السبت  23 تشرين الثاني 2024

قصيدة "للنشيد الطويل" لـ مي صايغ

2023-02-14 01:59:29 PM
قصيدة
مي الصايغ

الحدث الثقافي- أدب

مي الصايغ، أديبة وشاعرة ومناضلة وقيادية في منظمة التحرير الفلسطينية وناشطة من غزة، عرفت باهتمامها بالقضايا السياسية والاجتماعية والفكرية والدفاع عن قضايا المرأة الفلسطينية والعربية.

ولدت مي الصايغ في مدينة غزة عام 1941 لملاك الأراضي موسى الصايغ أحد كبار مصدري البرتقال الفلسطيني إلى أوروبا، وحين قام الإنجليز عام 1930 بالسماح لليهود بإنشاء مستعمرة "بيار تعبيا" في منطقة المجدل (عسقلان) قام موسى الصايغ ومجموعة من أصدقائه بإحراق المستوطنة، اعتقل على أثرها وحكم عليه بالإعدام فأضربت غزة بالكامل، ما شكل ضغطا كبيرا على حكومة الانتداب البريطاني التي اضطرت إلى الحكم عليهم بالبراءة وخروجهم، لكنه ما لبث أن فارق الحياة بعد أن أصيب بجلطة قلبية توفي على إثرها عام 1950.



درست الفلسفة وعلم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ودخلت معترك الحياة السياسية مبكرا، فانضمت عام 1966 لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في العاصمة الأردنية عمّان. وأصبحت عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1973.

وشاركت في تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وشغلت منصب الأمينة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ما بين عامي 1971 و1986، وأصبحت عضوا في المكتب الدائم للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي من عام 1975 وحتى عام 1982.

واصلت مي الانتساب إلى النقابات والاتحادات الفلسطينية فأصبحت عضوا في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ومثّلت دولة فلسطين في لجنة المرأة في الأمم المتحدة، ومثّلت المرأة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية.

وقادت الجهود النسائية الشعبية لدعم صمود الشعبين الفلسطيني واللبناني أثناء حصار بيروت عام 1982 من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ننشر لها قصيدة "للنشيد الطويل"

 

للنشيد الطويل الذي يفرغ الآن،

رجع كما النزف....لحناً فلحناً

ولكن وجه المدينة أصفر

والغيم يبرأ من لعنة الأرض.

...مر الزمان سريعاً...

وعما قليل سأنفضُ عني غبار الطريق

وأنزعُ مني رماد الكلام.

أسوي فساتين أمي التي علقتها

قُبيل الرحيل

فلا من معادٍ

أسوي الأسرة

أجمع عنها سهاد الليالي

وأحلامنا في حشايا الوسائد.

أحرقُ وجداً،

أمرق وعداً قديماً،

قُبيل انتشار الجيوش التي

سوف تغتال أسرارانا في الأزقة

إذ تحفظ الأمن للفاتحين..

 

***

أخبئ كيسا من الذكريات الحبيبة

كنا نزين فيها هواء البيوت

أهرب موجاً صغيراً

يحب المسافة بين المياه وبين الشطوط،

ولحنا قديماً

"بلاد الجدود عليك السلام"

لعل الذي كان يوماً لنا

لن يكون.

أهرب صورة (موسى) أبي عن جدار (اللوانٍ)

فما خدش الوقت لون الجسارة في بؤبؤ العين،

خلف حياد الزجاج

وما احتواها الزمان

وما اعترتها السنين

****

 

أصدق أن الزمان تفتت

أن الجدار الذي أسند الروح لا يعبأ الآن،

ان المواقد لا تتذكر خبز الصباح

إذا يعتليها الغياب

ولا تتذكر إنشاد أمي (هند)

لتشعل وجه النهار

ويصعد لحن النشيد دفيئاً إلى الله

في نكهة الشاي

أن المعاني تُغادرُ

أن راياتنا تخفقُ الآن للغاصبين

***

وعما قليل سيأتي زمانٌ

يُعري عن الحلم أشواقنا، زهرةً، زهرةً.

ويمنعُ شمس النهار بأن تستحم مساءً

على صفحة البحر

يمنعُ بدر السماء بأن يتسلل من فتحة الباب

يكسر فيناً غداً لا يجيء

***

وعما قليل يجف الكلام

وتيبسُ في قلبنا الذكريات

لننسى بأن (اتفاق السلام)

الوادع الأخير لتاريخنا نجمة نجمة

في مدار العصور.

وننسى بأنا نُغادر فردوسنا

منزلاً منزلاً

في احتفال المغنين بالرقص فوق القبور

وفق اليقين

****

أما كان حلوا بأن يسكن البحرُ فينا

ونفتح أبوابنا للرياح

ونأتي كما الغيم نحملُ فينا

وعوداً من الخير للقادمين؟؟

***

ولم يبق هذا السلامُ سلاحاً لنا،

كي نموت على جذعه واقفين.

فداء شعاع شفيف على شاطئ البحر

عن طلنا،

عن بنفسج صبح المدينة في آخر الصيف،

ذعر الهواء البليل

ارتعاش الزنابق تحت الرصاص،

نجوم تظلل أرواحنا في الهجوم

فهاذ انتحارُ الحضارة منذ ابن ماء السماء

آخر زهرة فل تُفتحُ عبر القرون.