الخميس  26 كانون الأول 2024

"نهاران.. روايةٌ متمردة"

2015-09-15 04:17:51 PM
صورة ارشيفية

 

قراءة: حنان بكير

رواية " نهاران" .. عمل أدبي حداثي بامتياز. تمردت فيه الروائية، لطيفة حليم، على شروط الرواية التقليدية. واعتمدت الأسلوب السرديّ وتداعي الخواطر.. لا توجد في الرواية أحداث تصل الى عقدة الرواية ثم تفكيكها. ومع ذلك فإن السرد جاء سلسلا ينثال بنعومة على شكل خواطر وافكار لامرأة مثقلة بالهواجس والمواقف الناقدة لما هو سائد في المجتمع.
بطلة الرواية، منى ولدت في مدينة أيتزر، في المغربوالتي ستظل تحمل حنينا حارقا لها، أينما حطّ بها الترحال، في هذا الكون وهي التي تدمن السفر بلا كلل. لكنها تكرر في اكثر من موقع".. لا تستطيع كندا ان تمنحنا طفولة المغرب". ولحظة يطرق صوت جدتها ، يحرض ذاكرتها.. فتحضر جدتها تتبختر. تسمعها تغني بلثغة أهل فاس..." قفطان زبيبي لبسو حبيبي"،فالذاكرة على نحو ما، هي بعض من تهويمات منى." هل للذاكرة مكان في العالم؟ أم هل قبور أجدادنا فقط هي الأثر الباقي لهذه الذاكرة؟ هل نشمّ أديم القبور مثلما يشمّ الزعفران؟ ص94.
لفتني عنوان الرواية" نهاران".. بتثنية " نهار"، وهو ما درجنا عليه باللهجة العامية، اذ يجمع ب" يومان" فهل تقصّدت الكاتبة اللهجة العامية، أم الخروج عن المألوف، واجماع العلماء؟ لكني استسغت التسمية، وان أشكلت عليّ في البداية.
لكي لا أكون سوى ذلك الوعاء
كأني مجرد حقل وحرث
لماذا يولد الأنبياء في فراش امرأة.. ص7
تملأ المرأة مساحة الرواية وفضاءها. فالشخصيات كلها من النساء المثقفات والأكاديميّات.. ومن مختلف الثقافات والجنسيات، وتجمعهن هموم انسانية واحدة، إضافة الى موضوع الحداثة. لا أثر للجنس الآخر الاّ من خلال شخصيتين، الأب الذي تحمل البطلة ذكراه، سيما وهو يملأ كفّيه بالماء ويسقيها. ثم شخصية أخرى تمرّ عرضا.." .. تذكر هدية صديقها وليد الذي أهداها عطرا من أجمل عطور العالم، تعرف أنه على علم كبير بفن عطور النساء، وأدباء النرويج.." ص 23. ومن يعرف المفكر النرويجي من أصل عراقي، وليد الكبيسي يدرك انه المقصود، فهو خبير العطور والأدب النرويجي.. لكن الكاتبة لم تشركه في أيّ من الموضوعات التي تطرحها مع بقية شخصياتها النسوية، فربما أرادتها الكاتبة، رواية المرأة بامتياز. زوج صديقتها مي، يمرّ مرورا عابرا ونتعرف على شخصيته من خلال الحوار.
منى الشخصية الرئيسية
 تعكس أزمة المرأة الكاتبة، أو لنقل: علاقة الكتابة والمسؤوليات العائلية التي تحمل عبأها المرأة، وهي برأي علاقة ظالم ومظلوم، ولا تسوية ببينهما، الاّ بغلبة احدهما على الاخر. وها هي منى التي تزور ابناءها في كندا، حيث تقوم بواجباتها العائلية، تحرق طبخة " الهركمة"، وهي تنشغل بكتابة " لحظة" .. لأن" كتابة لحظة تحتاج الى صبر وتأن كثير وأناقة مفرطة.." وهي المرأة المغرمة بالكتابة. لكنها تخشى القراءة " لأن القراءة تخرّب دماغها، وتحرّضها على السلطة الحاكمة وتشعرها بالغيرة من نعيم الآخرين".
تداعي الخواطر.. تحمل البطلة الى الماضي، فيتداخل الماضي بالحاضر، فيبدو مثل هلوسات متشابكة".. مي لا تفهم ما تقول منى، تجدها أحيانا تخلط كثيرا من القضايا كالأطفال..." ص 77.
" نهاران" رواية نقدية، بعيون نسوية. حيث تتعرض الشخصيات، سيما منى، لنقد قضايا كثيرة في المجتمع، وكلها قضايا آنية تطرح نفسها بقوة. وإن بدت مجرد خواطر تدور في ذهنها، فقد سمحت لنفسها بالتفكير بصوت عال. ويبقى النهار الثاني، في شيكاغو، أكثر حيوية من النهار الأول، ربما كان نتيجة التفاعل بين شخصيتين. منى وصديقتها مي الفلسطينية.
جيل الشباب. الاستشهاد بقول الامام البخاري: " الفقر في الوطن غربة/ والغنى في الغربة وطن. "رهام ابنة منى ترى بأن الوطن خرافة صنعها الطغاة والزعماء وبعض الشعراء، وتعلم أن الانسان لا وطن له، وان الحدود الجغرافية مرسومة على الورق، ولا وجود لها على الأرض، وان الانسان يملك كوكب الأرض، الحدود وهم خرافة بلادة... أما ابنها الشاب فيقول:" أنا مواطن عالمي" ص 129.
