تدوين- إصدارات
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وضمن سلسلة "ذاكرة فلسطين"، كتاب "شيءٌ عابر... نابلس تحت الاحتلال (حزيران/ يونيو 1967 - آذار/ مارس 1969): مذكرات ووثائق حمدي طاهر كنعان" للباحث بلال محمد شلش.
يتألف من قسمين يتضمنان ستة فصول، وببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
ولد حمدي طاهر كنعان في مدينة نابلس في عام 1910، وتلقّى تعليمه الأساسي والثانوي في مدرستي النجاح الوطنية ومدرسة البرج في نابلس. انخرط في العمل الوطني ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين إبّان المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1937، كما اعتقلته السلطات البريطانية في معتقل صرفند خلال عام 1936 لمدّة قصيرة. انصرف إلى سوق العمل بعد تخرجه من الثانوية لأسباب اقتصادية إثر وفاة والده. شغل عضوية لجنة الدفاع في مدينة نابلس إبّان حرب 1947-1949. شارك في مؤتمر نابلس الذي انعقد في 27/12/1948، وكان عضوا في وفد مدينة نابلس إلى الملك عبد الله بن الحسين، الذي حمل له مقرّرات المؤتمر بخصوص الوحدة بين الضفتين.
انتُخب لعضوية أول غرفة تجارة وصناعة في مدينة نابلس في عام 1953، ثم أصبح أمينًا لسرِّها، وأعيد انتخابه فيها عام 1957 لفترة ثانية وشغل أمانة سرها، ولفترة ثالثة عام 1961 وتولى منصب نائب رئيسها.
شغل مقعد عضوية في مجلس بلدية نابلس منذ عام 1950 ونائبا لرئيس المجلس إلى غاية عام 1963، ليصبح رئيسًا للبلدية في 19/10/1963 بعد أن حصد أعلى الأصوات في الانتخابات التي جرت في العام نفسه. نفّذ سلسلة من المشاريع العمرانية الكبرى في رئاسته. برز بعد حرب حزيران/يونيو 1967 كأحد القيادات المحلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أسهم في تنظيم وإدارة مدينته بعد الحرب، معززًا صمود أهلها ومسهمًا في عودة عدد من المهجرين، خصوصًا مهجري قلقيلية. اختلف والحكومة الأردنية على إدارة ملف الإعانات لمدن وبلديات الأرض المحتلة، وانتهى الخلاف إلى استقالته نهائيًا في آذار/مارس 1969. توفي في مدينة نابلس في 3/1981، ودفن فيها.
وقد سجّل تجربته في التعامل مع تحديات الأشهر الأولى من الاحتلال لفيف مبارك من أصدقائه المقربين؛ منهم يحيى عودة، وأمين سر البلدية، والطبيب عدلي الدلال، الذين كتبوا مذكرات خطيّة أفادت شلش كثيرًا في تحرير فصول الكتاب.
مع احتلال القوات الإسرائيلية الضفة الغربية، ثم وصولها إلى نابلس، استمر مجلس المدينة البلدي في العمل، فقد كان على رأسه وفي عضويته أناس صقلتهم نكبةُ 1948 وعلّمتهم دروسًا في مخاطر الهجرة والتهجير، وذلك على الرغم من قيام القوات الغازية بتصفية دائرة المُحافظ والاستيلاء من ملفاتها على معلومات عن أهالي نابلس وشبابها وناشطيها، ومن ثم كانت البلدية المرجعية الفلسطينية الوحيدة أمام الاحتلال. كان الامتحان العسير الأول لكنعان ومعاونيه حينما بدأت قوات الاحتلال تهجير سكان قلقيلية والقرى الحدودية بالآلاف، وحينما تدفّق هؤلاء إلى نابلس واحتلوا الشوارع والساحات العامة والمدارس والمساجد، تمهيدًا لاستئناف الهجرة إلى شرق نهر الأردن؛ فما كان من كنعان إلا أن هبَّ لمنع هؤلاء من الهجرة لأي سبب، وعمل على إعادتهم إلى مدنهم وقراهم، ولم يتردد في أن يحول دون هجرتهم في حرّ الصيف، ومنع أي مغادرة غير مبررة، وإرسال دوريات إلى منطقة الغور لضبط المتسربين، فنجح في إعادة كثيرين ممن حاولوا النزوح، وتزامن عمله هذا مع الاتصال بقناصل الولايات المتحدة والدول الكبرى في القدس لاستثارة ضغط دولي لإعادة المهجّرين.
فصول الكتاب
ينحو كنعان في الفصل الأول إلى إبداء الشعور بتقصيره ومعاصريه في تدوين أحداث الأوقات العصيبة، مثل ثورة 1938 التي عاش أحداثها ساعة إثر ساعة، بسبب أنه كان "يعيش ليومه" من دون الاحتياط لما يأتي في غده، وهو تقصير استمر مع أحداث حزيران/ يونيو 1967، وكاد يستمر لولا أنه تدارك الأمر في أشد أيام المحنة، فبدأ تدوين يومياتها حالما قدّم استقالته من رئاسة بلدية نابلس، مستعينًا بسكرتير البلدية يحيى عودة في الحصول على التواريخ من مستندات وقصاصات صحف كان كلّفه بالاحتفاظ بها، ومن تسجيلات أحاديثه الصحافية مع المراسلين الأجانب.
