تدوين- راما الحموري
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي بمشاعر الغضب والاستنكار، إثر إعلان فرقة "النور" الإسرائيلية عن تنظيم برنامج غنائي احتفالاً بالذكرى الخمسين لوفاة أسطورة الغناء العربي، أم كلثوم.
وأعلنت الفرقة عن فعالياتها تحت عنوان "الاحتفاء بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق"، مشيرة إلى إقامة حفلات في مدن ضمن فلسطين المحتلة مثل القدس، وحيفا، ويافا، وبئر السبع. ونشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر منصة "إكس" مقطع فيديو للتدريبات، زعمت فيه أن الحفل "احتفاء بالموسيقى العربية التي تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة اليهود القادمين من البلدان العربية" وأنها "جسر بين العوالم".
قوبلت هذه الخطوة بموجة من الرفض الجماهيري الواسع، حيث لخصت آراء النشطاء الموقف بالقول: "لا يمكن فصل محاولة الاحتفاء بأم كلثوم عن سياق كامل وممنهج يقوم به الكيان منذ نشأته". رأى الناشطون أن "السطو" على ذكرى أم كلثوم يندرج ضمن حملة ممنهجة تطال المواريث الشعبية، واضعين هذه الحملة في إطار الاستعمار الثقافي الناعم الذي لا يقل خطورة عن عمليات الاستيطان.
حرب على الهوية: تاريخ من السرقة الثقافية
تأتي محاولة استغلال إرث أم كلثوم في سياق أوسع من المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على التراث والفولكلور والعادات والتقاليد العربية، في معركة مستمرة على الهوية بدأت بعد نكبة عام 1948.
وشمل ذلك نهبا ثقافيا ممنهجا كما سرقة الفولكلور وسرقة المأكولات، إذ يؤكد مؤرخون إسرائيليون، مثل أريئيلا أزولاي وآدم راز، أن سرقة الممتلكات الثقافية والتراثية (بما في ذلك الكتب والمخطوطات والصور) لم تكن عمليات فردية، بل جزءاً من سياسة إسرائيلية ممنهجة لإفراغ فلسطين من سكانها الأصليين ودعم مقولة "أرض بلا شعب".
كذلك لم يسلم التراث الغذائي من هذه المحاولات، فرغم رسوخ مأكولات مثل الفلافل والحمص في ثقافة البلدان العربية، أدرجها الإسرائيليون مراراً ضمن فعالياتهم. ففي صيف 2023، احتفت السفارة الإسرائيلية في كندا بالفلافل معتبرة إياه "الطبق الوطني" لإسرائيل. كما تسوّق الشركات الإسرائيلية الكبرى الحمص إلى الخارج تحت عنوان "حمص إسرائيلي أصيل"، وتستغل "اليوم العالمي للحمص" للاحتفال بـ"الحمص مذاق إسرائيل". وتشمل قائمة الادعاءات الإسرائيلية أطباقاً مثل المسخّن، والمقلوبة، والشكشوكة، والمفتول، والشاورما.
وكذلك لم تسلم الدبكة أيضاً من يد السرق الإسرائيلية، حيث قامت فرق إسرائيلية بإدخالها في برامجها وترجمة بعض الأغاني الفلسطينية الخاصة بها إلى العبرية.
التراث سلاح المقاومة في مواجهة الطمس والتهويد
في مواجهة هذه التحديات، يسعى الفلسطينيون إلى الحفاظ على هويتهم عبر آليات رسمية وشعبية. ويحتفل الفلسطينيون في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام بـيوم التراث الفلسطيني، بناءً على قرار مجلس الوزراء عام 1999، بهدف الحفاظ على الهوية من محاولات الطمس والتهويد.
وفي ظل الثورة الرقمية التي سهّلت التشويه والتضليل، يطالب الباحثون بضرورة قيام الجهات الرسمية العربية والجمعيات المعنية بتوثيق الموروث الثقافي عبر الأدلة والبراهين في المحافل الدولية. وذلك مع التأكيد على أن العلاقة بين التراث والمقاومة من نوع خاص، حيث يمثل التراث وسيلة للتعبير عن الهوية والحفاظ عليها، وله دور مهم في تغذية روح المقاومة وتشكيل الذاكرة الجماعية في وجه محاولات الاحتلال المستمرة لطمس التاريخ وسرقة الأرث الثقافي.