السبت  21 كانون الأول 2024

المقاومة كثقافة: جنوب لبنان نموذجا

2024-07-03 02:19:54 AM
المقاومة كثقافة: جنوب لبنان نموذجا
حشد جماهيري خلال كلمة لأمين عام حزب الله

ميخائيل عوض: الشعوب وفية لمن يقاتل ويضحي من أجلها ويحقق أهدافها وأمانيها

طارق عبود: الأجيال تشربت ثقافة المقاومة لاقتناعا بجدوى خيارها

عمر نشابة: وجود قيادات المقاومة في طليعة صفوف المجاهدين الفدائيين جعل منها موضع التفاف وتضامن

مهدي قرعوني: تجربة المقاومة في جنوب لبنان رائدة وحجة على كل الأحرار بالعالم التعلم منها

تدوين- سوار عبد ربه

في حرب تموز 2006، في لبنان، انتشر مقطع فيديو لسيدة تدعى كاملة سمحات، وهي تتوسط الركام وآثار الدمار التي خلقتها آلة الحرب الصهيونية، في الضاحية الجنوبية ببيروت، متوجهة بالدعاء إلى رب السماء بأن يمحي "إسرائيل" من الوجود، وأن يطيل بعمر المقاومين، لكن أكثر ما بدا لافتا في كلماتها، عبارات الصمود العفوية التي تفوهت بها دون ترتيب أو تنميق، إذ قالت الحاجة الراحلة في حينها: "مش هيدا بيتي راح.. فدا إجر المقاومة.. وبيتي بالضيعة راح.. فدا إجرها للمقاومة"، استطاعت سمحات بعفويتها وإيمانها المطلق بجدوى المقاومة، صوغ معادلة جماهيرية خالدة، تحولت فيما بعد إلى نهج منح المقاومة في لبنان ثقة أكبر في دورها ومسارها، وشكل ركيزة أساسية في انتصاراتها، وليست سمحات النموذج اللبناني الوحيد على التلاحم الشعبي واصطفاف الجماهير الشعبية خلف المقاومة، إلا أن عفويتها تلك حولتها إلى أيقونة، يتذكرها اللبنانيون عقب كل معركة تخوضها مقاومتهم ضد الكيان الصهيوني.

أما المعركة التي تخوضها المقاومة اللبنانية اليوم، جنبا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، فكانت أكثر المعارك الفاحصة لمدى انتماء الجنوبيين إلى هذا النهج، ذلك أن مجرياتها اختلفت عن المعارك السابقة، إذ أن المقاومتين اللبنانية والفلسطينية هذه المرة، هما من بدأتا حرب التحرير في غزة وجنوب لبنان، ورغم المخاطر المحفوفة بهذا البدء إلا أن المقاومتين استطاعتا الحفاظ على القاعدة الجماهيرية التي تأسست عاما بعد عام، بل وتوسعت وصارت أكثر انتشارا حتى على مستوى دول أخرى.

في الثامن من تشرين الأول الماضي، أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، انخراطها في معركة طوفان الأقصى، كجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة، كما وصفها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في أول ظهور له بعد العملية، مؤكدا على دخول حزب الله للمعركة منذ ذلك التاريخ. وفي حينها أعلنت المقاومة الإسلامية في أولى بياناتها "تنفيذ ثلاث عمليات ضد مواقع للاحتلال الصهيوني في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، على طريق تحرير ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة وتضامنا مع ‏المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر".

هذا الإعلان شكل موضع التفاف وتضامن على مستوى الجنوب اللبناني، وحظي بحاضنة شعبية واسعة، تجلت بوضوح في كافة خطابات أمين عام حزب الله التي حظيت بحضور جماهيري واسع النطاق ملأ ساحات عرض الخطابات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

ولهذا، التقت تدوين بمجموعة من الباحثين والأكاديميين والمحللين السياسيين اللبنانيين، في محاولة لفك رمز هذه الحاضنة الشعبية التي تتخذ من المقاومة ثقافة وأسلوب حياة في جنوب لبنان، وكتجربة ناجحة يمكن اعتماد معطياتها كمقومات تستند عليها الشعوب التحررية.

