الأربعاء  25 كانون الأول 2024

«ديغراديه» فيلم من غزّة عن مجتمع النسوة

بين الحصار الصهيوني والاجتماعي… المرأة تداوي مواجعها بالسخرية

2015-07-23 11:25:28 AM
«ديغراديه» فيلم من غزّة عن مجتمع النسوة
صورة ارشيفية

 

الحدث- زهرة مرعي

«ديغراديه» هو الفيلم العربي الوحيد الذي اختاره «أسبوع النقاد» للعرض من بين مجموعة أفلامه التي تشكلت من 11 فيلما طويلاً، و12 فيلماً قصيراً. في محطة أسبوع النقاد الثانية في بيروت بعد عروض في مدن فرنسية، كانت الخاتمة مع «ديغراديه» الآتي من غزة المحاصرة. 
هذا النشاط الثقافي المميز تمّ بالتعاون والتنسيق بين جمعية متروبوليس والمعهد الثقافي الفرنسي، ويستقطب عدداً كبيراً من المشاهدين، نظراً لأهمية الأفلام التي يعرضها، وهي عادة الفيلم الأول أو الثاني للمخرج.
«ديغراديه» من إخراج الأخوين التوأمين طرزان وعرب ناصر. إنتاج فلسطيني قطري مشترك. فيلم يدخل في حيز زمني محدد، هي مساحة أقل من اليوم. وفي حيز مكاني ضيق جداً، هي مساحة صالون صغير للتزيين النسائي يقع على شاطئ غزة. فيلم من 84 دقيقة، اختصر للعالم حياة سكان غزّة المحاصرين. عدد من النسوة كنّ داخل صالون التجميل الذي تمتلكه امرأة روسية متزوجة من مهندس فلسطيني، عندما اندلعت اشتباكات مسلحة بين شرطة حماس ومسلحين من عائلة تشكل مافيا سرقوا أسداً من حديقة للحيوانات. ما يدور بين النسوة المحاصرات يعبر بشكل كامل عن حياة الناس في غزة. بنكهة من الكوميديا الأكثر سواداً تصلنا تفاصيل تلك الحياة. أهل غزة يشبهون غيرهم من البشر إنما مشكلاتهم تتضاعف نتيجة الاحتلال والحصار. كمثل انقطاع الكهرباء وعدم توفر المحروقات لتوليدها. 
فيلم شفاف. تظهر فيه النساء مواجعهن النفسية والإنسانية، من دون أقنعة. النسوة المحاصرات يقدمن للمشاهد صورة تلو الأخرى عن البيئة التي ينتمين إليها. بيئة لها خصوصيتها بعيداً عن الاحتلال والسياسية والحرب. لبعض الوقت تتراجع السياسة، لتبرز مكانة المرأة في مجتمع محكوم بالفكر المحافظ لحدود التزمت. تعبر النساء إنما بحدود الصالون المقفل. مكان ضيق شكل واحة أمان لهن. عندما تتضاعف أزمات المجتمع يظهر انعكاسها جلياً على المرأة. وهذا ما نقله «ديغراديه. لا شك أن النسوة لم يقلن كافة مواجعهن. أن نكتشف النساء في غزّة، وفي هذا الحيز المحصور، صورة وصلتنا في غاية التشويق. تتبدل الصور قرباً أو بعداً من وجه المرأة المعنية فقط. ومع ذلك تمتع الفيلم بحيوية كبرى، وقدرة اجتذاب خارقة لتلقي المزيد من تلك السخرية المرّة التي تميز النسوة. نسوة من شرائح اجتماعية مختلفة ومن أعمار مختلفة. وكذلك من مستويات مختلفة لجهة الارتباط بالدين. منهن الخائفة من أي خرق للسائد. ومنهن من تنهشها الرغبة. ومنهن من ترفض فكرة العمر والتجاعيد. فيلم ليس فيه سياسة، لكنه في صلبها. أضحك المشاهدين كثيراً. فالممثلات تمتعن بالتعبير الساخر النابع من صلب الحياة وغير المركب. حاول الأخوان ناصر علاج مآزق المجتمع من خلال المرأة. ومعروف أن المرأة شكلاً ومضموناً تنبئ بحال المجتمع. وليس عبثاً إهداء الفيلم من قبل المخرجين «إلى أمي». 
أن تتواجد في هذا الصالون النسائي عروس تستعد للزواج، وأخرى تستعد للطلاق، ومساعدة المزينة تبكي، فالنكد والسباب والإهانات هو حالها مع حبيبها أحمد. وكذلك المرأة التي يداهمها الطلق في أقصى لحظات الاشتباكات قوة. أما المتزوجات من النساء المقبلات على التجميل، خاصة بـ»الحلاوة» فيشبهن سواهن. الزوج العاجز جنسياً لإصابته خلال العدوان الصهيوني على غزة. الزوج المسكون بالتدين والمقيم ليل نهار في الجامع. وفي الصالون هناك الثرثارة المهضومة. النكدية العصبية التي لا يعجبها العجب. المريضة بضيق التنفس. الحماة والكنة. احداهنّ لم تستغل فرصة وجودها بين جمع نسائي، بقيت على حجابها وثوبها الأسود. تقف بالمرصاد لكل امرأة تترك للسانها أن ينفلت بدون ضوابط، سلاحها الدعاء ولا شيء سواه. الشخصية الأكثر هدوءاً هي صاحبة الصالون. عندما تدور الاشتباكات العنيفة يُطرح عليها السؤال: شو مقعدك هينا.. متروْحي ع بلدك. الجواب: ما بِعرف اعيش إلاّ هينا!
تلفزيون الصالون مصوّب على قناة الميادين، حيث مراسلها من فلسطين ناصر اللحام. «فكونا من السياسة» تقول إحداهن. تبدل صاحبة الصالون المحطة لأخرى غنائية. تنقطع الكهرباء، يُشّغل المولد، وتبدأ النكات. «أكتر واحد نجابت سيرتو في العشر سنين الاخرنيات هو مدير الكهربا وامو ومرتو وخواتو». معبر «ايرتز» نحو الضفة يحتم على العابر المرور بثلاث حكومات: حكومة حماس. حكومة السلطة، وحكومة إسرائيل التي يمكن أن «تحكم على العابر بثلاث مؤبدات»؟ 
وللأسد الذي جعل اولئك النسوة يتكومن بعضهن على بعض حصة من التهكم. هو «أسد عز بيوكلش بوظة إلا من عند كاظم»؟ وكرجت النكات عن الأسد والأرنب. الرصاص يلعلع في الخارج. الحلاوة تسيح على هيام عباس. تركض إلى الدوش. تُسأل امرأة: شو بيشتغل جوزك؟ كان يشتغل هلق بيصلي 24 ساعة.. فاهم الدين غلط. «السوسات» التي لا تفارق فم احداهن وكذل سيل الكلام. امرأة تشبه عصارة من الكوميديا، تقلب كل ما في الحياة إلى نكتة.
إلى الصالون يدخل أحمد مصاباً ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن ثم تدخل شرطة حماس وتعتقله. وينتهي الفيلم على أحمد في الشاحنة وبقربه الأسد والاثنان بين الحياة والموت. أما نجمات الفيلم الذي تمّ تصويره في الأردن فهن هيام عباس، ميسا عبد الهادي، منال عواد، دينا شهيبر، ميرنا نخلة وفيكتوريا باليتسكا.

المصدر:القدس العربي