تدوين- ناديا القطب
لربما يعتقد البعض منا أن منظمات الحفاظ على الحياة البرية وعلى المحميات هي منظمات تسعى حقيقةً إلى حماية الحياة البرية المهددة. خاصةً إذا ما تخيلت رحلات السفاري الأفريقية، والمنتجعات البرية، التي يتشارك الإنسان فيها الطبيعة إلى جانب الحيوان بهدوء وسلام. ولعل الأمر فيه شيء قليل من حسن النية بلا شك. غير أن المؤرخ الفرنسي غيوم بلانك يرى أبعد من ذلك، إذ يعتقد أن الظلال الاستعمارية ما تزال تلوح في الأفق في أفعال وأفكار وممارسات تلك المؤسسات. إذ لا يمكن للمرء أن يتصور بشراً يعانون، أو قبائل أزيحت ونقلت بعيداً لكي تظل بعيدةً عن عدسات الكاميرات، فلا تلتقطها عدسات السائحين أو الزائرين أو حتى عدسات التصوير التلفزيونية لقنوات كبرى من قبيل "ناشونال جيوغرافيك".
يقدم لنا بلانك في كتابه "اختراع الكولونيالية الخضراء"، الصادر عن دار نشر بولايتي والواقع في 180 صفحة، نقداً لاذعاً لجهود الحفاظ على الحياة البرية في إفريقيا تحديداً. فمن وجهة نظره غالبا ما يعني إنشاء المتنزهات الوطنية والمحميات الطبيعية حالةً من الإخلاء القسري للفقراء، وذلك بغية إعادة إنشاء نسخة غير ملوثة من الطبيعة الأفريقية والتي لم تكن موجودة أصلاً. إذ يقدم الكتاب نقداً جدياً للعديد من المؤسسات من بينها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، والصندوق العالمي للطبيعة، واليونسكو.
ويرى بلانك أن مسألة الحفاظ على الحياة البرية في إفريقيا هي أمر ذرائعي متجذر بعمق في الكليشيهات الاستعمارية ومثقل بها. فكما يرى فإن الإنتاج المعرفي الممتد على مدار 100 عام على شكل كتب ومجلات السفر والأفلام الوثائقية حول الطبيعة في إفريقيا، قد صورها على أنها آخر جنة للحياة البرية في العالم. وهذا الأمر كما يرى لبلانك ليس غير صحيح، ولكنه يسلط الضوء بتقديم حجة يناقش من خلالها تطور ممارسات الحفاظ على الطبيعة في إفريقيا منذ عام 1850 إلى اليوم على مستويين. الأول هو تاريخ إثيوبيا، وتاريخ منتزه سيمين الوطني على وجه الخصوص. ثانيًا، عبر مقارنة الوضع في إفريقيا بشكل عام.
وكي نفهم الادعاء الأساسي لبلانك، سنسير معه على التسلسل الزمني لبعض اللحظات التي اختارها التي تدعم ادعاءه بأن الاستعمار لم يختف أبدًا، وبدلاً من ذلك اكتسب الظل الأخضر.
كان الاستعمار والعنصرية صارخين في خمسينيات القرن التاسع عشر. إذ تسبب الأوروبيون في تدمير بيئي هائل من خلال أعمال الصيد أو إزالة الغابات وجرف التربة بغية التوسع التجاري. ولكن بدلاً من الاعتراف بأن الخدع الاستعمارية تسببت في تدهور الحياة البرية، قام المستعمرون بتوجيه اللوم إلى الأفارقة الريفيين. حتى العلماء خلصوا إلى أن السكان الأصليين لم يعرفوا كيف يديرون بيئتهم بشكل صحيح. كانت الحكومات الاستعمارية سعيدة للغاية بقبول هذا التفسير لتبرير الاستغلال المستمر. وكان ذلك هو السياق الذي تم فيه إنشاء المحميات، وبذلت محاولات لطرد المزارعين والرعاة المحليين، وتم تشجيع ذلك من خلال تجريم الأنشطة المعيشية اليومية مثل الزراعة أو تقطيع الحطب عن طريق فرض غرامات وعقوبات بالسجن.
مع مرور الوقت ، ظل الحفاظ على المفاهيم الاستعمارية لأفريقيا كجنة عدن هي القاعدة. وظل هذا الأمر صحيحًا عندما تحولت محميات الصيد في بداية القرن العشرين إلى حدائق وطنية. وظل هذا الأمر صحيحًا عندما تعاونت اليونسكو في 1960-1963 مع المشروع الأفريقي الخاص الذي سعى إلى وقف تدهور الحياة البرية، وكانت إثيوبيا واحدة من البلدان التي طلبت المساعدة، وخلصت ثلاث بعثات لليونسكو - كما فعلت مع العديد من البلدان الأفريقية الأخرى - إلى أن طبيعتها البكر تحت التهديد.
وظل هذا صحيحًا في الستينيات عندما نالت بعض الدول الأفريقية استقلالها. وجد العديد من اللاعبين السابقين وظائف جديدة كمستشارين أو خبراء دوليين، مما أدى إلى غرس جيل جديد من دعاة الحفاظ على البيئة الأفارقة بمفاهيم استعمارية عن الطبيعة. وقد تبنت الحكومات الأفريقية الحريصة على الاعتراف الدولي واستوعبت هذه الأفكار، ولكنها استخدمت أيضًا بذكاء المتنزهات الوطنية وعمليات الإخلاء المرتبطة بها كأداة في صراعات السلطة الداخلية، مثل سحق أي أشكال من أشكال التمرد.
وظل هذا الأمر صحيحًا في السبعينيات عندما وضعت اليونسكو قائمة التراث العالمي الجديدة تمامًا. كانت جبال سيمين الإثيوبية من بين المواقع الأولى التي تمت إضافتها، بشرط نقل الرعاة الزراعيين المحليين.
وظل الأمر صحيحًا في الثمانينيات عندما تغيرت الأطر الدولية، ودخلنا عصر التنمية المستدامة التي سارت جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على قوانين الاستعمار الأخضر سارية.