المقاومة في لبنان موضع التفاف وتضامن

د. عمر نشابة

يرى د. عمر نشابة، الباحث والأكاديمي اللبناني أن عدة عوامل أسهمت في كون المقاومة في لبنان موضع التفاف وتضامن، أبرزها: أن قيادات المقاومة كانت في طليعة صفوف المجاهدين والفدائيين، واستطاعت المقاومة أن تحرر أجزاء من الجنوب عام 2000 وانتصرت عام 2006، إضافة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان".

وإلى جانب ذلك، اعتبر د. نشابة أن "استمرار الاحتلال لمدينة القدس التي تمثل في الوجدان العربي المسيحي والإسلامي مكانا مقدسا يجب الدفاع عنه، وارتكاب الاحتلال أبشع الجرائم بحق البشر في كل المنطقة، واحتلال لبنان واغتصاب العاصمة بيروت، وقتل الشعب الفلسطيني وتهجيره على مدى 76 عاما، مثلت أيضا ترسيخا لثقافة المقاومة لدى اللبناني".

ناهيك عن الجانب الاجتماعي الذي أولت له المقاومة في لبنان أهمية بالغة، إذ بنت مؤسسات اجتماعية وصحية وتربوية ودعمت الفقراء وساعدت المحتاجين، وفقا لمستشار وزير الداخلية اللبناني السابق زياد بارود.

من جانبه، اعتبر د. طارق عبود الكاتب والباحث في الشؤون اللبنانية والدولية، أن العامل الجغرافي لعب دورا في هذا الالتفاف حول المقاومة، بالإضافة إلى العامل التاريخي، إذ أن الجنوبيين انخرطوا في صفوف المقاومة الفلسطينية عندما كانت منظمة التحرير في لبنان، وقدمت في حينها الحركة الوطنية المكونة من أحزاب وطنية غير إسلامية شهداء كثر من الجنوب اللبناني.

وبحسب د. عبود، فإن كل هذه العوامل، جعلت الأجيال تتشرب ثقافة المقاومة والسلوك المقاوم واختارت هذا المسار كنهج، لأن الجنوبيين مقتنعون بجدوى خيار المقاومة، وهو ما يفسر تضحياتهم في منازلهم وأرزاقهم واستقرارهم النفسي، ناهيك عن كون الجنوبيون مدركين للتهديدات الإسرائيلية للبنان، فالغالبية العظمى منهم تعتبر أن المقاومة هي الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان ولا أحد سواها.

أما د. ميخائيل عوض الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فيعزو هذا الالتفاف، إلى "جملة عوامل تفاعلت على مدى زمني طويل جعلت قاعدة المقاومة متماسكة مؤمنة واثقة من قيادتها وحزبها ووعودهم، مضيفا: "في التجربة شكل حزب الله ومقاومته ظاهرة استثنائية تقاطعت مع تجارب الماضي؛ فكان الشعب أولوية مطلقة والشهداء وأبنائهم وعائلاتهم في رعايتها اللصيقة إضافة لإعادة الإعمار وتأمين الناس.

ومن العناصر الأساسية أيضا، وفقا لـ د. عوض، "الانتصارات التي وعدت بها المقاومة وحققتها، إذ لعب انتصار عام 2000، دورا تأسيسيا في حجم الالتفاف والثقة فكانت عودة الجنوب من الأحلام التي لا يجرؤ المرء على تخيلها وقد جعلتها المقاومة حقيقة، وأمنت لأهل الجنوب العزة والكرامة والمكانة والبنى التحتية بعد إهمال لعقود طويلة".

ويخلص الكاتب إلى أن "الشعوب وفيه لمن يقاتل ويضحي من أجلها ويحقق أهدافها وأمانيها".

