تدوين- تغطيات
ضمن فعاليات ملتقى فلسطين للرواية العربية السادسة، عقد في مكتبة سراج في بلدة بيرزيت شمال مدينة رام الله ندوة بعنوان "الرواية الفلسطينية: موضوعات الكتابة الجديدة" سيّرها الباحث والمساعد الأكاديمي حسني مليطات.
سلطت الندوة الضوء على النتاج الروائي الفلسطيني المتضمن لموضوعات سرديه جديده ممثله للواقع الفلسطيني السياسي والثقافي والاجتماعي وبتوظيف تقنيات وأساليب متفاوتة متنوعة في شكلها وللاطلاع على البنى السردية الجديدة في الرواية الفلسطينية المعاصرة هدفا هدف محوري لهذا الملتقى، وفقا لمليطات.
وهدفت إلى التعرف من خلال كتّاب شباب إلى الموضوعات الجديدة المتخيلة والتي وظفوها لتصوير الحالة الفلسطينية.
وبحسب الباحث؛ الظاهر في أعمال الكتاب اللجوء إلى طرح قضايا تختلف عن التي قرأناها ونقرأها في روايات فلسطينية أخرى؛ فهنا نجد رواية تقتحم حياة العائلة الفلسطينية وتسرد بعمق، السردية الذكورية والأنثوية، كما نجد أيضا كاتبا يبني عالمه الروائي؛ مستندا إلى التراث العالمي القديم، فيسرد على لسان الحيوانات الواقع الفلسطيني، والأزمة السياسية الداخلية التي عاشها الفلسطينيون، وهناك من يقرأ الواقع الفلسطيني بلغة وصفية باذخة، يبحث من خلال المؤسسات الروائية عن جماليات المدينة القديمة؛ ليرسخ من خلال الآخر هويته الثقافية، وهناك من اتكأ على التاريخ ووظف تقنية التخيّل التاريخي؛ ليصف الواقع بتجربة جديدة؛ للبحث عن المعنى الوجودي للذات، وهناك أيضا من جعل من مريم شخصية انعكاسية لبناء معماري سردي لرواية كاملة.
وشارك في الندوة كل من الكاتبة والصحفية صباح بشير، والروائي عامر سلطان، والروائية نعمة حسن، والكاتبة شذى يونس.
قدمت الكاتبة صباح بشير في مداخلتها ورقة بحثية تتبعت فيها ميزة الأدب عن غيره من الفنون الإبداعية وعلاقته بالعلوم الأخرى، بالتركيز على الرواية بشكل عام والرواية الفلسطينية بشكل خاص، معرجة على المشاكل التي يعانيها الكتّاب الجدد، وكذلك الامتيازات التي يحظون بها.
وقالت بشير في مداخلتها "إن الأدب يعد من أكثر الفنون ثراء؛ فهو يحمل إرث المجتمع، وهو مرآة لكل زمان ومكان، فضاء رحب يحفظ اللغة من الاندثار ويحافظ على الفكر وكل ما أنتجه الفكر الإنساني".
إن الأدب يعد من أكثر الفنون ثراء؛ فهو يحمل إرث المجتمع، وهو مرآة لكل زمان ومكان، فضاء رحب يحفظ اللغة من الاندثار ويحافظ على الفكر وكل ما أنتجه الفكر الإنساني
وأشارت الكاتبة إلى العلاقة الخاصة بين الأدب والتاريخ والعلوم الإنسانية كافة، معتبرة أنه رغم الطابع التخيلي للأدب إلى أنه يفرض الواقع والتاريخ ويوثقهما ويوظفهما في صياغة الأفكار والمعاني.
كما أشارت إلى العلاقة الأزلية المتداخلة بين التاريخ والرواية، فهما يعتمدان على ذات العناصر؛ كالسمة القصصية والإنسان والزمان والمكان، وكل رواية تقوم على بنية زمنية وفضاء مكاني، تمتد من الماضي إلى الحاضر أو المستقبل.
أما عن خصائص الأدب المحلي قالت بشير إنه مرتبط بالقضية الوطنية فيستحضر الشهداء وأدب المعتقلات وتعرض صورة الآخر وصورة القدس والهوية، وغيرها من المواضيع الهامة كالمرأة والمجتمع، تتراكم كل هذه العناصر في أدبنا لتشكل مسيرة الرواية الأدبية التي ترسخ الرؤية الفلسطينية.
