الأحد  22 كانون الأول 2024

الكاتب رأفت حمدونة: إنتاجات الأسرى نقلٌ للوقت من نطاق سيطرة السجان إلى نطاق سيطرة الأسير

2023-04-17 01:57:01 PM
الكاتب رأفت حمدونة: إنتاجات الأسرى نقلٌ للوقت من نطاق سيطرة السجان إلى نطاق سيطرة الأسير
رأفت حمدونة

تدوين- سوار عبد ربه

عرفت الحركة الأسيرة منذ بداياتها حصارا ثقافيا فرضته إدارة مصلحة السجون على الأسرى، مستخدمة لهذا الغرض كل الوسائل بما فيها غير القانونية والإنسانية، وشددت إجراءاتها في ملاحقة كل ما له علاقة بالكتابة والقراءة، بيد أن الأسرى الفلسطينيين كانوا دائمي البحث عن طرق لبلورة جو ثقافي أدبي، في حيز السجن، ولأجل هذا خاضوا معارك نضالية مرت بمراحل متعددة، استطاعوا من خلالها تحصيل بعض حقوقهم الإنسانية والقانونية، فانتقلوا من مرحلة الحرمان من امتلاك الأوراق والأقلام، إلى انتزاع قرارات تسمح بإدخال الكتب، والالتحاق بالجامعات. 

التقت "تدوين" بالكاتب والمختص في شؤون الأسرى رأفت حمدونة، وأجرت معه الحوار التالي: 

تدوين: ما هي المحطات النضالية التي خاضها الأسرى في سبيل تحصيل القرطاسية، والكتب اللازمة لإثراء ثقافتهم وكتاباتهم؟

حمدونة: مر تطور المشهد الثقافي والأدبي في السجون بالكثير من محطات النضال من أجل الحصول على الحقوق الأساسية والإنسانية التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ومن ضمن تلك القضايا الحصول على الأوراق والأقلام والكتب التي يجب أن يدرسها الأسرى من أجل تطوير ذواتهم في موضوع الكتابة.

لذلك في البداية كان الأسير ممنوعا من الحصول على الورقة والقلم وكذلك الكتاب والانتساب للجامعات والثانوية العامة، وكل تلك القضايا المتعلقة بأشكال التعليم والثقافة والمطالعة والكتابة، لكن مع تطور التنظيم والأطر التنظيمية والبدء بالخطوات النضالية سواء كانت تكتيكية أو استراتيجية سلمية أو عنيفة، بدءا من المراسلات لإدارة مصلحة السجون حتى الإضراب المفتوح عن الطعام، الذي أعتقد أنه الأصل في تحصيل الورقة والقلم لأن الأسرى منذ البدايات هربوا الأنبوب وكتبوا على أوراق اللبن وغير ذلك، وبعد ذلك تمت المطالبة بشكل رسمي بإدخال القرطاسيات والكتب، وارتقى عدد من الأسرى شهداء من أجل تلك القضايا.

تدوين: أي مرحلة من مراحل النضال شكلت ازدهارا على صعيد الكتابة والإنتاج الأدبي؟ 

حمدونة: الفترة الواقعة ما بين عامي 1980-1994، أسست الحركة الوطنية الأسيرة في هذه المرحلة واقعا اعتقاليا قويا، وتأكدت تلك المرحلة بالكثير من التضحيات التي راكمت ما قبلها من خطوات نضالية، ففي أعقاب إضراب 1980 الذي خاصه الأسرى في سجن نفحة لمدة 33 يوما متتاليا والذي انتهى باستشهاد علي الجعفري وراسم حلاوة وأنيس دولة، وتبعهم الأسير الشهيد إسحاق مراغة في عام 1983 على خلفية الإضراب نتيجة تراكم المرض بسبب إجباره على التغذية القسرية، كان هذا الإضراب علامة مضيئة في الظلام العميق الذي يغذيه العدو دائما بالمزيد من ممارسات القمع، واستطاع الأسرى في هذا الإضراب أن يحققوا إنجازا جديدا بإدخال أجهزة التلفاز والمذياع، والكتب وخاصة الأدبية منها، والتي كان لها الأثر الكبير في اهتمام الأسرى من حيث الاهتمام والكتابة والمطالعة الأدبية. 