ترسيخ مفهوم الشهادة

د. ميخائيل عوض

وإلى جانب كون المقاومة في لبنان موضع التفاف وتضامن في انتصاراتها، شكل مفهوم التضحية أيضا مكونا أساسيا في الثقافة الجنوبية، على المستويين المادي والمعنوي، فلم يشتك الجنوبيون يوما من قصف منازلهم وأراضيهم ومنها من تعرض للقصف أكثر من مرة، ولم تشتك العائلات الجنوبية من تناقص عدد أفراد أسرتها الذين ارتقى منهم شهداء في سبيل التحرير، دون انخراطهم العسكري في المعركة، فمفهوم الشهادة مترسخ وأصيل في الثقافة الجنوبية.

وفي هذا الجانب اتفق شبانة وعبود على أن مفهوم الشهادة والتضحية ترسّخا من خلال التوجه الديني ومدرسة كربلاء، وكذلك من خلال قوافل شهداء المقاومة الفلسطينية والأحزاب والقوى اليسارية والقومية السورية والقومية العربية، وطبيعة مجتمع الجنوب التقليدية.

من جانبه، اعتبر د. ميخائيل عوض أن "مفهوم الشهادة في الثقافة الجنوبية، أصيل وتاريخي إذ كان لأهل الجنوب بحكم الموقع الجغرافي والثقافة والقيم دور تاريخي ودائم في حقب النضال الوطني والاجتماعي، منذ أزمنه طويلة، ولعب الجنوبيون ونخبهم وعلمائهم دورا أساسيا في النضالات الوطنية والقومية والاجتماعية".

يضاف إلى ذلك، بحسب د. عوض، "البيئة والطبيعة والحرمان الذي عاناه الجنوب تاريخيا، والدور البارز الذي لعبه الجنوبيون في قيادة النضالات، حيث كانوا الكتلة الأساسية والحاضنة لبيئات الأحزاب والقوى الوطنية والقومية واليسارية وفصائل منظمة التحرير، وعندما تخلفت وتقدم حزب الله بصفته استثنائيا ونوعيا في تشكيله وقيمه والتزاماته مع شعبه وشهدائه وتأمينهم وتأمين عوائلهم وتكريمهم، توفرت الشروط الموضوعية".

ويوضح: "التجربة المعاشة جعلت من روح الاستشهاد وطلبه، أو النصر قيمة اجتماعية والأهم أن المقاومة قدمت قادتها وأبناءها وأحفادها شهداء أولا ولم تفعل كسوابقها بأن دفعت الآخرين للقتال بينما ذهب أبناؤها إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية وإلى التنعم بالخيرات والثروات".

عاملا التراكم والتجربة

وفي قراءته لدور التراكم والتجربة في ترسيخ ثقافة المقاومة لدى الجنوبيين، استشهد ميخائيل عوض بقول الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين، "التجربة شرطا لازما لانتصار الحزب الثوري"، موضحا أن التجربة ومدتها وتواصلها تلعب دورا أساسيا في تعزيز الثقة والمصداقية فتدفع الشعب إلى الولاء والاستعداد لتحمل المشقات والتضحية، ذلك أن التجربة فاحصة وتثبت صدق القول والوعد وتكشف معادن الرجال والأحزاب.

ثنائية الموت والحياة

د. طارق عبود

في التاسع عشر من حزيران وعقب كلمة ألقاها الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قال عضو حزب الكتائب في لبنان، سامي جميّل، "الحياة فوق سطح الأرض تختلف عن الحياة تحت سطحها، اللبنانيون في كل المناطق لا يريدون الحروب، يريدون العيش". كلمات جميّل هذه تنم عن تباينات كبيرة في المواقف بين الأحزاب السياسية في لبنان، فبين من سخر قدراته العسكرية والبشرية وأرضه ومناطقه إسنادا للفلسطينيين في حربهم على مدار عقود من الاحتلال، ومن شارك في إبادة الفلسطينيين أثناء تواجدهم في لبنان، خلافات سياسية لا حصر لها، وثقافتين مختلفتين لا تلتقيان.

على الصعيد اللبناني المحلي، وتبعا للتقسيمات الحزبية الطائفية والمناطقية، يمكن القول إن الجنوبيين اتخذوا من المقاومة وبالتالي التضحية والشهادة؛ استراتيجية من أجل المحافظة على الوجود على الصعيدين السياسي والاجتماعي، كمكون اجتماعي أساسي في لبنان، الأمر الذي جعلهم دوما موضع اتهام في كونهم يقدمون ثقافة الموت على ثقافة الحياة، بل ويفرضون على لبنان هذه الثقافة من خلال زجه في حروب "لا دخل لهم فيها" بحسب تعبير سامي جميّل.

