الإثنين  16 أيلول 2024

صاروخ مجدل شمس: عزف صهيوني نشاز على وتر الطائفية

2024-09-01 11:54:04 PM
صاروخ مجدل شمس: عزف صهيوني نشاز على وتر الطائفية

تدوين- سوار عبد ربه

تتجلى الإشكالية الجوهرية في تناول الأقليات بالمفهوم العددي في المنطقة، بالنظر إليها على أنها كتلة واحدة متجانسة، مما يغفل التباين الثقافي والوطني والقيمي داخلها، هذه الرؤية الأحادية والقاصرة، تفضي إلى إقصاء وتجاهل تاريخ تلك المجموعات وإرثها الثقافي الوطني بل وتجعلهم موضع تبرير دائم وحاجة مستمرة إلى بذل جهود مضاعفة للحفاظ على وجودها وسد الفجوات المجتمعية التي تراكمت عبر الأجيال.

يعالج التقرير التالي هذه النظرة الأحادية السائدة في الوعي الجمعي الفلسطيني تجاه أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، والتي أُعيدت إلى الواجهة في سياق الهجوم الصاروخي الذي استهدف بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. هذا الهجوم أعاد إلى السطح موضوع التجنيد الإجباري المفروض على أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين، وهو من القضايا الأكثر إشكالية عندما يتعلق الأمر بهذه الطائفة.

وكي نصل إلى تشخيص دقيق لتلك الرؤية الأحادية، كان لا بد من تقديم قراءة في الصاروخ وأبعاده ليس من الناحية العسكرية وتأثيراته التصعيدية على المنطقة، إنما من خلال دراسة الأهداف الاستعمارية التي تقف وراءه، والتي هي امتداد لسياسات الفتنة التي تبلورت منذ ظهور الصهيونية واستيطانها في فلسطين، ونجاحها النسبي في إحداث انقسام بين مكونات المجتمع الفلسطيني.

لذا، التقت تدوين، بشخصيات درزية بارزة، للبحث في أبعاد ودلالات ذلك الصاروخ، ووضعه في سياقه التاريخي، لتقديم رؤية متكاملة حول السياسات الاستعمارية تجاه أبناء الطائفة الدرزية، وجهود أبنائها في إفشال تلك المساعي منذ الثورة الفلسطينية الكبرى، حتى يومنا هذا، كما يتناول التقرير مسألة التجنيد الإجباري، والممارسات الصهيونية الأخرى تجاه الطائفة الدرزية كفصل المناهج الدراسية، والانتخابات المحلية وغيرها.

قراءة درزية في حادثة مجدل شمس: صاروخ فتنوي

صباح يوم السبت الموافق 27 تموز 2024، استيقظ أهالي بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، على وقع صاروخ سقط في ملعب كرة قدم بالبلدة، مما أسفر عن استشهاد 12 شخصًا، معظمهم أطفال، بالإضافة إلى عشرات المصابين. سرعان ما تحركت وسائل الإعلام العبرية والغربية، وبعض وسائل الإعلام العربية، لتوجيه الاتهام إلى المقاومة الإسلامية في لبنان، رغم نفي حزب الله القاطع لأي علاقة له بالحادثة. كما توعد المسؤولون الإسرائيليون برد قاسٍ على لبنان.

تصريحات المسؤولين تلك، ومن بعدها زيارتهم إلى عائلات الشهداء أثناء مراسم الدفن، لم تكن عبثية، إنما هي امتداد لسياسات استعمارية فتنوية اتخذت من إثارة النعرات الطائفية وبث الشائعات، استراتيجية اعتقدت أنها قد تكسب من خلالها التفافا وتعاطفا عربيا درزيا مع الصهاينة، الذين يواجهون منذ السابع من أكتوبر الماضي أشد مقاومة فلسطينية وعربية على جبهات عدة.

أمام هذه المحاولات، أظهرت بلدة مجدل شمس وأبناء الطائفة الدرزية موقفا متحدا وقويا. فقد رفض أهالي البلدة على المستوى الشعبي استقبال المسؤولين الإسرائيليين، بينما أعربت القيادات الدرزية في لبنان وسوريا، بما في ذلك الجولان المحتل، عن رفضها لمزاعم الاحتلال، مؤكدين التمسك بالوحدة العربية وعدم الانجرار وراء السياسات التي تسعى لتفكيك الروابط بين الطوائف وبث الفرقة بينها.

