الجانبين، العربي واليهودي، يدفعون بفلسطين نحو حرب عقيمة. خلال نفس السنة، ندَّد بمذبحة دير ياسين، واصفًا عبر رسالة، لأحد أصدقائه الأمريكيين المدافعين عن حرية إسرائيل، أسماء مثل مناحيم بيغن وإسحاق شامير بالمجرمين، الذين يترأَّسون منظمات إرهابية، كتنظيم أرغون وعصابة شتيرن.
في السياق ذاته، كشف صاحب أعقد نظرية فيزيائية معاصرة، عن عجزه كي يستوعب تناقضات شخصية بن غوريون، الاشتراكي والأممي ثم الصهيوني العنصري، الذي يتبادل الرسائل معه وكذا المهاتما غاندي، لكنه في الوقت ذاته يشكِّل عصابات الهاغانا، ويصنع السلاح، ويفضِّل اليهود عن العرب، ثم يقبل تكتيكيًّا قرار التقسيم مع استنفاره الدائم لحروب توسعية.
سنة 1949، ألقى أينشتاين، كلمة بمناسبة حصوله على دكتوراه فخرية من الجامعة العبرية، أشارت بأصابع الاتهام إلى الإنجليز، باعتبارهم المسؤولين عن اندلاع الحرب، مؤكِّدًا على: "أنّ اليهود والعرب كانوا راغبين في تحقيق السلام المبني على التفاهم، بدل الاحتكام إلى العنف، لولا ضغوط خارجية"، بإلحاحه على ضرورة إقامة تعاون مثمر بين الشعبين، وفق قاعدة الثقة والاحترام المتبادل. استثمر الإنجليز، نفس أسلوبهم الاستعماري بالهند، حينما زرعوا عوامل الفتنة بين المسلمين والهندوس.
عام 1953، اجتمع أينشتاين بالصحفي المصري محمد حسنين هيكل، بمناسبة زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فعاد محمَّلًا من طرف العالِمِ الشهير، برسالة إلى جمال عبد الناصر، يستفسره عن خُطَّة ممكنة لحلِّ الصِّراع العربي الإسرائيلي، ثم يقترح نفسه وسيطًا فعالًا في القضية، لكنَّه لم يتلق جوابًا بخصوص مبادرته، فقام ببعث رسالة مماثلة إلى الزعيم الهندي نهرو، كي يعيد ثانية، طرح الأمر على عبد الناصر.
إجمالًا، ينهض مشروع أينشتاين على فصل واضح بين اليهودية والصهيونية، ثم فصل اليهودية نفسها عن دوغماطيقية أدبيات التوراة والطقوس الشكلية، وضرورة استلهامها أولًا وأخيرًا، كُنه العدالة والحرية والقيم الأخلاقية. أوضح مثال في هذا الصدد، يشير إلى نقاشه الحادّ مع حاييم وايزمان، حول معاناة الفلسطينيين، حينما أجابه الرئيس الإسرائيلي بمرجعية توراتية: "إن الله وعد اليهود بهذه الأرض"، لم يتردَّد أينشتاين في دحض مثل هاته القناعات الخطيرة، جازمًا: "يجب أن لا نقحم الله في هذا النقاش، لأنَّ كل فريق يرى الله إلى جانبه، وإذا كان الله هو من وعد اليهود بهذه الأرض، فهو الذي أقام العرب عليها".
_______________________________________________________________
*هامش:
مرجع المقالة:
(1) Cercle d'étude de la déportation et de la shoah : 27 juin 2024