وخُصص الفصل الثاني لعرض خمس وثلاثين وثيقة من أوراق كنعان التي تناولت الفترة بين الاحتلال والاستقالة، وهي عبارة عن مراسلات ومذكرات ومحاضر تتناول وحدة المملكة الأردنية الهاشمية بضفتيها، ورفض التعاون مع العدو، والوضع الاقتصادي لنابلس، ومشاركة النابلسيين أهاليَ القدس رفْضَ ضم مدينتهم واستملاك أراضٍ فيها، ورفض إلحاق الضفة بـ "إسرائيل"، ورفض الأمر العسكري 58 والقانون 19 الإسرائيليين بشأن الأموال المتروكة في نابلس، والبطالة بين العمال الفلسطينيين، ووقف إضراب المدارس، ومحضر اجتماع كنعان - ساسون في مبنى محافظة القدس، واستنكار اعتقال الفتيات في القدس، ومقابلة كنعان ممثلي البرلمان الهندي، ومقابلة كنعان مع صحيفة "القدس"، والاعتراض على إبعاد معلمين ومعلمات نابلسيين ومن الضفة، ومنشور التلهوني ضد كنعان في صحيفة "الدفاع"، ومحضر اجتماع كنعان - لين، والاعتراض على اضطهاد أهالي بيت فوريك والاعتداء على المدرسة العائشية بنابلس، ورسالة الأسير الششتري إلى كنعان لحضّه على عدم الاستقالة، ومخطوط بإحصاء البيوت المنسوفة، وبيانات حول شهداء نابلس، ومقالَي كنعان "لماذا بعد التحرير؟" و"كيف نتخلص من هذا الجمود؟" في صحيفة "القدس".
وخصص الفصل الثالث لعرض ثلاث وعشرين وثيقة مستلة من الأرشيفات حول استقالة مقاولي البناء والحلاقين بنابلس، ومطالبة النابلسيين كنعان بالعدول عن الاستقالة؛ ومنهم سائقو السيارات العمومية، وقارئو عدادات المياه، ومخاتير مخيمَي بلاطة وعين بيت، والهيئات النسائية، والاتحاد العام لنقابات العمال، والمعلمون الأردنيون، وافتتاحية "القدس" إثر تعليقات كنعان وهيئات نابلسية على مقال "زعماء بالضفة وقعوا بالمصيدة"، ورفض قرار الحاكم العسكري بطرد النساء، ومحادثات كنعان - فارحي بشأن المناهج التعليمية ومستقبل الضفة الغربية، واجتماع رجال التعليم الفلسطينيين بممثلي وزارة التربية الإسرائيلية، وتقرير فارحي المتعلق بلقاء قيادات نابلسية بعزيز شحادة حول الدولة الفلسطينية، وتقرير فارحي حول لقاء كنعان - فاردي، ومحضر لقاء أشكول - المصري/ الشكعة.
خصص الفصل الرابع للحديث عن مناقب حمدي كنعان واستكمال المذكرات، وقد سبقته شهادة ذات أهمية لبسام الشكعة في صاحب المذكرات يصفه فيها بأنه "كان يستوعب المرحلة الدقيقة للاحتلال، ووقف أمام ممارساته برجولة ووعي، وله أثر بارز في عدم نزوح الأهل عن الأرض. كان عصاميًا وتاجرًا شريفًا بنى نفسه بنفسه، وبلغ مركزه الاقتصادي بجهوده وطموحه، وإن أردت أن أصف حمدي كنعان أقول إنه رجل حقيقي". وينقل الفصل وصف خصوم كنعان الأقربين والأبعدين فيه، فيورد تصريح الجنرال الإسرائيلي إلعاد بيليد لصحيفة "القدس" وقوله فيه: "كنعان نفسه لا يعلم كم أن مدينته مدينةٌ له نتيجة تصرفه الذي أدّى إلى وقف إطلاق النار في المدينة". كما يورد قول محمد العمد في نعي كنعان، وكان منافسًا له على رئاسة البلدية: "فَقِيد الوطن الذي كان مثال الرجولة في وقت زاغت فيه الأبصار، ومثال الصمود في موقعة بلدية نابلس 1967، لم يضعف، وزرع الناس في أرضهم وأعاد إليهم ثقتهم بأنفسهم". ويستعرض الفصل أيضًا فترة رئاسة كنعان البلدية قبل الحرب، لتبيان السياق الذي هيّأ كنعان لمرحلة الاحتلال اللاحقة التي وثقتها المذكرات.
