الخميس  26 كانون الأول 2024

روح الوطن بقلم: عبير عليان

2015-09-15 08:48:28 PM
روح الوطن
بقلم: عبير عليان
صورة ارشيفية

 إنت القوي

وإنت الغني

وإنت الدني

يا وطني...

استيقظ خليل على صوت فيروز الذي كان يملأ المكان. نهض من فراشه، واغتسل، ثم ذهب إلى غرفة المعيشة.

- ساجي! صباح الخير.

- صباح الخير خليل.

- لماذا استيقظت مبكراً؟ اليوم الجمعة.

- أقوم بكتابة بحث للجامعة، قلت ابدأ به قبل استيقاظ الزوبعة.

- هاهاهاهاها، الآن فهمت. هل ما زال نائماً؟

- الحمدلله، نعم.

- قل لي، عن ماذا يتحدث البحث؟

- يتحدث عن الاستيطان وأثر المستوطنات على البيئة الفلسطينية.

- أها، دعني أُساعدك. لكن قبل ذلك هل أُحضر لك كوباً من النسكافيه؟

- يا ريت! سأكون شاكراً لك.

ذهب خليل إلى المطبخ، ووضع الغلاية على النار. وغرق ساجي في الكتب من حوله، وعاد يستجمع أفكاره:

- الحجج التي سيطر من خلالها اليهود على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها: أملاك غائبين، ومصالح عامة، وأملاك الدولة... ممممم طيب، لأتحدث عن الاستيطان: حرب الإبادة والاستيطان ملازمتان للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين. فكرة "القومية اليهودية" لم تكن موجودة في وعي يهود العالم، لكن الصهيونية استغلت المناخات المتوترة بين اليهود ومحيطهم، وراحت تعمل على تجنيدهم وتوطينهم في فلسطين و...

قاطعه خليل قائلاً:

- ظهرت فكرة الاستيطان في فلسطين لأول مرة بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد" مارتن لوثر" في أوروبا. تفضل.

ووضع كوب النسكافيه على الطاولة.

- آه خليل! جاءت بوقتها، شكراً

- ولو.

- هيا يا خليلي، أعطني مما عندك.

- حسناً، دعنا نكمل. بعد حركة الإصلاح الديني شرع أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بالترويج لفكرة "اليهود ليسوا مجرد جزء من النسيج الحضاري الغربي، إنّما هم شعب الله المختار ووطنهم أرض الميعاد".     

- يا سلام!!! وأعتقد أنَّ "نابليون بونابرت" اقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين، أليس كذلك؟

- صحيح صحيح. كما قام تاجر دنماركي يُدعى" أوليجر بولي" بوضع خطة لتوطين اليهود في فلسطين، وسُلمت إلى ملوك أوروبا و...

قاطعهم عمران قائلاً:

- يا إلهي!! فيروز ونسكافيه بدوني يا خونة!

نظر ساجي إلى خليل وقال بأسى:

- أتى الزوبعة، سأرسب!

ضحك خليل وساجي طويلاً، بينما نظر إليهم عمران بحقد وقال:

- إن لم تكفا عن الضحك، لا تحلما بسمسمية القدس بعد اليوم.

قال خليل:

- الله لا يذل حدا! حبيبنا عمران.

ثم ضحك ثلاثتهم، وذهب خليل لُيعدّ نسكافيه الصلحة مع عمران.

بعد دقائق، جلس ثلاثتهم سوياً وبدأ كل منهم يقول ما عنده من معلومات لمساعدة ساجي.

قال عمران:

- والآن نعود إلى الاستيطان، عمل الغرب على دمج فكرة الاستيطان مع تقسيم الدولة العثمانية. وتم تعيين أول قنصل بريطاني في القدس؛ لحماية اليهود، لكن كل ذلك باء بالفشل.

- ونجح الأخ "مونتفيوري" في الحصول على على موافقة السلطان العثماني بشراء بعض الأراضي بالقرب من يافا والقدس، وأسكن فيها مجموعة عائلات يهودية.

- ورحنا فيها!

- نعم لكن الضربة القاضية هي وجود منظمة بيكا، والوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي...

- وصار الفلاح الفلسطيني أجيراً في أرضه!!