ولتفنيد هذه الادعاءات قال د. طارق عبود: الاحتلال وموالوه في الغرب، عملوا منذ سنوات على وضع الكتلة الإسلامية في الجنوب في إطار أنها تقدم ثقافة الموت على ثقافة الحياة، مقابل أن غيرهم من اللبنانيين محبون للحياة والترفيه".

لكن يرى عبود أن هذه الادعاءات سقطت، لأن الاستشهاد أو الموت في سبيل الأرض والوطن هو مفهوم حياتي، وليس مفهوما للموت.

أما ميخائيل عوض، الكاتب والمحلل السياسي، فيرى أن بين الموت والحياة، تكامل سببي فلا وجود لجماعة إلا بالتضحية والمعاناة والاستشهاد ولا مكانة لها في أي زمن أو مجتمع أو تاريخ إذا كانت خاملة.

وقال: "الجنوب خاض معركة وحروب الدفاع عن لبنان وشعبه وكيانه ونظامه ونجح في تحرير سيادته وتأمينها وحمايتها مرات في الانتصارات على الاحتلال، وطرده ذليلا من لبنان، وواجه الإرهاب، ونجح في ترسيم الحدود البحرية وتأمين سيادة وحقوق لبنان، كما نجح في بناء قوة ردعية فرضت على المحتل قواعد اشتباك، واليوم تفرض استكمال تحرير ما بقي من نقاط وأراض وتحرير السماء".

من جانبه، قال رئيس مجموعة البازورية الإعلامية مهدي قرعوني: "الموت والحياة يكملان بعضهما البعض، إذ لا وجود بدون الشهادة، وبالتالي، عدم امتلاك القدرة على حماية المجتمع والأرض والعرض، سيجعلهم منتهكين، وهو ما أثبتته السنوات، إذ أن القوي ومن يمسك زمام المبادرة هو القادر على الحماية، وليس من يلجأون إلى المجتمع الدولي، الذي عجز عن وقف حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ تسعة أشهر".

أما الباحث والأكاديمي اللبناني، عمر نشابة، فيرى أن هذه الادعاءات بزج لبنان في حروب لا دخل له فيها، ليست صحيحة لأن "المقاومة عملت بشكل مدروس وناضج وحكيم في الداخل اللبناني ولم تنجر خلف التحريض والتوترات الطائفية وحاولت ألا تستفز أي من المكونات الأخرى للمجتمع اللبناني، وسعت إلى التوافق وسلمت المقاومة بخصوصية التنوع في المجتمع اللبناني وآمنت بالشراكة مع الآخرين وعملت عليها بجدية".

التعبئة الدينية والإعلامية

د. مهدي قرعوني

إن التكامل في الأدوار في مجتمع الجنوب اللبناني، بين المقاومة والشعب وأصحاب الوظائف كل حسب موقعه، لعب دورا بارزا في ترسيخ ثقافة المقاومة ونصرة المقاومين في كافة أماكن تواجدهم، وجعل فلسطين القضية الأساس في الوجدان اللبناني، فكان لـ "علماء" الدين، دورهم في جعل هذه الثقافة حاضرة كأسلوب حياة، وشرطا إيمانيا وعقائديا، ليس فقط من خلال الحض على الجهاد، بل أيضا من خلال الفتاوى التي تجرم التعامل مع العدو.

يقول السيد محمد حسين فضل الله، (مرجع دين شيعي من جنوب لبنان)، إن "فلسطين تختصر كل آلام الأمة وأحلامها، ولا حلم بدونها، أجبرتنا فلسطين على الوحدة الإسلامية حولها".

وفي كلمته الشهيرة في يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان، عام 2013، قال حسن نصر الله: "الحقيقة التي عمدت بالدم، نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدسات الأمة في فلسطين".

