تدوين-تغطيات
قدم المؤرخ والباحث المصري خالد فهمي قراءة حول الجدل الذي أحدثه مسلسل كليوباترا، الذي أنتجته منصة نيتفلكس مؤخرا، وصورت بطلته على أنها صاحبة بشرة سوداء، الأمر الذي أثار غضب المصريين وأقلقهم ظنا منهم أن المنصة والقائمين عليها وداعميها يعملون على سرقة التاريخ المصري القديم.
وفي حوارية أدارها الصحفي المصري حسام السكري عبر صالون السكري، تطرق المؤرخ خالد فهمي إلى مسائل أبعد من لون البشرة الذي أحدث قلقا في المجتمع المصري، إذ اعتبر أن هذا القلق نابع من العجز عن مجابهة رواية منصة الأفلام، بسبب عوامل كثيرة لخصها بعدم الإلمام بالتاريخ المصري القديم الكبير، وتعامل الدولة العاجز في هذا الجانب.
عجز على دحض رواية نيتفلكس
وقال فهمي إن هذا القلق نابع من العجز الذي يضعنا فيه النظام الحاكم، الذي يحجب عنا القراءة، والقدرة على إنتاج فيلم يدحض فيلم نيتفلكس، وهذا يجب أن يتحمل مسؤوليته المثقفين والمفكرين والفنانين والمجتمع.
كما أشار إلى أن دفاع المصريين عن كليوباترا لأنها مصرية نابع من الجهل بتاريخ تلك الحقبة، بسبب عدم امتلاك المجتمع للمعلومات الكافية، إذ أن المخيلة الجماعية فيها فجوات كبيرة في تاريخ مصر الكبير.
وأرجع فهمي هذا الجهل بالتاريخ إلى المناهج الدراسة التي تخلو من ذكر نحو 1000 عام من الحضارات التي تعاقبت على مصر، ما أحدث خللا في عدم إدراك طبيعة الدولة البطلمية، كليوباترا واختزالها في لون بشرتها.
كما أشار فهمي إلى أن ما يحصل في مصر الآن من جدل، أخطر بكثير مما فعلته منصة الأفلام، ذلك لأن الناس التي تخشى على بلدها من السرقة، يجب أن تخشى من الناس التي تتصنع أنها تحميها، وفي الوقت نفسه تغلق المجال العام في ظل أزمة كهذه أحدثها مسلسل.
والبطالمة وفقا لفهمي هي فئة مستعمرة وليسوا مصريين من أولاد البلد، وهم سلاسة بطليموس الأول، قائد من قوات الاسكندر وكان من أخلص أعوانه وأقربهم له، حارب معه في كل حروبه التي خاضها والتي عملت على توسيع إمبراطوريته وامتدادها إلى الهند.
وبطليموس، أسس دولة في مصرة سلالتها الحاكمة ترجع إلى مقدونيا شمال اليونان، ما يعني أن هذه السلالة مقدونية وثقافتها يونانية.
العرق والهوية
وتطرق المؤرخ إلى مفهومي العرق والهوية، إذ رأى في الأخيرة موضوع سياسي وشائك، ذلك لأنها ليست شيء بيولوجي أو طبيعي، إنما ثقافي وتاريخي، أي أنها عرضة للتغيير عبر الزمن، فالهوية نتاج تاريخي يتغير عبر الزمن، ولا يوجد هوية ثابتة.
كما أن الأعراق وفقا لفهمي، تمتزج من خلال التزاوج والتناسل، والهوية كذلك، فالهوية المصرية ذات التاريخ الطويل توافد عليها أناس كثر، بسبب مكان الدولة الجغرافي، الذي جعلها ملتقى لمؤثرات ثقافية وتجارية وفكرية ودينية وفنية دخلت عليها.
وأشار فهمي إلى أن افتراض المصريين أن هويتهم نقية وجرى المحافظة عليها عبر القرون الطويلة، يحكم عليها بالفناء، فالهوية المصرية فيها رافد فارسي، يوناني، عربي، بيزنطي، من حيث العوامل التي شكلت تاريخها، لأنها احتلت من قبل حضارات متعاقبة.
الأفرو سنتريك
وفي جانب الأفرو سنتريك، وهي حركة موجودة في الأوساط الأكاديمية منذ نحو 40 عاما، قال فهمي إن هذه الحركة تتشابه بعملها مع ما قام به المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في جانب الاستشراق في دحضه ونقده للنظرة أوروبية المركز لأوروبا نفسها، التي ترى أن الأصل في الكون والتاريخ هو أوروبا وأن كل ما هو غير أوروبي في غرفة انتظار، وشعوب لم تدخل التاريخ ولا تمتلكه وليست فاعلة.
إذ قام سعيد بأخذ هذه المقولات الأوروبية وقال إن الكلام عن الشرق إنتاج فكري غربي لا يمت للشرق الحقيقي بصلة، وبهذا المعنى قالت حركة الأفروسنتريك إن التاريخ الذي يتعلمه السود الأمريكان عن أنفسهم تاريخ أبيض، يبدو فيه الرجل الأسود غير مساوٍ للرجل الأبيض وأنه غير فاعل إنما مفعول به، وتاريخه يبدأ منذ لحظة الاستعباد في أمريكا.
وبحسب المؤرخ، من هنا جاءت فكرة إعادة كتابة سرديات جديدة تعطي للسود الأمريكيين احترامهم لذاتهم، ما جعلهم يحتفون بتاريخ مصر القديمة وحضارتها على أنها حضارة أفريقية، ذلك لأن السود الأمريكان أصلهم أفريقي، وتاريخ أفريقيا هو تاريخ الاستعمار.
وبهذا المعنى خلص فهمي إلى أن تصوير كليوبترا على أنها صاحبة بشرة سوداء ليس سرقة للتاريخ، إنما المشكلة في المسلسل تكمن بمشاكل أكاديمية أساسها اختزال الحضارة الأفريقية في حضارة واحدة.
لمشاهدة الحوارية كاملة عبر الرابط التالي: