تدوين- ذاكرات/ أرشيفات
نشرت صحيفة فلسطين بتاريخ 11 أيار 1928، تقريرا بعنوان: "فلسطين لم تبلغ الرشد وقد بلغته سوريا والعراق وشرق الأردن".
وفيما يلي ما نشرته الصحيفة:
أما سوريا فلم تكد تفيق من الضربة التي أنزلها الافرنسيون بعرشها العربي، وحكومتها العربية، حتى هبت من جديد تناضب وتكافح بالطرق السلمية، فلما ضيق الافرنسيون هذه الطرق بضغطهم المتواصل على الحركة الوطنية، سلك السوريون السبل التي أرغمت الافرنسيين على الاصغاء للمطالب، والتنازل عن بعض الحقوق.
وأما العراق فكانت حوادثه في سنة 1919 باعثة للانكليز على أن يمثلوا فوق مسرحه الدور الذي أخفق الافرنسيون في تمثيله على المسرح السوري، وما هي الى عشية أو ضحاها حتى كان للعراق ملك، وحتى كانت العراق مملكة دستورية تربطها بالانكليز معاهدة!
وسر الإنكليز لنجاحهم في هذا الدور فأعادوا تمثيله فوق مسرح شرق الأردن، غير أن السياسة الإنكليزية أخطأت خطأً كبيرا بشروعها في تمثيل هذا الدور نفسه على المسرح المصري، فإن فشلها في تمثيله هذه المرة قد أزاح الغشاء عن أعين أهالي العراق وشرق الأردن وجعلهم يتجاهلون الانتداب البريطاني عليهم ويطمحون إلى ما تطمح إليه مصر نفسها من استقلال تام.
السياسة الإنكليزية أخطأت خطأً كبيرا بشروعها في تمثيل هذا الدور نفسه على المسرح المصري
وقد يكون هذا هو السر الحقيقي في احجام الإنكليز عن تمثيل هذا الدور مرة أخرى فوق المسرح الفلسطيني بعد أن كانوا على استعداد لتمثيله منذ خمس سنين، فإنهم لا يأمنون الآن أن تقابلهم فلسطين بمثل ما قابلتهم به العراق وشرق الأردن، ويؤيد هذا الظن بعض التأييد أن المستر ايمري وزير المستعمرات لم يعلن إرجاء منح فلسطين مجلسها النيابي إلا بعد اعلان المعاهدة الأردنية وبعد أن وقف على ما أحدثته من أثر في تلك البلاد.
وقد تكون السياسة الإنكليزية قد أخفت هذا السر عن اليهود وأوهمتهم أن في المجلس النيابي خطرا عليهم وعلى مصالحهم، وجعلتهم يرضون بالبقاء تحت الحكم المباشر رغم تغنيهم بالديموقراطية، ورغم أنهم كانوا راضين تمام الرضاء عن هذا المجلس، ورغم سعيهم المتواصل لنيله من أيام السير هربرت صموئيل إلى أمس القريب، غير أن إبقاء فلسطين على ما هي عليه الآن يغضب العرب الفلسطينيين ويجعلهم يظنون الظنون بعهود إنكلترا ووعودها بل وبمقررات جمعية الأمم أيضا كما تقول "النيرإيست" في مقالها عن فلسطين المنشورة خلاصته في مكان آخر من هذا العدد.
السياسة الإنكليزية قد أخفت هذا السر عن اليهود وأوهمتهم أن في المجلس النيابي خطرا عليهم وعلى مصالحهم، وجعلتهم يرضون بالبقاء تحت الحكم المباشر
ويجب أن لا يكون هناك شك في أننا نغبط سوريا والعراق حتى وشرق الأردن على ما نالوه وإن كان شأن الأخيرة فيه حقيرا. وسكوتنا عن نيل ما نالوه أو أكثر منه لا يجوز أن يفسر برضائنا عن الحال الحاضرة، كما لا يجوز أن تخطئ السياسة الإنكليزية فتظن أن فلسطين كالصومال!!!
ومن الخطل أن يتغافل الإنكليز عن الحقيقة الناصعة وهي أن فلسطين لا تقل عن الأقطار الأخرى الواقعة تحت الانتداب (حرف A ) رقيا ومدنية وطموحا الى الحياة الحرة، ومن واجبهم أن يتذكروا ما كان لفلسطين من نهضة كادت تضارع النهضة المصرية نفسها، وأن يعلموا أن جمودنا الحالي الذي سببه المجلسيون بايعازهم، لا يمكن أن يلبث طويلا.