وعرجت الكاتبة على عوامل تطور الأدب الاجتماعية والسياسية التي قررت اتجاهاته وأغراضه وأساليبه، كما أنه متأثر بالواقع ومؤثر به لذا؛ فهو يشكل صورة للواقع بأبعاده النفسية والفكرية والمادية.
كما أشارت إلى مميزات كل جيل من الأدباء عن الجيل الذي سبقه، من حيق رؤيته إلى الحياة وقضايا المجتمع، ما انعكس على الرواية التي تطورت بتقنيات تقنيات فنية حداثية.
وترى بشير أن الشباب أعادوا الرواية إلى مركزتيها النضالية، تلك التي أخذت تتغذى من الأحداث الراهنة، ليغدو الكاتب الشاب قائدا لهذه المرحلة في مشاربها الفكرية، يعمل على تحريك المشهد الروائي ويساهم في زيادة الإنتاج وتنوعه. فهو اليوم أكثر وعيا بتاريخه القديم والحديث.
ووفقا للكاتبة ما ساعد الأديب الشاب على الإنتاج، وفرة الدراسات التاريخية، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وما توفره لهم من مساحة للاطلاع والنشر والتفاعل مع الأدباء والقراء وتسويق إبداعاتهم؛ مما يؤثر على ملامح حضورهم الاجتماعي وطاقتهم الحيوية.
أما عما يعانيه المشهد الأدبي الفلسطيني الحديث من صعوبات، أوضحت الكاتبة أنها تتلخص في ضغوط الحياة التي تتحكم فيها الظروف المحيطة والأجواء السياسية العامة، ما تجعل الكاتب غير متفرغ للكاتبة والعمل الإبداعي، وكذلك مشكلة النشر وتجار الكتابة الذين يطبعون الكتب تحت مسمى دور النشر، مقابل مبالغ مالية تضمن لهم الربح وتغطي نفقات الطباعة والنشر، وذلك دون الاهتمام بتحرير الكتب أو اختيار الورق والغلاف المناسبين، لتخرج الكثير من الروايات إلى رفوف المكتبات بغلاف غير مناسب وورق رخيص، وتكاد تعج بالأخطاء المطبعية أحيانا.
بالإضافة إلى مشكلة عزوف الناس عن القراءة وذلك لعدة أسباب، منها ما هو تروبي، ومنها أيضا ما يتعلق بطريقة التعليم التي تنتهج غالبا أسلوب الحفظ والتلقين، دون إشراك الطالب وتعويده على البحث والقراءة والاطلاع.
بدوره، قدم الروائي عامر سلطان، قال فيها إن الكاتب الروائي ابن بيئته، يحصد أفكار الرواية مما يعيشه ويعاينه من محيطه ومن قضايا شعبه ونحن الفلسطينيين نعيش قضية القضايا لتبقى قضية الاحتلال وتحرر شعبنا هي أهم ما يقترب منه الكاتب لرواياته من أفكار، كون الرواية إحدى أدوات مقاومة الاحتلال والحفاظ على الهوية، وردم الرواية المضادة.
الكاتب الروائي ابن بيئته، يحصد أفكار الرواية مما يعيشه ويعاينه من محيطه ومن قضايا شعبه
كما أن الكاتب الفلسطيني العربي، وفقا لسلطان، غير منفصل عن القضايا العربية كونه جزء منها، يتأثر بما يتأثر به أي جزء من الوطن الكبير، نرى ذلك في الأحداث التي تعم عامة الشرق وانعكاسها في المشهد الروائي بالفترة التي وقعت فيها، وأوضح مثال على ذلك ما سمي بالربيع العربي، وقبله اجتياح العراق.
وفي روايته "زمن القناطر" انعكس هذا التأثر بالمحيط الذي عاشه الكاتب، ظهر ذلك فيما نقله من تفاصيل عن الحياة الاجتماعية والسياسية ومدى الارتباط بالمدينة التي نشأ فيها.
وحول هذا قال الكاتب، أنه كتب ليفرغ ما يحتزنه من مشاعر وحنين لمدينته كي يعكسها في سرد أحداث حاضرة وتاريخية تعود لأكثر من مئة عام في أزقة البلدة القديمة فيها؛ وليجعل القارئ يعيشها بإحساس شخوصها الحقيقيين والمتخيلين، وليحارب من خلالها رواية الاحتلال في وعي القارئ من خلال نقد رواياته حول هذه المدينة التي تتعرض لأبشع أنواع الاحتلال والتهويد والتزوير".