في هذا السياق، أوضح طارق داوود، نائب أمين عام حركة النضال اللبناني العربي، في حديث خاص مع تدوين، أن "الهجوم على مجدل شمس هو عمل مخابراتي إسرائيلي بحت، يهدف إلى تشويه دور الموحدين الدروز وجرهم بعيدًا عن موقفهم الطبيعي والتاريخي في مقاومة العدو الإسرائيلي".

 وأضاف داوود أن الهدف من هذا المخطط كان محاولة تصوير العدو كحامٍ للأقليات، إلا أن المواقف العروبية والوطنية لأبناء الجولان أفشلت هذه المساعي.

وأوضح داوود أن: "التصريحات التي أدلت بها القيادات الدرزية في لبنان كانت واضحة وصريحة، حيث رفضت بشدة مزاعم الاحتلال، وشددت على أهمية الوحدة ودعم الدور الريادي والوطني الذي يلعبه الجولان المحتل. كما أن مشايخ العقل في جبل العرب أصدروا تصريحا مهما رافضا لهذه الافتراءات، مما يبرز التزام الطائفة بالدور الوطني والقومي، وتأكيدها على موقفها الثابت ضد الاستعمار".

ونشرت الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز بيانا قالت فيه: "نستنكر بشدة الجريمة النكراء التي طالت الأبرياء والأطفال في قرية مجدل شمس الآمنة المسالمة. ونهيب بكل الأوساط الأممية والدولية تأكيد ملاحقة الجهة المجرمة، مع وضوح الرؤية للجهة الفاعلة لدى الجميع. ونؤكد على طلب معاقبتها عبر القانون الدولي على ما فعلته أيديهم الآثمة، غير قابلين لأي تبرير، لأن أبناءنا ليسوا مواقع تدريب ولا مواقع تجريب، وليست سماؤنا ساحات حرب لأحد، ولا تحقيق غايات لأحد عبر دماء أبنائنا. ولا يمكن تصور خطأ بهذه البشاعة وهذه الصفات".

ورغم أن البيان لم يشر صراحة إلى الجهة المسؤولة عن الصاروخ، إلا أن بيان الخارجية السورية أوضح بشكل جلي أن الشعب السوري في الجولان المحتل، "لن تنطلي عليه أكاذيب الاحتلال واتهاماته الباطلة للمقاومة الوطنية اللبنانية بأنها هي التي قصفت مجدل شمس، وذلك لأن أهلنا في الجولان السوري كانوا وما زالوا، وسيبقون جزءاً أصيلاً من مقاومة المحتل ومقاومة سياساته العدوانية التي تستبيح الأرض والهوية".

من جانبه، وصف الصحفي والكاتب وجدي العريضي الصاروخ الذي استهدف مجدل شمس بأنه "صاروخ الفتنة بامتياز"، مشيرًا إلى أنه حاول إثارة الخلافات بين الطائفة الدرزية والطائفة الشيعية مستغلا الجبهة المشتعلة في جنوب لبنان.

وقال العريضي إن هذا الهجوم الصاروخي "لم يكن مجرد عمل عسكري، بل يهدف إلى زعزعة استقرار العلاقات بين الطوائف وخلق توترات جديدة. مؤكدا أن الصاروخ كان يمكن أن يتسبب في فتنة عميقة لولا وعي أبناء الطائفة الدرزية وقياداتهم".

امتداد لسياسات استعمارية تاريخية

وأكد ضيفا التقرير أن السياسات الصهيونية التي تهدف إلى بث الفرقة بين الطوائف في المنطقة وثني الطائفة الدرزية عن دورها النضالي والوطني ليست جديدة، بل هي امتداد لسياسات استعمارية تاريخية، وما صاروخ مجدل شمس إلا تجسيد حديث لاستراتيجية صهيونية قديمة تهدف إلى إثارة النعرات الطائفية والفتنة بين أبناء الطائفة الدرزية وبقية مكونات المجتمع العربي.

الأمر ذاته الذي أشار إليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، في مقابلة مع "أثير"، قال فيها "تجري اليوم بعض التحركات والدعايات التي تقول إن الدروز حالة مستقلة عن العرب والمسلمين، هذا مشروع صهيوني بدأ في الثلاثينيات في فلسطين بالتحديد، عندما حاولت الوكالة الصهيونية ونجحت في بعض الأوساط الدرزية في فصلهم عن أصولهم".