كان هذا الإضراب علامة مضيئة في الظلام العميق الذي يغذيه العدو دائما بالمزيد من ممارسات القمع، واستطاع الأسرى في هذا الإضراب أن يحققوا إنجازا جديدا

تدوين: هل كل ما يكتبه الأسرى بهدف النشر ينشر، وما مصير ما لم ينشر؟

حمدونة: أعتقد أن ما لم ينشر من كتابات الأسرى أكثر بكثير مما نشر، ذلك لأن الكتابة داخل السجن صعبة، خاصة أن إدارة مصلحة السجون في كل اقتحام وتفتيش تحاول مصادرة كل ما يكتبه الأسرى، إذ يمكن أن يكتب الأسير كتابا أو رواية لمدة 6 أشهر وفي لحظة يمكن أن تتم مصادرتها.

ما ينجو من كتابات الأسرى عبر احتفاظ الأسير بكتاباته بطرق مختلفة وحتى بعد انتهاء الكتابة وتهريبها إلى خارج السجون عبر الزيارات أو عبر المحررين أو عبر الهواتف، أو غير ذلك من الوسائل، يأخذ هذا الأمر صعوبة وقد يعزل الأسير وقد يحرم أهالي الأسرى من الزيارات فيما لو تم ضبط أي حالة تهريب لتلك الكتابات، لذلك الكتابة والتهريب والصياغة، وغير ذلك كلها تأخذ الكثير من الجهد وقد يصل الأمر إلى العزل الانفرادي والعقاب وحرمان الأهالي من الزيارات لذلك يجب بعد هذه المرحلة الصعبة أو المراحل المتعددة لإخراج الكتابات إلى النور أن تحظى باهتمام كبير، لكن للأسف يتم الاهتمام ببعض كتابات الأسرى فقط، إلا أنه في المرحلة الأخيرة شاهدنا بأن هناك تطورا إيجابيا في هذا الأمر، وهنالك اهتمام جدي بكتابات الأسرى وعدد من الكتابات تم إشهارها وتحديدا في موضوع أدب الأسرى والروايات. لكن نحن نحتاج إلى تبني الباقي لأن ما نشر قليل وما لم ينشر كثير، وأتمنى على دور النشر ووزارة الثقافة واتحاد الكتاب وحتى المؤسسات الفاعلة في مجال الأسرى أن تتبنى هذه الأعمال التي خرجت وتم دفع الكثير مقابلها لأجل أن تجد النور. 

تدوين: ما هي الأجناس التي تندرج تحت مسمى أدب السجون؟  

حمدونة: أدب السجون في فلسطين هو أدب مقاومة، وهو جزء لا يتجزأ من الأدب العربي المعاصر في فلسطين، والأدب الوطني والقومي، والأدب العربي والعالمي الحديث، لما يحمل من مميزات وخصائص، وحس إنساني وعاطفي، ورقة مشاعر وأحاسيس ومصداقية، وقدرة على التعبير والتأثير، وهو كل ما كتبه الأسرى داخل الاعتقال وليس خارجه، بشرط أن يكون من أجناس الأدب كالرواية والقصة والشعر والنثر، والخاطرة والمسرحية والرسالة. 

تدوين: ما أبرز سمات هذا الأدب؟ 

حمدونة: يتميز أدب السجون بحيوية الانفعال، وصدق التجربة، كونه ينهل من مصدر المعاناة النابع من ثوار هانت عليهم أنفسهم فهبوا يحملونها على أكتافهم ليقدموها أضاحي في سبيل تحذير كرامة الوطن وأهله. ومن أهم سمات أدب السجون؛ العمق، إذ يمتاز بعمق التعبير في الدلالة والمضمون، وفي الربط بين الفكرة والأسلوب، كما يتميز بالرمزية، فغالبا ما يلجأ الكاتب إلى الرمز للتعبير عما يعتلج في حناياه، ويتميز أيضا بالتصوير الفني، والبلاغة، والاختزال، والعاطفة المتأججة، وسعة الخيال، والحزن المشوب بالتحدي، والثقافة الواسعة.  

