الأربعاء  25 كانون الأول 2024

الظل والعُود الأعوج

أبجدية ضوء..

2015-06-30 03:26:01 PM
الظل والعُود الأعوج
صورة ارشيفية

إبراهيم رحمة
 
قديما – ليس قديما جدا – قال 'توماس إديسون': 'لكي تخترعَ؛ أنت في حاجة إلى مُخَيّلة جيدة وكومة خُردة'؛ لنضع هذا جانبا الآن ونتمادى في بعض الـمُسلَّمات التي تبدو لكثيرين بِدَيْهِيّات لا جدال فيها أو عليها؛ ولا نقاش حتى؛ والتي هي على شاكلة ' لا يستقيم الظّلُ والعُودُ أعوجُ'؛ حيث بات من العادة استقامة هذا الظل إذا ما كان مصدر الضوء مُقابِلا أو مُدابِرا لاعوجاجِ العُود ولا يكون مُجانِبا له؛ مثلما أصبح في الإمكان السّباحة عكس التّيار بل أكثر من هذا؛ أكّد بعضُهم على أنّ السّمك الحيّ هو الذي يسبح عكس التيار.

أسُوق هذا الحديث؛ وأنا أسجِّل في يومياتي حالة 'اللاحضور المزمن' والمزمنة هي الأخرى لدى الفرد العربي في عمومه – لا أتكلم في هذا المقام عن حالات يقظة فردية يَسِمُها المجتمع بالشذوذ –؛ هنا أيضا ويا للمفارقة لم يعد الشاذ يُحفظ.
 
إذًا فحالة اللاحضور لدى الفرد تَمَكّنت حتى صبغت جميع مظاهر الحياة لديه؛ حتى تُـخَيَّل للدارس استحالةُ الحَرَاك واستحالةُ الفاعليةِ في عالم تَتَواتر نجاحاتُه – سواء أكانت هذه النجاحات في صالح البشرية أو في طالحها – فما يُهِمّ في الأمر هو فِعْلُ الحَراك في حد ذاته – والذي نَفْتقده - للبرهنة على أننا كائنات فكرية حية؛ قبل الوصول إلى الفاعلية الإيجابية.
 
وأيضا أسوق هذا الحديث للعودة إلى مقالة 'توماس إديسون' السّابقة الذكر.
 
إنّ الخردة مُتوَافرة على يميننا مثلما هي على شمالنا بل وفوقنا وتحتنا وما تحت الأرض؛ أمّا الذي يَعُوزُنا وجودُه فهو الـمُخيّلة الجيدة؛ إنّ هذا الأمر ما هو إلا نتيجة طبيعية لِفِعْل إلغاء العقل واعتناق السّكون؛ ليس هذا بسبب ما درجنا على تِعدادِه ضِمْن مُعِيقات النهضة؛ إنّ الاستعمار – الاستدمار – لم يعد الشماعة المناسبة التي نُعلِّق عليها فشلَنا في جميع الأصعدة عدا صعيدٍ واحدٍ هو الفشل.
 
إنّ الـمُخيّلةَ الجيدة نَقيضُ الجامديّة بدءا من الشّعور بخارج الجسد؛ مُرورا بضرورة إيجاد مُقارَبةٍ حياتية للكائنات المحيطة قَصْد تَخليق علاقة تَرابُطِيّة تُؤدّي إلى تَوظيفِها – الكائنات – في عمليّة الاختراع؛ لا يجب فَهْمُ الاختراع في شِقّه المادّي وحسْبُ بل علينا ومن أجل قراءة استنباطية صحيحة أنْ نُسْقِط المفاهيم وِفْق المبدأ الأساس في الوجود والذي يَنُصّ على وحدوية القانون الكوني.
 
الفردُ الذي لا يُلْفِت انتباهَه (بفتح الهاء) الموجودُ (بضم الدال) اليوميُّ حوله ويَتَفاعل مِزاجيًّا مع حَدَثِ هذا الموجود؛ لن يصل إلى معرفةٍ صحيحةٍ عميقةٍ لِكُنْهِ وُجودِه هو في حدّ ذاته؛ بل سيمضي وجودُه هذا على هامش الحياة ما لم يكن وقودا أُحْفُوريًّا لآخرين.
 
تَكْمُن الإشكالية في إدراكِ الفردِ أنّ الـمُخيّلةَ في حاجةٍ إلى الغِذاءِ مثلها مثل الجسد؛ عندها فقط يُمْكِن الحديثُ عن بَدْءِ زمنِ الحُضورِ الواعي وانحسارِ القِيَمِ الجليديّةِ الـمُتراكِمةِ.