توقف ساجي عن التدوين وابتسم لهم ابتسامة محبة وامتنان. وقال:

- شباب أنتم رائعون!  شكراً.

عمران:

- ولو.

قال خليل:

- إن لم نكن بجانب بعضنا البعض، فما فائدة صداقتنا؟ دعك من هذا الكلام ولنكمل.

أجاب عمران:

- طبعاً طبعاً، أعتقد أنّه عليك ذكر موقف الشعب الفلسطيني؛  فهو لم يصمت، والدليل على ذلك قيام ثورة يافا سنة 1921، والإضراب الأول عام1927، وخوض 28 إضراباً.

قال ساجي:

- نعم، وثورة الشهيد عز الدين القسام، وفي عام 1936، قام الفلسطينيون بأطول إضراب في التاريخ!

قال خليل:

- ناهيك عن معاناة المزارعين؛ فقد اعترف "دافيد هاكوهين" أنهم كانوا يصبون الكيروسين على البندورة الفلسطينية!

قال عمران بتهكّم:

- وبالآخر بنطلع بنظر العالم بايعينها!!

قال خليل:

- آخ بس. ثم تابع:

- عليك ذكر مراحل الاستيطان، الأولى: من عام1840 حتى1882، لكنّها لم تترك أثراً، والثانية كانت منذ 1882 حتى 1920، شهدت استيطاناً فعلياً بمساعدة بريطانيا، والثالثة:  تكثفت فيها عمليات الاستيلاء على أراضينا،  والرابعة: بدأت عام 1948 حتى1967 وفيها تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على حوالي 77% من الأراضي كما...

أوقفهم صوت الآذان، نظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض، وتحرّك كلٌ منهم بسرعة البرق إلى غرفته؛ لتحضير الثياب ومحاولة اللحاق بالصلاة.

قال ساجي:

- يا شباب أين المكوى؟

- انتظر لحظة وسأحضره لك. أجاب خليل.

سأل عمران:

- أين وضعتم الغسيل؟

- على كرسي المكتب. أجاب ساجي

وبعد الثورة التي أحدثوها في البيت، تمكن ثلاثتهم من اللحاق بالصلاة.

وعند العودة من المسجد، ذهب ثلاثتهم إلى المطبخ. قام ساجي بإخراج الملوخية المفرزة وتحضير الأرز، وبدأ خليل بتتبيل الدجاج. أما عمران فقال:

- من قال إن تحضير الحلوى في السكن حكراً على البنات؟ اليوم سأعدّ لكم كعكةً مميزة.

بدأ كل منهم يقوم بعمله بكل حماسة. بعدها بدأوا بتعزيل البيت؛ فالجمعة يوم التعزيل العالمي. على ساجي مسح الغبار، وخليل ترتيب الغسيل، وعمران شطف المنزل. خلال العمل، عاد النقاش من جديد. قال عمران:

- أحلى ما في الموضوع تقسيمهم الاستيطان إلى شرعي وغير شرعي! فجعلوا المقصود من كلمة الاستيطان هو عدوان عام 1967، أما ما سبقه فدرجوا على استخدام مصطلح "الأراضي المتنازع عليها"؛ تعبيراً عنها بدلاً من "الأراضي الفلسطينية المحتلة".

قال خليل:

-أصلاً لو نرجع لقرار 181، فيُعتبر وجودهم في عكا ويافا والقدس احتلالاً. ومصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة" يعبّرون عنه بـ67، لكن وفقاً للشرعية الدولية هي جميع الأراضي المشمولة بالقرار 181.

قال ساجي:

-أتعلمون؟ عندما استخدم "شارون" مصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة" عشية فك الارتباط مع غزة، تلقى اتصالاً هاتفياً من المستشار القضائي الإسرائيلي محذّرا إياه من استخدام هذا المصطلح،  واستبداله بمصطلح "الأراضي المتنازع عليها".

قال عمران:

- يا لحماقتهم! أيعتقدون أن الحقيقة ستبقى مخفيّة؟

حملق به ساجي قائلاً:

-ليس أحمق من الذي جعلك تقوم بشطف المنزل! ما الذي تفعله في هذه الغرفة حتى الآن؟!

-الشطف مُتعب؛ مما يجعلني آخذ استراحة بين البلاطة والأخرى.

