الأحد  22 كانون الأول 2024

حُلم

قصة قصيرة

2014-01-19 00:00:00
حُلم
صورة ارشيفية

عصمت منصور-  قاص وروائي فلسطيني

بثقلِ سنواتهِ الخمسين، وبكلّ ما في جسدهِ الهرم من قوةٍ وعنادٍ يعاكس بها زحف شيخوخته التي ترتع في عظامه كلما انسحب العمر وتوارى مع تسلل الأيام والأشهر والسنوات في الأسر.

كان يحلم، وفي الحلم تعلّم كيف يصنع من الأمل بساطاً يطير عبره ويطل على آفاق محجوبة، ناصعة فاتنة تكاد تطرحه صريعاً في نوبة عشق فتية، ليست كل الأحلام وردية، بيضاء أو ملونة، وساحرة تلامس المستحيل.

حلمه كان أخضر. بقايا رغبات صغيرة دفينة في أعماقه يلملمها من مراعي قريته، شهوات تنوس، تنوس، ولا تذوي. وقد يكون هذا هو سرّ قوتها وحضورها الكثيف في صحراء سجنه، حتى في لحظات تفضيته.

في سنواته الأولى في الأسر، كان يذيع حلماً مهجوراً على مسمع الجدران الصماء، يشتهي فيه أن يرتقي جبلاً أخضر شاهقاً تسيّجه أشجار سرو وزيتون، ويعبق برائحة الليمون والبحر، جبلاً وفيراً بكل أنواع الطيور التي تلقي على صمته المهيب مذاق الجنة والأبدية، وأيضا، كيف لا: قطيع أغنام صغير، فبساطة الأغنام وتواضعها يليق بمشهد خرافي منزوع من الأبدية.

بعد عقدين في الأسر، وأربع إضرابات جوع عن الطعام، وما لا يحصى من الخيبات وذبول فتيل العمر وتغير زيته في جسده، قال كمن يسحب وعدا: كنت سأكتفي بالجبل، أيّ جبل!