تدوين- سوار عبد ربه
منذ يومين، نشرت صفحة مكتبة سمير منصور الواقعة في غزة، عبر صفحتها على "فيسبوك" مقطع فيديو يظهر حجم الدمار الذي حل بالمكتبة، والذي حول جزء منها إلى رماد مكوم على الأرض، بفعل الغارات الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ بدء عملية طوفان الأقصى، التي تخوضها المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
مشهد يعيدنا إلى الصورة التي رافقت خبر الدمار الذي حل في المكتبة نفسها قبل عامين، تلك التي ظهرت فيها رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" فوق الركام، بعد أن قصفتها الغارات الإسرائيلية ومكتبات أخرى في القطاع.
في رواية عائد إلى حيفا، رسم غسان كنفاني الوعي من جديد، وأعاد النظر في مفهوم العودة والوطن، تماما كما عبرت رمزية صورة الرواية الملقاة فوق الركام عن حلم العودة، الذي لن يتحقق إلا بالدمار والموت، كانت هذه الصورة بمثابة تعبير عن معادلة الموت في سبيل الحياة لاحقا. فكلمة "عائد" المعنونة على غلاف الرواية، التي مكانها الطبيعي رف المكتبة، بعد أن أصبح مكانها فوق الردم، فيها من الرمزية ما يختصر الحالة في غزة اليوم. فمن غزة بعث أمل العودة من جديد، ومن غزة أيضا، تحولت فلسفة الموت من النهاية، إلى بداية جديدة.
أما المكتبة فهي أيضا نموذج للموت المتواصل في سبيل الحياة، فبعد أن دمرتها غارات الاحتلال في أيار 2021، عادت واستنهضت نفسها من جديد، وفتحت أبوابها بعد تسعة أشهر من الإغلاق القسري، ورافق الافتتاح ملصقات كتب عليها: "كالعنقاء من تحت الرماد نبعث". وبعد الدمار الأخير، نشرت المكتبة رفقة الفيديو نصا يحمل المدلول ذاته "سنبقى هنا.. بكل هذا الرماد المتراكم والأضلع المتكسرة، والحزن المتوالي الذي لم نبرأ منه بعد.. فلا خيار أمامنا.. إلا البقاء والنهوض".
تكبدت المكتبة في القصف السابق خسارة بقيمة 700 ألف دولار وما يقارب 100 ألف كتاب، ثم عادت بمساحة 1000 متر مربع، وكتب يصل عددها إلى 300 ألف كتاب، أي أضعاف مضاعفة من المساحة السابقة ومن عدد الكتب السابق، فلا خيار أمامها إلا البقاء والنهوض. النهوض المرتبط بمعاني التحدي والصمود من جهة، والإبقاء على عجلة الثقافة في القطاع المحاصر من جهة أخرى. هذه التي يحاول الاحتلال إيقاف دورانها وإماتة المشهد الثقافي بشتى الطرق، إذ شكلت المكتبة منذ افتتاحها قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما متنفسا للقطاع الثقافي برمته، بفعل الخدمات التي تقدمها إلى جميع فئات الشعب من الطفل الصغير، حتى الأكاديميين في الجامعات.
يدعي الاحتلال أن بنك أهدافه في القطاع يقتصر على أمكان تواجد المقاومين، وأن هجماته التي يشنها لا تطال المدنيين والمنشآت السكنية والمؤسسات المدنية وغيرها، بيد أن قصف المكتبة كما البيوت والمنشآت السكنية تدحض هذه الرواية الزائفة التي يحاول تسويقها عبر الإعلام والمنصات، فحتى الكتاب في غزة هو محط استهداف.
وليست مكتبة سمير منصور هي المنشأة الثقافية الوحيدة التي طالها الدمار في الحرب الحالية، فمكتبة الشروق التي تعمل منذ 25 عاما، تهاوت ركاما، هي الأخرى. وكما قال صاحبها: "ربع قرن من الجهد والتعب ضاع بلمح البصر".
وبلمح البصر أيضا، عمدت غارات الاحتلال على مدار الحروب السابقة إلى استهداف العديد من المنشآت والمراكز الثقافية، كمكتبة اقرأ، والرؤية، والنهضة، بالإضافة إلى منتدى الأمة للتنمية، ومراكز المواهب الفلسطينية، وبسمة للثقافة والفنون، ونفحة، ناهيك عن عدد كبير من المراكز المختصة في مجالات العلوم والأبحاث والتدريب، وشركات الإنتاج الإعلامي والفني. وغيرها الكثير.