الأربعاء  19 تشرين الثاني 2025

​"تاريخ العطش"..زهير أبو شايب يروي ظمأ القصيدة بماء غزة والمجاز

2025-11-19 08:58:52 AM
​

تدوين- إصدارات

بعد صمت شعري امتد لتسع سنوات منذ صدور مجموعته "مطر سرّي"، يعود الشاعر الفلسطيني الأردني زهير أبو شايب ليثري المكتبة العربية بإصداره الجديد "تاريخ العطش"، الذي صدر حديثًا عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. تقع المجموعة الشعرية السادسة في تجربة أبو شايب الممتدة في 161 صفحة من القطع المتوسط، مشكلةً إضافة نوعية لمسيرته التي تتسم بالتجريب والعمق الصوفي والجمالي.

يستهل الشاعر ديوانه بعتبة إهداء مكثفة تقارب الوجع الراهن، جاعلًا من "الأم" و"غزة" أيقونتين لـ"العطش الكامل". وفي مشهدية تماهي بين الذات والحدث، يرسم أبو شايب صورة لليل غزة حيث الكائن "جالسٌ يتفرّج منذ الصباح على الليل"، عاجزًا عن النوم أو الموت قليلًا كالأطفال هناك، مستحضرًا حضور الشهداء الأبدي الذين يزورون الحياة ليؤكدوا بقاءهم رغم إغماض العالم عينيه عنهم.

أبو شايب يوقع ديوانه تاريخ العطش

ويُشيّد أبو شايب معمار مجموعته الجديدة عبر خمسة فصول تحتضن أربعًا وستين قصيدة، تتنقل بالقارئ في رحلة روحية تبدأ من فصل "يسير داخل نفسه"، مرورًا بـفصول "قلبكَ يا نبع"، و"لو أنني مطرٌ"، و"حفيد الماء"، وصولًا إلى الخاتمة في "دفتر الأحوال والمقامات". وتتسم هذه الفصول بمرجعيات نصية عميقة تتراوح بين المقدس والأسطوري؛ إذ يفتتح فصله الأول باستعارة لحظة العطش المسيحي من الإنجيل ليعلن اكتمال الألم، بينما يستعير في فصل "حفيد الماء" صرخة الإمام الحسين بن علي "يا أبتِ، العطش قد قتلني"، ليخلق بذلك "تاريخًا" موازيًا للعطش الإنساني والوجودي.

وتزدحم قصائد الديوان بالرموز والإشارات الدلالية، ففي قصيدة "داجون"، يمزج الشاعر ببراعة بين الموروث الكنعاني الفلسطيني والنص القرآني، راسماً تداخلًا بين طقوس الخصوبة ومفهوم الشهادة والعودة المطمئنة إلى الرب. وفي قصيدة "نهر الله"، يناجي "الطفل الإلهي" ليسير بنا على الماء، مؤسسًا لمناخات صوفية تتغنى بالعطش كحالة وجودية لا مجرد حاجة فيزيائية، وهو ما يتضح في نصوص أخرى تصف القلب الذي يمشي خفيفًا كـ "مسيح طائر" فوق رؤوس الموج كلما ازداد عطشًا.

وقد حظيت التجربة الجديدة باحتفاء نقدي ظهر جليًا في كلمة الناقد والمترجم صبحي حديدي التي تصدرت الغلاف الخلفي، حيث اعتبر أن هذه المجموعة تُرسخ مكانة زهير أبو شايب كواحد من أبرز الأسماء التي تبحر بأمان بالقصيدة العربية المعاصرة، مشيدًا بقدرته على استكشاف المضامين وتجريب الأشكال وسط أمواج الحداثة المتلاطمة، ومؤكدًا أن الديوان يفي بالوعود الفنية التي بشرت بها أعماله الخمسة السابقة.

يُذكر أن زهير أبو شايب، الحاصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة اليرموك عام 1982، يجمع في تجربته بين الشعر والمسرح والنقد، إذ أصدر سابقًا نصًا مسرحيًا بعنوان "بياض أعمى" وكتابًا نقديًا بعنوان "ثمرة الجوز القاسية"، فضلًا عن كونه فنانًا بصريًا ومصممًا غرافيكيًا ترك بصمته المميزة على أغلفة مئات الكتب العربية في مجالات الشعر والسرد، مما جعله شريكًا بصريًا في ترويج الإبداع العربي.

وفيما يلي ما جاء في قصيدة "ليل غزة": 

على حاله

جالس يتفرج منذ الصباح على الليل

لم يستطع أن ينام

ولم يستطع أن يموت قليلا كأطفال غزة

ما من شهيد سيأتي ليأخذه معه

في الطريق إلى الأبدية

والشهداء يجيئون في كل معركة

ليزوروا الحياة وأبناءها،

ويقولوا لهم لم نمت قط.

نحن هنا في الحياة

ولو أغمض الناس عيونهم لرأونا!

على حاله

ليس يفعل شيئا سوى أنه طيلة الليل

ينظر نحو السماء القليلة

لكنه لا يرى

ليس يفعل شيئا

سوى أنه كلما ناحت الطائرات تصدع كالبيت

 وانهار

والتصقت روحه بالثرى

ليس يفعل شيئا سوى الصمت

خشية أن يوقظ الشهداء ويزعج أرواحهم

ليس يفعل شيئا

سوى أنه ليس يفعل شيئا

وإذ يعبر الشهداء خفافا مضائين قي ليل غزة

تعود السماء إلى الأرض ثانية

وتعود الحياة إلى بيتها

مثل أرملة زوجها مات منذ عشرات السنين

وظل يموت من الصمت في كل يوم ويلعن عجزه.