الأحد  22 كانون الأول 2024

قصيدة: إنها أول فلسطين

2014-08-12 10:31:20 AM
قصيدة: إنها أول فلسطين
صورة ارشيفية


بقلم: وليد الهليس
خاص لـ"الحدث"- السويد

غزة في ليل الهول. هول لا أحد يعرف متى ينتهي، كأنه غول الأساطير يفلت من كتاب الرعب لكي يلغ في لحم أطفال غزة ونسائها وعُزَّلها. مدينة الأقدار التي نهضت تصد عن نفسها، وفي البال منها كل أمتها، وما ذنبها أنها كلما ازدادت بسالة
كلما أمعن الأخوة من حولها في الهوان.
"بم التعلل لا أهل ولا وطن"
فالأهل علّوا بكأس الذل وامتُهنوا
وما تبقى لكم شئ سوى دمكم
هو السبيل الذي يعلوا ولا يهن.
فجر غزة هواء محترق، وشارع محطم وطفل تقاسمت أشلاءَه الجدران والغصون والحجارة.
فجر غزة ذاكرة فلسطين التي كاد يطالها النسيان.
لا وقت لدفن الشهداء في غزة.
لا قبور للشهداء.
القبور للجثث التي ما تزال تشيع عفن أرواحها في صحف  وتليفزيونات أعراب كان يجب أن يهال عليهم التراب قبل خمسة عشر قرناً.
وليل غزة مظلم، لا كهرباء ولا ماء ولا دواء، ولا حتى لحظة صمت صغيرة لتمتمة رجاء لن يصل.
وليل غزة ليس ليلكةً
يتبادل العشاق لمستها
والفجر ليس جناح  قبرَّة
تلقي إلى الأغصان رعشتها
والصبح ليس يمامةً هدلت
ما بين عاشقة وصبوتها
 وأهل غزة يعرفون أن الميت لا تبعثه استغاثة ولا نداء. فمن يجيب النداء هو إنسان، حي وحر، والحياة والحرية شرطان كي يجري دم الشهامة والنخوة في العروق.
مضى زمن ظننا فيه النخوة عربية والشهامة عربية.
أهل غزة يعرفون أن من يستكثر الحرية على أبناء شعبه، لا يمكن أن يكون حراً، وهم يعرفون أيضاً أن العبد الذليل لا نخوة له.
لم يتركوا حجراً
 على حجر
لم يتركوا قمراً
على شباك عاشقة
ولا غصناً تسيل له الغيوم
لم يتركوا قلباً بلا جرح
لم يتركوا عيناً بلا دمع
ولا عشّاً لدوريٍّ
ولا ليلاً تهيم به النجوم.
ولكنها غزة لا تُذلّ.
تقف عارية ومثخنة بجراحها ودائماً عزيزة.
كريمةً دائماً بأبنائها البواسل، تذود عن شرف انتمائها وعن حق أطفالها في الحياة والحرية، حق قدمت لأجله دمها وجوعها وانفرادها في وجه رعب لا يجرؤ على التحديق فيه سوى من حمل بين ضلوعه قلباً مثل قلبها وروحاً عالية كروحها.
غزة القدر العنيد.
هي التي رفعت كفها في وجه قطعانهم:
عودوا إلى أوجاركم،
وتسلقوا حبل الأساطير التي منها انحدرتم،
خلسة اللص،
إلى أعمارنا.
عودوا،
ولا تتوقفوا
ما دون أسوار المدينة
واحملوا معكم توابيت العهود.
عودوا،
إلي البحرالذي من خلفه جئتم
إلي شطآننا.
عودوا،
ولا تتلفتوا
لوداعة الأمواج قبل ولوغكم في لحمنا،
فهديرها العالي يعود.
 عودوا الى أوجاركم،
وخذوا الوصايا العشر،
كاملة، خذوا بالشواء،
وأنبياء كتابكم معكم،
خذوا عار الجنود.
عودوا إلى أوجاركم،
عودوا،
وخلونا نلملم لحم قتلانا،
ونبني بيتنا المحروق
بالصلصال
والدم
والخلود.
غزة هي لؤلؤة التاج على رأس كل حرٍ. إنها تحطم المحارة القاسية لتولد من جديد. غزة التي تنزف دمها، لا شيء يشبه الحرية مثلها، إنها لؤلؤة الحرية، إنها أول فلسطين.