تدوين: كيف بدت صورة الأسير والسجان في أدبيات الأسرى؟

حمدونة: واضح جدا أن كل ما كتب داخل السجون يتحدث عن التجارب النضالية والاعتقالية وعن انتهاكات إدارة مصلحة السجون وصمود الأسرى وتحديهم، لذلك هنالك شكل بارز لصورة الأسير وكذلك السجان في أدبيات الأسرى، حيث تحدث الأسرى في غالب رواياتهم عن صمود الأسير، الإضرابات، صموده داخل أقبية التحقيق، همجية السجان، التعذيب، ولذلك أعتقد بأن هناك صورتين واضحتين في أدبيات الأسرى عن الأسير والسجان، الأسير يتميز بالأدب والثقافة الإيجابية، في حين أن السجان دائما لغته عدائية، لذلك أدبيات الأسرى وضحت ثقافة السجان السلبية ووضحت ثقافة الأسير الإيجابية، هذا الأسير الصامد المثابر، وكذلك تحدثت أدبيات الأسرى عن نطاق سيطرة الأسير على الوقت الذي أشغله بالشكل الإيجابي والذي كان السجان يحاول بأن يكون هذا الوقت ضد الأسير لتدميره نفسيا وثقافيا ووطنيا وغير ذلك.

هناك صورتين واضحتين في أدبيات الأسرى عن الأسير والسجان، الأسير يتميز بالأدب والثقافة الإيجابية، في حين أن السجان دائما لغته عدائية

وأثناء الاعتقال ومواجهة السجان برزت ثقافتان متناقضان، هما ثقافة السجان التي تمثل حالة الحقد والكراهية وتحطيم القيمة الإنسانية وسياسية التجهيل والأمية والتشاؤم والتيئيس والإحباط، وزرع أجواء الحزن والقتامة والقيد التي تمثلت بأهداف إدارة السجون، مقابل ثقافة الإنسان المعتقل الهادفة للحرية وحق تقرير المصير. وهاتان الثقافتان انعكستا في أدبيات الأسرى.

تدوين: كيف ترى الاهتمام بهذا الأدب على مستوى القراء والباحثين؟

حمدونة: في الفترة الأخيرة هناك الكثير من الاهتمام بكل ما كتب داخل الاعتقال من خلال إشهارات الكتب، كما كتبت قراءات حول أدب الأسرى من باحثين وأدباء، واهتم اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في ما ينشروه، إلى جانب تخصيص محور له علاقة بأدب الأسرى في المؤتمرات الخاصة بهم. لذلك أعتقد أنه في الفترة الأخيرة كان هناك اهتمام ونحن نحتاج لتطوير هذا الاهتمام بما يخدم أدب الأسرى، لأنه أدب فلسطيني عربي وأدب مقاوم وأدب يستحق الاهتمام والكتابة عنه وقراءته. 

نبذة عن الضيف: 

رأفت حمدونة: أسير محرر أمضى في سجون الاحتلال 15 عاما، اعتقل عام 1990 وأفرج عنه عام 2005، حاصل على ماجستير في الشؤون الإسرائيلية ودكتوراه في العلوم السياسية، وعضو نقابة الصحفيين والمدربين واتحاد الكتاب الفلسطينيين، وهو باحث في قضايا الأسرى ومدير مركز الأسرى للدراسات.

ومن مؤلفاته: الجوانب الإبداعية للأسرى، والإدارة والتنظيم للأسرى، والجيش الاسرائيلي، ونجوم فوق الجبين، وصرخة من أعماق الذاكرة، ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة. كما كتب روايات أدبية وهي: عاشق من جنين، قلبي والمخيم، لن يموت الحلم، والشتات.