الثلاثاء  24 كانون الأول 2024

فضيحة المثقف العربي!

هنا نلتقي

2015-04-21 11:00:30 AM
فضيحة المثقف العربي!
صورة ارشيفية

بقلم: أنور الخطيب

لعل من أسوأ نتائج الحرائق في الوطن العربي، اتضاح دور المثقف السلبي في الأحداث، واكتشاف أنه لم يؤسس لفكر ولا لفلسفة ولا لمبدأ، وكأن المثقفين كانوا في واد، والشعوب العربية في واد آخر، لا تربطهم به سوى كتب تنظيرية لا أحد يقترب منها في معارض الكتب، أو صفحات ثقافية يتصفحها المثقفون سريعا لضحالتها أو غربتها أو إبحارها بعيدا عن هواجس الطبقات البسيطة، التي تشكل الطبقة الرئيسة في المجتمعات العربية. أما بالنسبة للمجتمعات الغنية فهي مشغولة باللافكر والهواجس اليومية التجارية الترفيهية، وبمبادئ وشعارات تبدو ملائكية ولكنها قد تبدو غير ذلك حين توضع في مختبر الحياة.
 
المثقفون والفنانون والمبدعون في المناطق التي تتعرض منذ خمس سنوات لصراعات بشعة، يقودها متخلفون عن الإنسانية والعلم، بل وحتى الدين، هؤلاء المثقفون غادروا بلادهم ويتجولون في شوارع البلاد التي لم تصلها حرائق الربيع، ويتسكعون في مقاهيها باحثين عن ظهور هنا وفرصة عمل هناك، وهم غائبون عن المشهد الوطني غياباً مطلقاً، تاركين الساحات للعصابات وتجار الآثار والأطراف البشرية، باستثناء أسماء قليلة حاولت الاصطفاف لكنها خرجت منه مهزومة شر هزيمة.
 
ماذا كان يفعل المثقفون والمبدعون على مدى عقود من الزمن؟
 
كانوا يدعون بخيلاء أنهم يعيشون غربة وجودية ومجتمعية، فخاضوا في أفكار تجريدية ونظريات لا تنسجم مع الحراك المجتمعي البطيء، وانشغلوا بالمدارس الفكرية التي لا تربطها أي روابط مع هواجس الإنسان البسيط وتفاصيل يومه ومعاناته، وقفزوا إلى الحداثة بل ما بعد الحداثة، وهناك من شطّ كثيرا فوصل إلى ما بعد بعد الحداثة، متناسين أن الحداثة رزمة واحدة لا تنفصل فيها شكل القصيدة عن شكل البيت عن نظافة الشارع عن الفساد عن المحسوبيات والشلليات، فهوموا تهويمات طرحت نتاجات ظلت معانيها في بطون الشعراء، وأفكارها حبيسة في غرفهم الضيقة، ترتطم بالجدران من دون صدى.
 
لم يؤسس المثقفون ولا المبدعون من روايين وشعراء وكتاب ونقاد ومفكرين لقاعدة شعبية، تنطلق منها المجتمعات إلى مراحل جديدة قد تقودهم فيما بعد إلى الحداثة. بل قفزوا خطوات شاسعة ومسافات طويلة عن واقع المجتمعات، فكانت النتيجة أنهم تركوا الشعوب نهباً لأفكار التطرف والتشدد والجهل، حتى وصل بهم الحال إلى مرحلة يدافعون بها عن أنفسهم، ويبحثون عن براهين تثبت أنهم مؤمنون في ظل زحف الفكر الديني الشمولي الذي لا يعترف بحرية التفكير أو الإبداع.
 
ولم يؤسس المثقفون أي شيء لأنهم تنازلوا عن أدوارهم وغازلوا المستبدين، ولم يعلموا، وربما علموا في دواخلهم، أنهم يصطفون إلى جانب قاتلي الشعوب وسارقي حرياتهم وثرواتهم ومصائرهم. ومن يستعرض الأسماء التي ذهبت إلى ليبيا في عهد القذافي لمناقشة كتابه الأدبي الوحيد، وما قالوه من آراء بشأن القاص أو الروائي معمر القذافي، سيدرك أن شريحة كبيرة من المثقفين مارست الخيانة الواضحة؛ أولا للقيم الأدبية والإبداعية، وثانيا للقيم الإنسانية والوطنية والمجتمعية، بينما تجاهلت تلك الأسماء، وهي كبيرة، إبداعات كتاب جادين يحلمون بقراءة خبر عن نتاجاتهم الشعرية أو القصصية.
 
إن المداهنة التي مارسها المثقفون في جميع الساحات الثقافية العربية لزعمائهم، ولا يزالوا ممعنين في مزاولتها، وغيابهم عن تطلعات الشعوب الفقيرة المحتاجة إلى مدرسة لتعليم أطفالها، ومياه صالحة للشرب ودورات مياه نظيفة، وحياة تليق بالبشر، كل ذلك أفرز هذه المرحلة التي تحياها مجتمعات عديدة اليوم، التي وجد فيها المثقفون والشعوب أنفسهم، بين مطرقة المتطرفين وسندان الاستبداد والأنظمة البوليسية، والخيار الثالث بعيد المنال في هكذا اصطفافات.
 
الغريب في الأمر أيضا، سكوت المثقفين على الثقافة القبلية والعشائرية التي يتم ترويجها حاليا، وفي بعض المجتمعات يتم نشرها منذ زمن، لتكون البديل أو الخيار الثالث، أي الترويج للعودة إلى الأعراف وليس للقانون.
 
ترى، متى سيعيد المثقفون إعادة تشكيل كياناتهم وفق أفكار ومبادئ تليق ودور المثقف التنويري، ليكون رائداً وليس تابعاً،خلاقاً وليس مجتراً؟