هاتان العبارتان اللتان وردتا على لسان شخصيتين وازنتين في الثقافة الدينية لدى المجتمع الجنوبي، وجعل فلسطين بمثابة الحلم، وهو أعلى ما يمكن للمرء أن يقاتل من أجله، وكذلك ربطها بقول صريح في الثقافة الشيعية جعلت من "علماء" الدين، شركاء في ترسيخ ثقافة المقاومة، التي بدونها سيبدو إيمان الجنوبيين متخلخلا، ناهيك عن أن المناسبة التي قال فيها نصر الله كلمته هي بالأساس فكرة الإمام الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، التي أعلنها في بيان بتاريخ 7 آب 1979، داعيا جميع الشعوب المستضعفة في العالم إلى إعلان آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس، بهدف تذكير المسلمين والعالم بقضية فلسطين ومنعها من الدخول في دائرة النسيان.

وفي هذا الجانب، يقول رئيس مجموعة البازورية الإعلامية، مهدي قرعوني، إن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان صارت مع تراكم التجارب أكثر قبولا، نظرا لارتباطها عقائديا بأهل بيت النبي محمد، لا سيما حادثة استشهاد الحسين بن علي، التي يستقي منها الجنوبيون إيمانهم، وصبرهم في وجه الظلم، والتي لا يتوانى "علماء" الدين عن التذكير فيها في كل مناسبة دينية واجتماعية.

أما على صعيد الإعلام، المقسم هو الآخر في لبنان تبعا للطوائف والتحالفات السياسية، يقول قرعوني: "الإعلام سواء كان حزبيا أم غير ذلك هو عصب أساسي في نقل الصورة، وهو السلطة الأولى بتشكيل الرأي العام، بإظهار مظلومية أو إخفائها، وبالتالي يمثل الإعلام جزءًا أساسيا في تحقيق أهداف الحرب، ناهيك عن أهمية الإعلام الحربي الذي يستطيع تغيير معادلات عبر بثه لمشاهد من أرض المعركة، وتوثيق العمليات.

أما د. ميخائيل عوض فيقول: "بلا شك لعب الإعلام دورا محوريا والأهم أنه التزم ثقافة وقيما مجتمعية ودينية ووطنية، وهذه عززت مصداقيته وتأثيره وزاد من فاعليته أن إعلام هذه المقاومة بصفاتها وخصائلها الاستثنائية، تتمتع بمصداقية والتزام عالي القيمية، فالثقة بالمقاومة وقادتها انعكست ثقة بوسائلها الإعلامية.

دروس وعبر

في الختام، وتبعا لعوامل النجاح التي شكلتها تجربة المقاومة في جنوب لبنان في ترسيخ نفسها مدرسة في تلاحمها بأهلها وشعبها وبيئتها الحاضنة، وقدرتها على توحيد المعركة على المستويين العسكري والمدني، والتي حاول الاحتلال إجهاضها، عبر توسيع استهدافه للمدنيين ومنازلهم، يخلص المحلل السياسي ميخائيل عوض إلى أن "طبيعة ومضمون وقيم المقاومة ورجالها وقادتها وبرامجها وأهدافها وسياساتها وتجربتها في العلاقة مع أناسها، ومصداقيتها في ممارسة ما تقوله واستعدادها للتضحية هي أولا، وإعطاء الأولوية للناس وحياتهم ومصالحهم وحاجاتهم وكراماتهم، أمور إن حققتها أي مقاومة عبر التاريخ ستنتصر، سيما وأن شعوبنا في الجوهر والأصل مقاومة ومؤمنة ووطنية بالفطرة".

أما رئيس مجموعة البازورية الإعلامية فيرى أن "تجربة المقاومة في جنوب لبنان هي حجة على كل الأحرار في العالم الاقتداء بها، وهي تجربة رائدة استطاعت الدمج بين عدة عناوين، بمعزل عن الاستثمارات السياسية رغم ما حققته من انتصارات بدءًا من العمليات التصاعدية في التسعينيات، مرورا بالتحرير عام 2000، ثم حرب تموز عام 2006، ثم توازن الردع وخوف الاحتلال من خوض الحروب".