الأربعاء  25 كانون الأول 2024

اليرغول والسر الأول

2015-06-02 04:11:33 PM
 اليرغول والسر الأول
صورة ارشيفية
أمير داود
 
لم يستطع عليّ ابن أبي طالب أن يكتم السر الذي باح به النبي محمد له، فألقاه عليٌّ في غابة القصب، فأخذ القصب سر الأرض والسماء. حُزن القصب؛ هو حنينه العميق إلى غاباته التي قطع منها/ هكذا تكلم عنها العالم الصوفي الكبير محيّ الدين بن عربي. اليرغول، صنيعة القصب الأساس، نشيج عرس الفلسطينيين المغموس بالحزن البعيد الذي يشلع القلوب ويحبس الأنفاس. لا يمكن فكفكة ثنائية الحزن/الفرح في موسيقى الأفراح الشعبية الفلسطينية دون العروج على أدواتها، ودون الكشف عن سياقاتها الموغلة في الحضارة. واليرغول/الأرغول أبرع هذه الأدوات. والقضية في فلسطين سياقها الأثير الوقّاد. 

كل عرس في الدنيا له خصوصيته الباهظة المعلنة على الملأ، تستدعي اللحظة فيها حمولتها السعيدة، ثم تنكفيء في لحظة مشاعرية خاصة على أحزانها. أحزانها الكثيرة في استحضار من ذهبوا عبر رحلات الدفاع الكثيرة عن الأرض والقضية والإنسان عبر العصور.

في فلسطين، تعتلي خصوصية اليرغول خاصية أخرى، خاصية متمايزة صنعها النشيج القادم على جناح الأصوات التي تبعثها أدوات "نفخ الريح في قصب الوديان البعيدة". بهذا الحال، لا يمكن إحداث ذلك الفصل الواضح بين الموسيقى الشعبية الفلسطينية وأدواتها الأساس، ثمة تزاوج مخلوط بإحكام بينهما. تعتمد الرقصات الشعبية: الدبكة والزفة على هذه الأدوات في اختلاط يظهر فعّالاً بين رقصات الأفراح، وزغاريد البطولات المغموسة بالأحزان والأتراح على حد سواء.

واليرغول، كأداة نفخ، تتكون من من قصبتين مضمومتين جنباً إلى جنب، وإحداهما أطول من الأخرى، يطلق على الأولى "البالوص" وتستخدم في إحداث قرار متواصل، أو توفيق الدندنة عليها، والثانية "الركزة" وهي القصيرة، فينقل الزامر أصابعه على ثقوبها الستة لتغيير النغمات، بحيث يعطي كل ثقبٍ منها نغمة متمايزة من نغمات السلم الموسيقي، وبهذا يستطيع الزامر أن يحدث ذاك التوافق اللذيذ بين الكلام المغنى الذي يرافق الإيقاع، والتنقل في هذه النغمات إلى  مقامات جديدة يتقنها العازفون.
 
تحتوي الاسطوانتان أنبوبتين رفيعتين لكل واحدة منهما فتحة أخرى من الأسفل، ويضعهما الزامر في فمه، ويغلق عليهما شفتيه، ثم يحدث ذاك الصوت البديع بعد النفخ. 
 
حديثاً، وبحسب ما أشار الزجّال والشاعر الفلسطيني موسى حافظ عبر صفحته فقد طور العازف الفلسطيني "هاشم سويطات" آلة جديدة مشتقة من عمل اليرغول وقام بتسميتها "السويطية" وهي آلة قادرة على عزف العديد من المقامات التي لم يكن بوسع اليرغول عزفها مثل (الرصد والنهاوند والعجم).