أما الفصل الخامس، فيؤرخ احتلال المدينة من مصادر مختلفة تعيد رسم مشهد الحرب بتفاصيله الدقيقة، مستعرضًا الخطاب الإعلامي العربي؛ بدءًا من "معركة اليمن طريق لمعركة فلسطين"، و"القضاء على إسرائيل"، وقرارات مؤتمر القمة العربي في القاهرة على خلفية تهديدات دولة الاحتلال بتحويل مجرى نهر الأردن، وتفاعل نابلس مع صوت الجماهير "الحرب الحرب، أرسلونا إلى فلسطين"، وهو ما عبّر عنه كنعان في رسالة لأكرم زعيتر جاء فيها: "حدث الأسبوع لا شك في أنّ له شأنًا"، وبرقية اتحاد نساء نابلس التي رأت في المؤتمر فاتحة عهد جديد للعمل الجدي في سبيل نصرة قضية العرب الأولى فلسطين، وبرقيات نابلسية أخرى من عضو المجلس البلدي حافظ طوقان، وفريد فخر الدين، وأمين القاسم، وبرقية رئيسة جمعية الهلال الأحمر رشدة طاهر المصري، التي أكدت أن "المرأة العربية بكافة منظماتها وصفوفها بانتظار النفير لتكتب بالجهاد والدماء آية النصر مع الرجال"، وبرقية رئيسة جمعية الرعاية بنابلس فايزة عبد المجيد التي أشارت إلى ترقّب ولادة "منظمة التحرير الفلسطينية" بالقول: "قرروا فتح جبهة التحرير لفلسطين كالجزائر، فليكن أبناؤها طلائعها الفدائية المظفرة".
من ناحية أخرى، يضم الفصل السادس (الأخير)، تفاصيل لبعض ما أجمله كنعان في المذكرات، وقراءةً لصراعات التمثيل التي سادت خلال الشهور التالية للحرب، والتي انتهت بالاستقالة النهائية. وقد بنيت محاوره استنادًا لما حضر أو غاب في أوراق كنعان من مصادر أولية، أبرزها مكاتبات حمدي كنعان لأكرم زعيتر، وأرشيف بلدية نابلس. وهي مادة أولية ضخمة اقتصرت القراءة التفصيلية فيها على نماذج محددة، واكتفت بإضاءات موجزة وهامشية متعلقة بنماذج أخرى، ولعل هذا الإيجاز يكون حافزًا لإنجاز دراسات لاحقة أوسع بشأن تاريخ مدينة نابلس وبقية فلسطين في العهد الأردني.
وُلد حمدي طاهر كنعان في مدينة نابلس في عام 1910، وتلقّى تعليمه الأساسي والثانوي في مدرستي النجاح الوطنية ومدرسة البرج في نابلس. انخرط في العمل الوطني ضد الاستعمار البريطاني في فلسطين إبّان المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1937، كما اعتقلته السلطات البريطانية في معتقل صرفند خلال عام 1936 لمدّة قصيرة. انصرف إلى سوق العمل بعد تخرجه من الثانوية لأسباب اقتصادية إثر وفاة والده. شغل عضوية لجنة الدفاع في مدينة نابلس إبّان حرب 1947-1949. شارك في مؤتمر نابلس الذي انعقد في 27/12/1948، وكان عضوا في وفد مدينة نابلس إلى الملك عبد الله بن الحسين، الذي حمل له مقرّرات المؤتمر بخصوص الوحدة بين الضفتين.
انتُخب لعضوية أول غرفة تجارة وصناعة في مدينة نابلس في عام 1953، ثم أصبح أمينًا لسرِّها، وأعيد انتخابه فيها عام 1957 لفترة ثانية وشغل أمانة سرها، ولفترة ثالثة عام 1961 وتولى منصب نائب رئيسها.
شغل مقعد عضوية في مجلس بلدية نابلس منذ عام 1950 ونائبا لرئيس المجلس إلى غاية عام 1963، ليصبح رئيسًا للبلدية في 19/10/1963 بعد أن حصد أعلى الأصوات في الانتخابات التي جرت في العام نفسه. نفّذ سلسلة من المشاريع العمرانية الكبرى في رئاسته. برز بعد حرب حزيران/يونيو 1967 كأحد القيادات المحلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أسهم في تنظيم وإدارة مدينته بعد الحرب، معززًا صمود أهلها ومسهمًا في عودة عدد من المهجرين، خصوصًا مهجري قلقيلية. اختلف والحكومة الأردنية على إدارة ملف الإعانات لمدن وبلديات الأرض المحتلة، وانتهى الخلاف إلى استقالته نهائيًا في آذار/مارس 1969. توفي في مدينة نابلس في 3/1981، ودفن فيها.
يُذكر أن بلال محمد شلش باحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات". يتمحور عمله البحثي حول تاريخ المقاومة الفلسطينية المسلحة على المدى الطويل، مع اهتمام خاص بحرب 1947-1949، والفترة بين 1967-1970. صدر له في هذا المجال كتابان، هما: "يافا دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري: دراسة ووثائق" في مجلدين (2019)، و"داخل السور القديم.. نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس" (2020).