ويذكر الباحث قيس فرو في كتابه "دروز في زمن الغفلة: من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية" أن ناشطي الحركة الصهيونية حاولوا منذ بداية الثورة الفلسطينية (1936-1939)، إبعاد الدروز عن المشاركة فيها؛ مستخدمين سلاح الشائعات لزرع الفرقة بينهم وبين المسلمين". ويشير فرو إلى أن هذه المحاولات الصهيونية قد أفشلها الدروز من خلال انخراطهم الفعلي في المعارك ضد الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية، بعد التحاقهم بالمجموعات الفلسطينية الفدائية.

ويستشهد الباحث في كتابه بمنشور لمدير مكتب "هكيرن هكييمت" في الجليل، يوسف نحماني، الذي وزعه بتاريخ 26 أيلول 1936 على الدروز، طالبًا منهم عدم الانضمام إلى ما سماه "العصابات العربية".

وفي هذا الصدد، أوضح الكاتب وجدي العريضي أن "إسرائيل" دائمًا ما سعت إلى زرع بذور الفتنة، وأن الصاروخ الذي سقط في بلدة مجدل شمس يمثل محاولة لإعادة استخدام الاستراتيجية ذاتها التي اتبعتها عبر التاريخ. مستذكرا الدور الفتنوي الذي قام به الاحتلال خلال اجتياحه للبنان عام 1982، حيث دعم وغذى الفتنة عبر استغلال التناقضات اللبنانية خلال حرب الجبل، التي كانت جزءًا من الحرب الأهلية اللبنانية.

بالتوازي مع هذه الممارسات الفتنوية، سعى الصهاينة إلى تقديم مغريات اقتصادية للدروز لثنيهم عن النضال الوطني أولاً، ثم لكسب تعاطفهم للانضمام إلى صفوفهم. وفي المنشور الذي أشرنا إليه سابقًا ليوسف نحماني، قدم الأخير للفلاحين الدروز إغراءات اقتصادية ادعى أنه لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال الاستيطان في الجليل. قال نحماني: "لا أحد يستطيع إنكار فضل اليهود في ازدهار اقتصاد فلسطين واستفادة كل طوائفها من هذا الازدهار. انظروا إلى الفرق بين ازدهار فلسطين وفقر شرق الأردن، حيث لا وجود لليهود."

حول هذا قال العريضي: "إسرائيل تحاول دائماً تقديم مغريات لتقويض موقف الدروز، لكنها تواجه مقاومة قوية من القيادات الدرزية. تاريخياً وحاضراً، كانت القيادات دائمًا إلى جانب القضية الفلسطينية وكل القضايا العربية، وتاريخ الدروز من سلطان باشا الأطرش إلى مجيد أرسلان، الذين قدموا تضحيات كبيرة ودعموا القضية الفلسطينية بكل قوة وجرأة، يثبت ذلك".

الأقليات تحت مجهر الصهيونية

في حين كان نحماني يسعى جاهدًا لمنع انخراط الدروز في صفوف المقاومة، لم ينس أن يشير إلى كونهم أقلية في المنطقة، حيث كتب بوضوح: "لا تنسوا أنكم أقلية في هذا البلد". ولم تكن نظرة نحماني تجاه الدروز، رغم كونهم مكونًا أصيلًا في البلاد، حالة فردية، بل كانت تعبيرًا عن نظرة استعمارية متأصلة، سعت جاهدة لكسب الأقليات إلى صالحها بحجة حمايتهم.

يقول وجدي العريضي: "الحديث عن الأقليات وحفظ هويتها في ظل الظروف المعقدة أمر شائع. ومع ذلك، فإن طائفة الدروز، رغم كونها أقلية، كانت دائمًا إلى جانب القضايا العربية والوطنية. تاريخ الطائفة حافل بالتضحيات، حيث قدمت شهداء في لبنان وفلسطين، وكان دعمها للقضية الفلسطينية تاريخيًا وملموسًا. الطوائف جميعها تنضوي تحت القضية المركزية، وهي قضية فلسطين، ويستحيل فصل الطائفة الدرزية عن واقعها العربي والإسلامي".

