الجمعة  11 تشرين الأول 2024

في دولاب السياسة

2023-07-17 12:32:45 PM
في دولاب السياسة

تدوين- ذاكرات

نشرت مجلة الذخيرة في عددها الأول الصادر في 6 تشرين أول من العام 1946، مقالة للكاتب محمد زهدي النشاشيبي، بعنوان "في دولاب السياسة".

وفي يلي نص المقال: 

تتبع معي أيها القارئ تطور السياسة الصهيونية منذ كان خطر الحرب على الأبواب وأصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض.
اتفقت الهيئات اليهودية على اختلاف نزعاتها على محاربة الكتاب الأبيض وتزعم بن غوريون الحملة، وعهد إليه مع الدكتور سنيه (مدير الأمن العام في الوكالة اليهودية)، توجيه تلك السياسة، والتهديد بها كما تقتضيه الظروف>

وشاء بن غوريون في بداية الحرب مهادنة السياسة البريطانية، ثم ولد مشروع بلتيمور، وتبنته معظم الهيئات الصهيونية، وأخذ بعدها بن غوريون يعد جو الإرهاب بخطبه المعادية للسياسة البريطانية والكتاب الأبيض في أحلك أيام الحرب، وأخذ بن غوريون يتزعم سياسة التطرف، ويدعو إلى استعمال الشدة، وبدأت أعمال الإرهاب على نطاق ضيق، وخشيت الحكومة البريطانية أن يسوء الموقف، فطلبت إلى وايزمن أن يستعمل نفوذه فيطلب إلى الدكتور سنيه أن يكف عن الأخذ بسياسة الإرهاب، فطار وايزمن إلى القدس واجتمع بالوكالة اليهودية، وكانت المعركة الانتخابية لمجلس المختارين اليهود (الذى هو بمثابة برلمان الطائفة اليهودية)، وطلب إلى بن غوريون منافسه الأول أن يدعو إلى الهدوء والسكينة، وادعى إذ ذاك وايزمن أن في جعبته حلا للمشكلة الفلسطينية ولمح إلى اجتماعه بالمستر تشرشل.

وكادت الهدنة أن تتم، وانتهت الانتخابات سنة 1944، وفاز حزب ماباي الذي يتزعمه بن غوريون بأغلبية في المجلس جعلته يفرض السياسة التي يشاؤها .

وفى جلسات المجلس الأولى أخذ النزاع السياسي يظهر بين حزب الأغلبية وأحزاب المعارضة الأقلية. ثم توالت الحوادث وزادت حركة الإرهاب نشاطاً في فلسطين إلى أن ضاقت به الحكومة ذرعاً فاقتحمت دار الوكالة اليهودية وأخذت في تفتيش المستعمرات فهل كانت تستهدف القضاء على الإرهاب؟ لا أقول لا، لأنها كانت تستهدف الضغط على المتطرفين من اليهود فقط. ثم نشرت الوثائق التي تثبت صلة الوكالة اليهودية بالإرهاب، وأرادت بذلك أن تقوى مركز أحزاب المعارضة، وهم الاشتراكيون والصهيونيون العموميون (أنصار وايزمن)، وعليا خاداشاه، فأخذت صحفها تحمل على زعامة بن غوريون، وسياسة الحزب الواحد التي يتبعها.
وارتاحت الحكومة البريطانية نوعاً ما إلى ذلك، ثم كان حادث فندق الملك داود وما أحرانا بالصمت إجلالا الضحايا إذا ذكر فندق الملك داود! وحملت الحكومة حملة اخرى على الزعامة المتطرفة في الأوساط اليهودية فهل كانت الحكومة تستهدف في هذه المرة القضاء على الارهاب اليهودي؟ لا أقول لا لأنها كانت تستهدف من وراء الحملات التي تقوم بها أن يضيق اليهود ذرعاً بالإرهاب وبالقائمين به فيضطروا إلى قبول زعامة وايزمن، والمشاريع التي يتفق مع الحكومة البريطانية عليها. وكانت الحكومة البريطانية تقوم بعمل مزدوج في آن واحد في آن واحد، تضغط على وتفاوض الطائفة اليهودية هنا، الدكتور وايزمن في لندن، كما أرادت أن تشرك معتدلين آخرين من اليهود فحضر جولدمان من أميركا، ثم وضع مشروع كأساس للبحث بين الحكومة البريطانية والدكتور وايزمن وأرسل هذا بدوره البروفسور برودتسكي من زعماء الصهيونية في بريطانيا، لجس نبض بن غوريون في باريس، والعودة بخفي حنين، لأن الحكومة البريطانية أصرت على ألا تدعو بن غوريون إلى مؤتمر لندن. وتوالت الاجتماعات والمحادثات بين وايزمن وغولدمان ووزير المستعمرات ولم تسفر عن نتيجة بعد. ويحاول وايزمن أن يوفق بين زعامته ورغبات شعبه فالحكومة البريطانية تشعر أن واجبها يقضي عليها بمقاومة الإرهاب، والضغط على اليهود إلى الحد الذى يضطرهم إلى الخضوع لزعامة وايزمن والقبول بمشاريعه ولم يكن استتباب الأمن وحماية الأرواح نبراساً لها في القضاء على الارهاب .