الخميس  26 كانون الأول 2024

لا أحد يعرف زمرة دمه، عن إعادة تقديم أسئلة الهوية والوطن

2015-09-15 03:04:43 PM
لا أحد يعرف زمرة دمه، عن إعادة تقديم أسئلة الهوية والوطن
صورة ارشيفية

بقلم: عزالدين التميمي

ليس هروبا كاملا من الهم العام، ولكنه إنشغال حقيقي وذكي وإن لم يبدُ جديدا في ما هو أكثر خصوصية وما هو أبعد من ذلك، يبدو في رواية مايا أبو الحياة الجديدة " لا أحد يعرف زمرة دمه" (دار الآداب، 2015) في تفاصيل المتداول اليومي، وفي نقاشات يومية وعادية جدا، عن الوطن والذاكرة  والمقاومة، تعيد فيها صياغة أسئلة الهوية الفلسطينية، في محاولة جادة لتقديم ما هو جديد وعام، من خلال ما هو تقليدي وما هو خاص.

تدور أحداث الرواية حول عائلة "فلسطينية"، مكونة من أب فدائيّ وأم لبنانية، وإبنتين. تعيش حالات اللجوء والتشت والفقدان، التي تعرضهما الرواية من خلال أحداث مستمرة، ومن خلال محطات مكانية وزمانية وأحداث وعذابات مؤسِسة في حياة الفدائي واللاجئ الفلسطيني، تظهر فيها العائلة في حالتين مختلفتين، واحدة جمعية، أسست لها الرواية من خلال مراحل عامة في تاريخ الثورة الفلسطينية أو حالة اللجوء. وثانية خاصة وإن لم تنته كذلك، في حياة العائلة تحديدا، تفتح المجال لموضوعات عامة أخرى، كان أهمها - كما تريد الرواية - حالة المرأة وإضطهادها المستمر، كجزئية غير منفصلة عن بعد الرواية العام، الإضهاد الذي يبدأ من تشكل العائلة، مع الزواج الذي تجبر عليه الأم ، بقوة السلاح والمنصب، وبإتفاق مسبق مع شقيقها  المجنّد في منظمة التحرير، وتستمر مع نهاية الزواج بالطلاق، وبتشت الإبنتين جمانة من لبنان الى تونس الى الأردن، بدون والدين مع عمة وحيدة لفترات طويلة في عمان، والعنف والقمع المستمرين من الأب ما بعد العودة  -التي لا تريدها الرواية كاملة الى الوطن- ، بوصفهما  على لسان الأب في الرواية، مشاريع عاهرات يحاول بقدر ما يستطيع أن يؤجلها!

تصل الرواية الى مرحلتها الأخيرة زمنيا،  من نقطة البداية في الترتيب الروائي لأحداث القصة الذي يتبعه النص، في تنقل سريع بين الأزمان المتعددة من خلال مستويين مختلفين، إن كان عبر التنقل بين الشخصيات، التي تتحدث عن نفسها، في تقسيم كلاسيكي  تأخذ فيه كل شخصية فصلا من فصول الرواية، أو عن طريق العودة المتسلسة في الأحداث. التي بدأت من موت الأب وإكتشاف جمانة، البنت الثانية، والتي تتحول الى الشخصية الأساسية، أن زمرة دمها تختلف عن زمرتي دم والديها، مما يفتح مجموعة من التساؤلات التي تصبح الجزء الأساسي من حبكة الرواية، حول الهوية الحقيقية لجمانة، ومحاولات وحوارات تستمر الى نهاية الحكاية، لإجابة أكيدة من خلال فحص الجينات الذي لا يحدث.

إن المقاربة التي ينطلق منها النص والتي تتمثل بشكل أساسي في صناعة ازداوجية في تأويل  المعاني التي تحملها حياة العائلة، بين الخاص والعام، والفردي والجمعي، تتزامن مع كل أحداث وأسئلة المادة، بما في ذلك السؤال النهائي  الذي تعيش فيه الشخصية المركزية جمانة،حول هويتها، بحيث يتوزع التأويل بين الهوية الفلسطينية ومآلاتها، أو هوية الشخصية الخاصة، التي تعبر عنها الرواية على لسانها:"ربما لا أكون فلسطينية أصلا" في إعادة صياغة سؤال عام، أو ربما تقديم إجابة متعمدة وغير مباشرة: من هو الفلسطيني؟وفي نفس الوقت، قد يبدو عرض وتكرار الإضطهاد الذي تتعرض له جمانة كإمرأة من الأب، وتزامنه مع سؤال الهوية الأساسي، هل أنت أبي؟ أو من هو أبي؟ قد يبدو محاولة لتقويض قيم الشرف، العائلة، وسلطة الأب، من خلال صدمة سردية، تظهر فيها القيم خاضعة لتحكيم الحقيقي والمتخيل، البيولوجي المتخيل في هذه الحالة.
إلا أنه من المهم القول أيضا، أن هناك نقطة مهمة يقدمها العمل، في خروج عن حالة الأدب الفلسطيني العامة، الذي يقدم الواقعية على المتخيل ، ويتجاهل دوره الأساسي في بناء أي خطاب وطني أو مقاوم، ومحاولة محاكمة التخيلات الجامعة عقلانيا، من أدبيات إميل حبيبي الى تصنيف محمود درويش، في أننا لن نكون شعبا، إلا "حين ينظر كاتب نحو النجوم، ولا يقول بلادنا أعلى وأجمل". في حين تصبح الهوية في هذا السرد هي التخيل، وأن تكون فلسطينيا، يعني  أن تتخيل أنك فلسطيني.