ويضيف: "ما حدث في مجدل شمس يعكس صورة واضحة للموقف الموحد للطائفة الدرزية، الذي يرفض أن تصبح الطائفة حالة مستقلة أو يكون لها دويلة أو كيان يعزلها عن واقعها العربي والإسلامي. هذا الموقف من الطائفة الدرزية يعكس التزامها العميق بالقضايا العربية ودعمها المستمر للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويعزز من التماسك الداخلي للطائفة في مواجهة الضغوط الإسرائيلية".

مسيرة نضالية متواصلة

يذكر قيس فرو في المصدر ذاته المشار إليه سابقا، مستندا إلى تقرير للشرطة البريطانية صدر في 17 تموز 1936، أن بعض شباب قرية عسفيا الكرملية انضم إلى مجموعة فلسطينية محاربة في منطقة حيفا، وفي تقرير آخر بتاريخ 11 حزيران 1936، ورد أن فصيلا من 30 درزيا انضم إلى الثوار في الجليل، وهذا الفصيل الدرزي شارك في معركة ترشحيا عندما نصب الثوار الفلسطينيون كمينا لقافلة سيارات عسكرية بريطانية قدمت من ترشيحا إلى نهاريا، واعتبرت هذه المعركة في حينها من أهم المعارك التي خاضها الفلسطينيون في بداية الثورة.

وفيما يتعلق بالدور النضالي التاريخي للطائفة الدرزية، قال وجدي العريضي: "لم تكن الطائفة الدرزية يومًا بعيدة عن القضايا العربية. عبر التاريخ، قاتل الدروز في الجزيرة العربية وفلسطين، وقدموا شهداء. هناك العديد من الروايات في القرى والبلدات، بما في ذلك الجبل، تروي مشاركة الدروز في القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي، مثلما فعل الأمير مجيد أرسلان، والد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، الذي قاتل في المالكية وسجل بطولات كبيرة. هذا التاريخ المجيد يعكس التزام الطائفة بالقضايا العربية ورفضها لأي محاولات لفصلها عن واقعها العربي والإسلامي."

التجنيد الإجباري بين الفرض والرفض

لم تقتصر تداعيات ضربة مجدل شمس على كونها شرارة أشعلها الاحتلال ليوسع حربه على لبنان، أو ليستكمل مساره الفتنوي في المنطقة، بل أعاد فتح النقاش في الأوساط الفلسطينية حول مسألة التجنيد الإجباري المفروض على أبناء الطائفة الدرزية في الداخل الفلسطيني المحتل.

وفي سياق الجهود الاستعمارية المستمرة لتقويض نضال أبناء الطائفة الدرزية، وفصلهم عن هويتهم العربية، برز موضوع التجنيد الإجباري كأداة رئيسية في السياسة الاستعمارية الصهيونية. ففي العام 1956 طُبق قانون التجنيد الإلزامي لجيش الاحتلال على الدروز، وفي العام الذي يليه اعتُرف بالطائفة الدرزية بوصفها طائفة دينية مستقلة، ثم تشكل في العام 1962 مجلس ديني درزي ومحاكم شرعية درزية، واستبدل توصيف عربي بـ "درزي" في فئة القومية في كل من بطاقات هوية وميلاد الدروز، وفي العام 1976، فُصل الجهاز التربوي في القرى الدرزية عن نظيره العربي.

وفي تعليقه على مسألة التجنيد الإجباري، قال طارق داوود نائب أمين عام حركة النضال اللبناني العربي، إنه "يوجد قسم كبير من أبناء طائفة الموحدين الدروز في الداخل الفلسطيني المحتل، وطني وعروبي، حافظ على هويته الوطنية، وعلاقته بباقي مكونات المنطقة، إلا أن ظروف الاحتلال جعلت البعض من هذه الشريحة يتماهى مع الإرادة الصهيونية، ويلتحق في جيش الاحتلال. ورغم هذا لا يجب أن نغفل الصوت الرافض لهذه الظاهرة والذي يتمثل في مشايخ وشخصيات بارزة ترفض الاحتلال وأي نوع من التعامل معه".

ويرى الكاتب وجدي العريضي أنه "رغم وجود بعض أبناء الطائفة في جيش الاحتلال، إلا أن الأغلبية ترفض التجنيد. كما أن هناك جهودا كبيرة تبذل لرفض هذه الظاهرة، من خلال لقاءات دورية تعقد في الأردن وسوريا ولبنان. ناهيك عن أن كبار مشايخ الطائفة يرفضون التجنيد الإجباري، ويواصلون توجيه أبنائها للحفاظ على هويتهم العربية ورفض الإكراه الإسرائيلي".

