تدوين- يحدث الآن
أدرجت جامعة ييل الأمريكية أعمال الكاتب المغربي محمد شكري الروائية والقصصية في مناهجها الدراسية بشكل رسمي. ويُعدّ الروائي المغربي محمد شكري علماً بارزاً في المشهد الأدبي العربي، إذ حقّقت رواياته شهرة كبيرة لتمرّدها على المحظور والمحرّم في التجربة الروائية العربية، وانطلاقها نحو الواقع الحي، حيث خلط شكري طحين السرد بخميرة وماء الواقع، فعجن بذلك رغيف النصّ.
حقّقت رواياته شهرة كبيرة لتمرّدها على المحظور والمحرّم في التجربة الروائية العربية
بدأت جامعة ييل تدريس روايات شكري عام 2019، لكن الأمر اتخذ طابعاً أكثر اكتمالاً في مطلع عام 2025، إذ أصبحت أعماله جزءاً أساسياً من المنهج الجامعي. وقد مهّد لذلك مؤتمر ضخم نظمته الجامعة عن محمد شكري، تولّى تنظيمه المترجمان المعروفان روجر آلن وجوناس البستي، واستُضيف فيه عدد من الباحثين والأكاديميين الأميركيين المختصين بأدبه.
نُشرت وقائع المؤتمر في كتاب بعنوان "قراءة في الأعمال الروائية والقصصية لمحمد شكري: جوع في الفردوس"، حرّره البستي وآلن، وصدر باللغة الإنكليزية عن دار "روتليدج" عام 2024.
كتاب المؤتمر
ضمّ الكتاب مساهمات أكاديميين من عدّة جامعات أميركية، منهم: قصي العتابي، وحنان بنودي، وإيان كامبل، وأنور التونسي، وتوريا خنوس، وناتالي غزال، ومبارك شريفي. وقد صرّح المشرفون على المنهج الدراسي في الجامعة بأن شكري يُعدّ شخصية محورية في الرواية المغربية في القرن العشرين، واستشهدوا بكلام المسرحي الأميركي تينيسي ويليامز عن سيرته الذاتية "الخبز الحافي"، التي وصفها بأنها "وثيقة حقيقية لليأس البشري، مُحطِّمة في تأثيرها".
ورغم الانتقادات الرسمية الموجّهة إلى شكري بسبب تصويره للمعاناة الإنسانية، والفقر، والدعارة، والمثلية الجنسية، إلا أن نصوصه انتشرت في العالم العربي، وألهمت الفنانين والكتّاب، وفق ما أكده الأكاديمي والمترجم جوناس البستي لـ"العربي الجديد"، الذي أضاف: "نظراً لأهمية منجز شكري في الأدب العربي الحديث، قرّرت الجامعة تدريس أعماله لطلابها".
التعمق في النصوص
الأستاذ الجامعي المغربي جوناس البستي، الذي يدرّس أعمال شكري في جامعة ييل، ويقوم حالياً بترجمة أعماله الروائية الكاملة إلى الإنكليزية - وقد صدر منها حتى الآن "وجوه"، الجزء الثالث من السيرة الذاتية، و"حكايات طنجة" الذي يجمع مجموعتي "مجنون الورد" و"الخيمة" - قال إن الطلاب يتعمقون في نصوص شكري ويحللونها ويركزون على أهميتها الثقافية والسياسية. وأوضح أن قصة حياة شكري تكشف عن جذور شغفه بالكتابة، وتتيح استكشاف ثقافة زمنه والأماكن التي كتب عنها. وأضاف: "من خلال دراسة رواياته وقصصه القصيرة، يعزّز الطلاب فهمهم للبيئة السياسية والاجتماعية التي كتب ضمنها، في ظل النقاشات الجارية حول الهوية، والفقر، والاستبداد، والإرث الاستعماري. باختصار، يشمل هذا المقرر الجامعي جميع أعمال شكري ويضعها ضمن سياق التراث الأدبي العربي".
وختم البستي بالإشارة إلى أن تعريف طلاب جامعة ييل على نصوص شكري أمر بالغ الأهمية في سياق تعليمي وأكاديمي، لما يمثله من صوت مختلف يتحدى الرقابة والتهميش. وأوضح أن تدريس أعماله يساهم في إثراء النقاش حول نزع الصفة الإنسانية، والظلم الاجتماعي، والعنف المؤسسي. كما أضاف أن الجديد هذا العام هو إدخال عنصر التفاعل الشخصي، إذ استُضيف في الصفوف طارق شكري (ابن أخ محمد شكري)، والروائي محمد برادة (صديق شكري)، والصحافيان المغربيان عبد اللطيف بن يحيى ومحمد بو خراز، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الطلاب لطرح الأسئلة ومعرفة تفاصيل لا تتوافر في المصادر الأدبية. وقد ساهم ذلك في جعل التجربة أكثر تفاعلاً وعمقاً، وسجّل لحظة أكاديمية فريدة في تاريخ جامعة ييل الحديث.