الأربعاء  25 كانون الأول 2024

المجانين ينسجون تحفة أدبية بقالب جديد

2015-08-16 05:46:08 PM
المجانين ينسجون تحفة أدبية بقالب جديد
صورة ارشيفية

 

#الحدث- رولا خالد غانم

صدرت رواية مجانين بيت لحم للأديب والصحفي أسامة العيسة عام 2013 عن دار نوفل في بيروت وتقع في 254 صفحة من الحجم المتوسط.

 
اشتملت الرواية على عنوان رئيس وعدة عناوين فرعية. عنوان الرواية (مجانين بيت لحم) عنوان لافت يشد انتباه القارىء، فيصر على اقتحام الرواية لاكتشاف عالم المجانين، وهذا ما حدث معي بالضبط كقارئة. إن رواية مجانين بيت لحم موسوعة تزخر بالمعلومات التاريخية وغير التاريخية، تروي عدة قصص تلامس الواقع من خلال عالم المجانين، وتحوي عددا ضخما من الشخصيات. هي رواية نوعية غير تقليدية خرجت عن المألوف، شأنها شأن رواية إميل حبيبي (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل) التي شكلت ثورة في الخروج على الرواية العربية، علما أن إميل حبيبي قلد فيها رواية (كنديد) للفيلسوف الفرنسي فولتير.

مجانين بيت لحم جديدة من حيث البناء والموضوع. رواية تعرض أحداث حقيقية مهمة وعلى ما يبدو أن الكاتب قد استفاد من مهنته كصحفي يواكب الأحداث أولا بأول؛ مما ساهم في إنجاح روايته التي غطت الكثير من الأحداث الواقعية، الكاتب يقول "في هذه الرواية قليل من الحقائق، كثير من الخيال، وثرثرة" وأنا بدوري أقول وإن صح قولي "في الرواية كثير من الحقائق، قليل من الخيال، وثرثرة"، حقائق محبوكة بطريقة محكمة وجميلة لا ينقصها عنصر التشويق.

الرواية لم تكتسب أهمية كبيرة من كونها خرجت عن البناء الروائي المألوف فحسب برأيي، بل من كونها اتسمت بالجرأة حيث مست الكثير من القادة بأسلوب تهكمي ساخر، ومست السلطة الفلسطينية، وتجاوزاتها حين عرضت قضية جاد أبو عفرة مثلا الذي أغلقت صحيفته التي بعنوان (البلد) بسبب صراحتها وتعرضها للسلطة فاتهم صاحبها بالجنون.

واتسمت بالجرأة حين تحدثت عن اتفاقات السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي وخصوصا اتفاق أوسلو الذي خيب الآمال، بطريقة هزلية.

الرواية تطرقت إلى قضية واقعية ومهمة ألا وهي قضية تناقض الإنسان الشرقي، فبشير في الرواية كان يسكر ويصلي في آن واحد ويقول: "الله سيعاقبني على واحدة ويجازيني على الأخرى" فاستحضرتني نوال السعداوي هنا التي وصفت الرجال الشرقيين، في إحدى رواياتها لا أذكر اسم الرواية بالضبط، بأنهم يحوقلون ويصلون في المساجد ويقيمون علاقات غير شرعية.

معين عبد ربه، أحد شخصيات الرواية يقول: "إن الرجل أكثر إخلاصا من المرأة" ولا يثق في جنس حواء ويخون زوجته.

سلوم قتل أخته سليمى على قضية شرف واتضح أنه عميل للإسرائيليين، هذا الإنسان الذي يدعي أنه يتحلى بالأخلاق والقيم خان وطنه، وخيانة الوطن أكثر فظاعة، أو الأمران سيان.

الرواية تحدثت عن العادات والتقاليد في فلسطين سواء في الموت أو في المواسم وغيره مما أعطاها رونقا وجمالا.

لن أغفل الحديث عن قضية الوصف الدقيق حيث وصف الكاتب عدة أماكن مهمة منها القصر الجاسري، وقبة راحيل وغيرها مما أثرى الرواية أيضا.

صورة المرأة عند العيسة ليست كالتي عهدناها في الروايات الأخرى، المرأة هنا جريئة جدا في بعض الأحيان كشخصية بهيجة صبري، وبنات شحاته على جنونهن، اللواتي تزوجن في النهاية مع أن المجنونات لا يتزوجن، وفي هذا نوع من التجديد.

تحدث الكاتب عن سطوة الرجل الشرقي فالخال علوي كانت تخشاه نساء العائلة رغم ضعف شخصيته، ودون فرضه أي شيء عليهن ولو بالشكل، يقول الكاتب: "يبدو أنهن كن بحاجة إلى نوع من رجولة معينة ليشعرن بانكسارات أنثوية".

الحديث يطال عن هذه الرواية الزخمة التي بذل الكاتب فيها مجهودا كبيرا، وعلى هذا لا يختلف اثنان. إنها تحفة أدبية، بقالب جديد.
 
 
 غلاف الرواية                                                                              أسامة العيسة- مؤلف الرواية