-يا إلهي، ماذا أفعل بك؟

-لمع التلفاز جيداً؛ لنرى "ديبورتيبو بالستينو" جيداً.

قال خليل:

-حتى عمر النادي أكبر من عمر دولتهم الزائلة! وبيجوا بحكولك نحن أبناء البلد ونحن الأصل!

قال ساجي:

-الله يخلي الجالية الفلسطينية في تشيلي، يعطيهم ألف عافية. أصلاً وجود هذا النادي يدل على صمودنا أينما حللنا.

ابتسم عمران بخبث؛ فهو يعرف كيف يتجنب عواقب أعماله.

بعد الانتهاء من التعزيل وتناول الغداء، ذهب كلٌ منهم إلى أعماله: عمران يستكشف المواد التي يدرسها! وخليل يقوم بتحضير تقرير جديد عن الرياضة الفلسطينية، وساجي عاد إلى مكانه ليكمل بحثه.

بدأ يدوّن من جديد:

-       أثر المستوطنات على البيئة الفلسطينية:

1.    عمليات مصادرة الأراضي الفلسطينية وتخريبها.

2.    تدمير الطرق الالتفافية والطرق الواصلة بين المستوطنات؛ بهدف تكتيلها.

3.    إقامة المستوطنات على الأراضي الزراعية.

4.    استنزاف المياه والسيطرة على منابعها ومصادرها.

قال محدّثاً نفسه: وهذه الكوارث البيئية تحتاج لـ10 سنوات للتخلص منها بعد الاحتلال!

أما النفايات الصلبة الناتجة عن المستوطنات:

فيقوم الاحتلال بإلقائها في الأراضي الفلسطينية،  كما هو الحال في منطقة "أبوديس"؛  ففيها مكب مساحته 3000 دونم، خُصص لخدمة المستوطنات. كذلك "جيوس" فيها مكب مساحته حوالي 12 دونم.

وبالطبع لا يوجد منطقة زراعية قريبة من مستوطنة أو معسكر جيش لم تأخذ نصيبها!

وغير ذلك تقوم بتلويث الماء، والهواء، والتربة. ناهيك عن وجود الروائح الكريهة.

أما بالنسبة لتصريف المياه العادمة، فيقومون بالتخلص منها في الأودية والأراضي الزراعية. مثل: مستوطنة "كريات أربع" التي تصب في الخليل. ومستوطنة "شعاري تكفا" التي تصب في قلقيلية.

كما انشأت إسرائيل مقالع للحجارة في الضفة الغربية؛ لقلع الصخور وتكسيرها لاستخدامها في البناء. مما يسبب انفجارات وغبار، كما تعمل على تدهور التضاريس والقضاء على التنوع الحيوي. وعند الانتهاء من هذه الأماكن تقوم بتحويلها إلى مكبات للنفايات الصلبة.

يا إلهي! أشعر بأن رأسي على وشك الانفجار، سأعد كوباً من...

وإذ بخليل يحضر له كوباً من عصير الليمون؛  فهو يشعر بساجي، ويعلم أنّه لا يُفضل تناول الأدوية عند شعوره بالصُداع. بعد ذلك جاء عمران وبيده السمسمية المقدسية التي دائماً تُحسّن مزاجهم؛ فهي من حبيبتهم الصغيرة "القدس".

بعدما تجاذبوا أطراف الحديث، أدركوا أن موعد المباراة قد اقترب؛ فقام خليل لُيعّد البوشار، وذهب عمران لإعداد الشاي، وساجي بدأ يحضّر للجلسة.

بدأت المباراة، وجلس كل منهم في مكانه.

لم ينتبه خليل إلى إصبع يده المحروق من حرارة الطنجرة، ولم يشعر ساجي أنّ البوشار الذي يتناوله محروق، ولم يلاحظ عمران أن الشاي الذي يتناوله محلّى بالملح وليس السكر؛ فكل ما يلاحظونه ويشد انتباههم هو الأعلام الفلسطينية المرفوعة في أكبر بطولة في أمريكا اللاتينية "الليبرتادورس"، وتمكّن الفريق من اللعب بها بعد غياب دام 36 سنة! لكنّها كانت 36 سنة حافلة بالإصرار والقتال من أجل الوصول إلى هذا اللقب.