وها هي مي، تحمد الله لأن ولدها محمد حصل على شهادة مواطن أمريكي. وماذا تعني خيانة الوطن، أن تتركه وتهجره الى الأبد؟ تمارس الحب مع وطن آخر؟ ص 36. ومنى تشعر بالغربة في وطنها، هنا في مونتريال لا تشعر بالغربة، تمشي، تخرج للتسوق من المركز التجاري .... ص 40
موضوع الاندماج أو التأقلم كما تسميه الكاتبة، فترى أن " التأقلم يجعل الانسان يحب وطنه الثاني، اذا كان فيه موفقا، ويحنّ  الى وطنه الأول اذا كانت له فيه ذكريات جميلة.
العمل من أهم القضايا التي تواجه الانسان المهاجر.. فها هي صديقة منى تعمل في دار للمسنين في الدنمارك، وهي حقيقة ان هذا العمل يلجأ اليه الكثير من المهاجرين وحتى من اصحاب الكفاءات العالية.. سليمان زوج مي الذي كان يعمل وكيلا بوزارة المالية في الكويت، بعد أن درس بتفوق العلوم الاقتصادية والسياسية في لندن، يعمل سائقا في شيكاغو!
موضوع الارهاب، الذي شغل العالم، ودمرت بسببه أوطان، يرى الشاب اسد ان أمريكا هي اصل الارهاب، معطيا بعض الامثل.
أما منى فترى أن الإسلام بريء من الارهاب، وأن الارهاب ظاهرة كونية عرفها الإنسان منذ القديم، وأن "الارهاب ليس هو المقاومة وحق الشعوب في الحفاظ على وطنها" ص 40.
في قضية الحجاب تقول منى: "أنا لست ضد الحجاب، لقد غيّرت موقفي، الحجاب يعكس نوعا من الحرية عند المرأة، أنت حرة في قبولك الحجاب أو رفضه، أنا لا أضع الحجاب، ولا أعارض المحجبات".
وفي استغراقها في هلوساتها، لا تغفل منى عن المثقفين المأجورين واصحاب الاقلام الموضوعة برسم الايجار.".. ألا ترين أن شعراءنا يتملقون السلاطين والأمراء والرؤساء والزعماء وحتى الزملاء المتفوقين عليهم هدفهم الحصول على تذكرة سفر، أو علاج في أوروبا وامريكا أو غلاف ماليّ أو جائزة أو مؤتمر أو ندوة.." ص 76.
عدم إفادة المهاجرين العرب من الانجازات العلمية في بلدان المهجر، كان ايضا موضع نقد لاذع وبطريقة مبطنة، مقارنة بالآخر الذي يفكّر بالمستقبل، بينما هم يغرقون في الماضي، انها كارثة، كما تصفها منى". إسرائيليان يحضران الدكتوراه بالجامعة، أحدهما يدرس العقلية العربية كما صاغها الادب والشعر العربي والقيم التي يورثها التراث الادبي العربي للأجيال الجديدة. أما الآخر فيدرس الأنثروبولوجيا، يحضّر دكتوراه حول موضوع المجتمع العراقي في مدينة الناصرية. الكل يتعجب اسرائيليان يدرسان موضوعين مهمين قصد مساعدة بلدهما اسرائيل في المستقبل. أستاذ عربي يكتب أطروحة عن ليلى والذئب !!
حرية الرأي في الغرب ليست حيادية ، تتحدث عنها الكاتبة من خلال الضجة والاستنكار الذي واجهته رواية ديبورا أليس " ثلاث أمنيات"والتي تتحدث عن معاناة أطفال فلسطين! ص 50.
مي الفلسطينية تحمل ذاكرة مثقلة بالحزن والشجون وحكايا المقاومة والرحيل عام 1948.. وتبدي منى معرفة واضحة حول ذلك التاريخ، وتطوّع الطلاب المغاربة لمساعدة الشعب الفلسطيني للحفاظ على وطنه! هذه المعرفة التي تعكس انشغال منى ومعظم شخصيات الرواية بالهم الوطني للعالم العربي. لذا جاءت الرواية كئيبة فيها من الشجن الشيء الكثير، ولا عجب في ذلك إذ ليس في الاوضاع ما يشرح الصدر!
رواية " نهاران" إطلالة جميلة ومهمة على الأدب المغربي، ليس من حيث تصوير انشغال المغرب بقضايا الامة كلها، ولكن ايضا من حيث الاطلالة على القصص الشعبية والاساطير المغربية، الغير معروفة في المشرق العربي. (أكتبي عنها واروي لنا هذه الحكايات فهي ممتعه.(
استعمال بعض التعابير المغربية والغير مفهومة بالنسبة لنا، لم تكن عائقا  في فهم النص، وان كنا نتمنى وضع بعض التوضيحات لها.
إنها رواية مميّزة وحداثية. هي نقد لاذع بأسلوب أنثوي ناعم، ونظرة الى كل ما هو سائد ولكن بعيون أنثوية.