وفي إطار الحديث عن النضال الوطني لأبناء الطائفة الدرزية، الممتد منذ الثورة الفلسطينية والذي لم يتوقف حتى يومنا هذا، رغم كل المحاولات الرامية إلى تنحية هذه الشريحة الأصيلة في المجتمع الفلسطيني، تأسس عام 2014 -بشكل رسمي- حراك "أرفض شعبك بيحميك" الهادف إلى رفض سياسية التجنيد الإجباري على غير المتدينين من ذكور الطائفة، والذي شكل حاضنة مجتمعية لهؤلاء الشبان، وفضاء توعويا بمخاطر الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الاحتلال من منظور وطني قومي.

وفي لقاء مع منسقة الحراك ميسان حمدان، أوضحت أن "الحراك بدأ عام 2010، كمجموعة غير رسمية، مؤلفة من شباب وشابات من قرى مختلفة في الداخل الفلسطيني، لبحث العوائق التي تواجه الدروز من النواحي الاجتماعية والسياسية، التي أساسها التجنيد الإجباري المفروض على الدروز، والذي يصادر حق أبناء الطائفة في الاختيار".

وأضافت: "سرعان ما أدركنا أن نضالنا من أجل هذه القضية لا يمكن أن يكون محصورا في إطار درزي فقط، لأن ذلك سيكرس رواية الاحتلال. لذلك، توسع الحراك ليصبح فلسطينيا، غير محدود بمنطقة جغرافية أو طائفة معينة، وشمل أيضا زيارات إلى الفلسطينيين في الشتات".

وتابعت: "كنا نؤمن بأن استمرار التجنيد الإجباري سيؤدي إلى استمرار الشرخ الذي يسبب الفتن والعنصرية، ويكرس الصورة النمطية المغلوطة ويؤدي إلى تباعدنا كأبناء شعب واحد".

وعن أهداف الحراك أوضحت حمدان أنه سعى إلى تقديم الدعم القانوني والمعنوي للشباب الرافضين، من خلال نشر الوعي بحق الرفض، وهو ما تطلب من الحراك جهودا مكثفة لأن مسألة فرض التجنيد ليست حديثة، وفيها كثير من المغالطات المتعلقة بما سيترتب على الرفض، إضافة إلى أننا كنا ممنوعين من دخول المدارس أو المراكز الجماهيرية التي تتبع "الدولة" رسميا.

أسفر الحراك عن زيادة كبيرة وملحوظة في عدد الرافضين، بحسب منسقة الحراك، وزيادة كبيرة في عدد من كانوا مجندين ثم رفضوا الالتحاق بجيش الاحتياط في أوقات الحروب.

وأشارت حمدان إلى أن معظم الرافضين ليسوا علنيين، ولكن بعد الرفض والحصول على الإعفاء، يصبحون أكثر استعدادا لمشاركة قصصهم، منوهة إلى أن هذا يعود إلى الخوف من الأفكار المسبقة التي تقول إن من يرفض التجنيد سيحرم من حق التعليم والعمل والحصول على رخصة قيادة. وهناك فئة أخرى لا تهتم بالتبعات، فتدخل السجن وتعاني داخله حتى تحصل على الإعفاء.

بين صوت المستعمِر والمستعمَر

وفي تفسيرها لأسباب ضعف تأثير الأصوات الرافضة للتجنيد مقارنة بوضوح الصوت الآخر وتأثيره الأكبر في تعميم الحالة، أوضحت حمدان: "الصوت الآخر هو صوت المستعمِر، الذي يقمع أي صوت مقاوم. إن بروز هذا الصوت جعل بعض الأفراد في المجتمع الدرزي أنفسهم لا يترددون في مهاجمتي وتهديدي عندما أعبّر عن رأيي، لأن رأيهم مدعوم من قبل المستعمر. في المقابل، رغم أنني أمثل رأي الأغلبية الصامتة، إلا أن صوتي ليس له التأثير نفسه، لأن الناس خائفة، وهذا الخوف موجود منذ عقود، قد يتغير شكله، لكنه يظل قائما، ويرتبط بشكل أساسي في وجودنا بالمنطقة".