الخميس  26 كانون الأول 2024

من نظرية "الاحتلال" إلى نظرية "الانحلال"..

أبجدية ضوء..

2015-08-27 09:43:54 AM
من نظرية
صورة ارشيفية
إبراهيم رحمة
 
هل كانت عملية استعمار شعوب جنوب البحر تستهلك كل تلك الطاقات التي استهلكتها وكل تلك الأنفس التي حصدتها وأتحدث هنا عن طاقات المهاجم وأنفسه، لا عن طاقات شعوب جنوب البحر وأنفسها. قلت هل كانت عملية الاستعمار تلك تستهلك كل ما استهلكته لو جاءت بعد التكنولوجيا الفائقة التي عمت الكوكب في أيامنا هذه؟.
 
هي مجرد سؤال مشاكس يريد أن يكون بريئا. فهل كان الغرب غبيا وبليدا عندما آثر الهجوم على الشعوب الجنوبية ولنقل علينا؟، هل كان غبيا وبليدا حيث أنه لم يتعمق أولا في العلوم وبخاصة في شقها التكنولوجي، واعتمد القوة العضلية ولو بشقها الفيزيائي والكيميائي؟، هو حقيقة قد سيطر علينا ولا يزال لقرون كما أنه رمى بنا في بئر الرجعية لقرون أخرى، إلا أنه بالـمقابل يكون قد ضيّع على أجياله رفاهية مـمتدَّة ولم يؤَمِّن بـما يكفي الحياة لها ولا نكون مجانبين الصواب ونحن نقول إنه لو لا تلك الحروب لـما وجدنا الشعوب الغربية تعاني اليوم من الشيخوخة في معدل الأعمار ومن ذاك الكساح في الهرم العمري، كان يمكن لو بدأت بتطوير التكنولوجيا الفائقة أن تحافظ على هرم عمري شاب.
 
في النتيجة نجد أن أوروبا الغازية اعتمدت في مسيرتها للهيمنة على الآخر وإن كانت ناجحة، نظرية "الاحتلال" واليوم بعد كل هذا الكم الهائل من التكنولوجيا وإمكانية التسيير عن بُعْد ليس باللاسلكي فقط بل وبـما لا يخطر على قلب بشرِ ساكنةِ جنوبِ البحر، إنه التسيير الذاتي عن بعد عبر الأقمار الاصطناعية.
 
ونحن في بداية الألفية الثالثة، نـَجِدُنا أمام نظرية رهيبة للسيطرة على كل شعوب الكوكب وليس ساكنة جنوب البحر فقط، إنها نظرية "الانحلال"، هذه النظرية التي قوامها تهيئة محيط الفرد بما يكفي لأجل إعادة غسيل دماغه وقلبه عن بُعْد، بَعدَ عمليةِ برمـجةٍ بعيدةِ الـمدى وهادئةٍ لا يفيق منها هذا الفرد إلا وقد أصبح كائنا آخر هو مَسْخٌ لا حول له ولا قوة، له القابلية لتدمير ذاته تلقائيا في حالة عدم استجابته للمطلوب منه في أجندة النظام العالـمي الجديد، هذا النظام الذي وضع أركانه ذاك المهاجم القديم.
 
بعد كل هذا وكحوصلة نقول أن رجل أوروبا قد ضيّع على بعضه الكثير الكثير، حيث بدأ بنظرية الاحتلال قبل نظرية الانحلال، ونحن ساكنة جنوب البحر بِدَورنا، نكون قد ضيّعنا الكثير الكثير، حيث أننا ونحن في معترك مقاومة نظرية الاحتلال، لم ننتبه إلى أن عدونا القديم الـمُتجدِّد يُغَيّر من آلياته، وينتقل من تلك النظرية الكلاسيكية إلى نظرية أشد خطرا، هي نظرية الانحلال.
 
وبعد كل هذا وذاك، هل نظل بنفس رؤيتنا للأحداث، تلك الرؤية الساذجة العقيمة، ولا نستشرف القادم من النظريات، هي إذا الطامة الكبرى لو نظل كذلك.
 
بسكرة في 23 أغسطس 2015.