أما فيما يتعلق بارتباطه وتأثره في القضايا العربية، قال سلطان: "كانت الصور الواردة عن مأساة ما سمي الربيع العربي، ومعاناة شعوبنا العربية جراءها وصور الجثث اللاجئين على شطآن الغرباء حافزا لي لأكتب ثلاثية يزيد مجموع صفحاتها عن 800 صفحة، بدأت بوادي الغيم (2020)، ثم ظلال عاشقة (2021)، ثم نبوءة الصحراء التي ستصدر قريبا عن دار طباق.
هذه الروايات ذات الأمكنة المتعددة في سوريا وإسبانيا وشمال أفريقيا فيها أيضا بعد تاريخي في كافة فصولها في القدس والشام والأندلس يسير بالتوازي مع الأحداث الحاضرة لأبطال الرواية، وفقا لكاتبها.
وتركز رواية وادي الغيم على بناء الشخصية العربية وترميمها في حين تركز ظلال عاشقة على الفكر وتصويبه، من خلال استحضار نموذج تاريخي، أما الجزء الأخير من الثلاثية، فقد تناول تصورا للخلاص ونموذجا للقائد العربي الجامع الذي تطوق إليه الناس.
وتحدثت الروائية نعمة حسن من قطاع غزة، عن بداياتها في الكتابة، التي انطلقت فيها من المخيم، معتبرة أن هذه مسؤوليتها ككتابة كي تنقل هذا العالم الذي لا يعرف تفاصيله الكثيرين.
كما تحدثت عن إسهاماتها في الكتابة عن المرأة الفلسطينية التي يراها العالم أنها مناضلة ومجاهدة وصابرة، متناسيين الجانب الآخر، الذي يعتبر مهمشا ومنسيا، ولم يراه أحد، بما فيهم النساء اللواتي لم يعترفن به بعد، وهو جانب الإحساس والعاطفة، الذي يتجاهله المجتمع الداخلي والخارجي.
وأوضحت حسن أنها تصر على كتابة هذه المشاعر؛ لأن المرأة الفلسطينية تستطيع أن تحب وتعشق، وتتكلم عن القبلة والعناق أيضا، لكنها تتجرد من مشاعرها كونها امرأة فلسطينية.
المرأة الفلسطينية تستطيع أن تحب وتعشق، وتتكلم عن القبلة والعناق أيضا، لكنها تتجرد من مشاعرها كونها امرأة فلسطينية
وعن رواياتها قالت الكاتبة إنها في روايتها الأولى تطرقت إلى قضية الأنفاق بعد الانقسام وأثرها على المجتمع الفلسطيني وعلى المرأة الفلسطينية بشكل خاص، أما في روايتها الثانية، تحدثت عن الموت الذي يعيشه الفلسطيني يوميا، والمفروض عليه بكافة أشكاله، محاولة إعطاء معنى آخر للموت الذي يوجد له مسميات كثير يتغاضى الناس عنها.
وأخيرا، تحدثت الكاتبة والروائية شذى يونس عن تجربتها الأدبية التي بدأتها في عمر الثمانية عشر، متأثرة بأفلام الكرتون والأدب العالمي، لتتبعها رواية أخرى وهي في سن ال 22، بعنوان "يقظة حالمات".
أما عن روايتها الثالثة والأخيرة، قالت يونس إن ما دفعني لكتابة روايتي الثالثة كان رؤيتي لسيدة تعمل في ملهى ليلي، وعندما ذهبت إلى منزلها وجدتها تصلي، وهذا الدافع الذي جعلني أنطلق لكتابة هذه الرواية، لمعرفة ما الذي تتعرض له اللاجئات في الأردن، وتجعلهن يسرن في هذا الطريق".
كما تطرقت الكاتبة فيها إلى الآثار السلبية التي ترتبت عليها السياسة والتهجير، وانتشار البطالة، والعنصرية الاجتماعية داخل المجتمعات التي تعرضت للجوء السياسي، وكيف أن جزء من الشعوب الأصلية يتعاطف مع اللاجئين في حين أن جزء آخر ينبذهم.
لمتابعة الندوة كاملة
لمزيد من الصور