تدوين- إصدارات
في الساعات الأولى من صباح يوم 7 أكتوبر 2023، استيقظت إسرائيل على واقع جديد صادم. هجوم واسع شنته حركة حماس من قطاع غزة، أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر ما يقارب 250 آخرين. شكل هذا الهجوم صدمة عميقة في دولة استعمارية اعتادت على التأهب الأمني الدائم، وكشف عن فشل ذريع في منظومتها العسكرية والاستخباراتية.
في كتاب مرتقب بعنوان "بينما كانت إسرائيل نائمة: كيف باغتت حماس أقوى جيش في الشرق الأوسط"، يكشف الصحافيان يعقوب كاتس وأمير بوحبوط تفاصيل ليلة ما قبل الهجوم، والتي كانت مليئة بالمؤشرات التي كان يمكن أن تغير مجرى الأحداث. هذا الكتاب، الذي نشرت مجلة "نيوزويك" مقتطفات حصرية منه، يقدم تحليلاً دقيقاً للفشل الذي أدى إلى السابع من أكتوبر.
مؤشرات مقلقة تُقابل بالروتين والسرية
وفقًا لمقتطفات الكتاب، في مساء 6 أكتوبر، كان الهدوء يسيطر على الأجواء. كان رئيس الأركان هرتسي هاليفي يعقد اجتماعًا روتينيًا عبر خط الاتصال العسكري الآمن، ولم تشر التقارير الاستخباراتية إلى أي خطر محدد. كانت إسرائيل تستعد للاحتفال بعيد المظال، وكان الاطمئنان هو سيد الموقف.
لكن في الظل، كانت هناك إشارات مقلقة تتراكم. واجه قائد وحدة 8200 للتنصت، الجنرال يوسي ساريئيل، عطلاً متكررًا في نظام استخباراتي سري مصمم لاكتشاف الأنماط غير المألوفة في غزة. هذا العطل، الذي استمر لمدة 24 ساعة، أضعف قدرة إسرائيل على التقاط أي إنذار مبكر. بعض المسؤولين يشتبهون حتى اليوم في أن العطل لم يكن مجرد خلل تقني، بل ربما كان هجومًا سيبرانيًا مقصودًا.
وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، تلقى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "شاباك" إشارة أخرى مقلقة: عشرات من قادة حماس قاموا بتفعيل هواتف مزودة بشرائح اتصال إسرائيلية. هذه القفزة غير الطبيعية في حجم الاتصالات كان من المفترض أن تكون مؤشرًا واضحًا. وعلى الفور، تم إخطار قائد المنطقة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، الذي قطع إجازته وعاد إلى مقره.
السرية المفرطة: عائق أمام اليقظة الميدانية
على الرغم من أهمية هذه المؤشرات، إلا أنها قوبلت بحذر مبالغ فيه. اعتبر بعض ضباط "الشاباك" أن تشغيل هذه الشرائح مجرد "اختبار سنوي"، مستندين إلى واقعة مشابهة لم تسفر عن شيء في العام السابق. لكن القرار الأكثر خطورة جاء من رئيس الأركان هاليفي، الذي طلب حصر تداول المعلومة ومنع تسجيلها خطياً.
يخلص مؤلفا الكتاب إلى أن هذا القرار بالسرية المفرطة قيد يدي فرقة غزة ومنعها من اتخاذ إجراءات دفاعية مثل تعزيز مواقعها أو نشر قوات إضافية. هذا التقييد كان بمثابة فرصة ذهبية لحماس، التي استغلت غياب التحركات الإسرائيلية لإنهاء استعداداتها للهجوم.
نظام "الجريز" الاستخباراتي: تحذيرات ضاعت في الزحام
مع تقدم الليل، استمرت الإشارات المقلقة في التراكم. وفي الساعة الثانية فجراً، تلقى رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار اتصالاً من مساعده يبلغه بتحضيرات "غير واضحة" في غزة. المعلومات كانت مبهمة، لكنها مثيرة للقلق. وتبين أن قادة ميدانيين من حماس نزلوا إلى مجمع أنفاق تحت الأرض.
على الرغم من أن التقديرات الرسمية تعاملت مع الأمر على أنه تدريب روتيني، إلا أن بار لم يقتنع. غادر منزله مسرعاً نحو مقر الجهاز في تل أبيب، وأرسل أوامر عاجلة لعقد اجتماع طارئ في الساعة الثالثة والنصف صباحاً.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك مؤشرات إضافية لم تصل إلى أعلى المستويات في الجيش أو "الشاباك"، بل بقيت عالقة داخل جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان". هذه المؤشرات تضمنت تقارير عن إزالة الأغطية الواقية لمنصات إطلاق الصواريخ وزيادة لافتة في حجم الاتصالات الداخلية في غزة. لكن هذه المعلومات لم تصل إلى كبار القادة، مما أدى إلى بقاء الإجراءات الميدانية في حدودها التقليدية.
الخلاصة: فشل متعدد الأبعاد
يكشف كتاب "بينما كانت إسرائيل نائمة" عن فشل متعدد الأبعاد: فشل تقني في نظام المراقبة، وفشل في التقدير الاستخباراتي، وفشل في التنسيق بين الأجهزة المختلفة، وأخيرًا فشل في القيادة التي فضلت السرية على اليقظة. هذه العوامل مجتمعة هي التي سمحت لحماس بشن هجوم غير مسبوق، وأدت إلى واحدة من أكبر الصدمات الأمنية في تاريخ إسرائيل الحديث.