الجمعة  27 كانون الأول 2024

انهيارات الرعب/ بقلم: إبراهيم رحمة

أبجدية ضوء

2015-10-27 01:47:53 PM
انهيارات الرعب/ بقلم: إبراهيم رحمة
صورة ارشيفية

فجأة ودون سابق إنذار نزل الخبر على مختلف قاعات التحرير؛ ليس على قاعات تحرير النيويورك تايمز أو البيبيسي فحسب؛ بل نزل الخبر مفاجئا كل قاعات التحرير في المعمورة؛ وشمل كل الدول حتى تلك المغمورة منها؛ حتى تلك الوكالات الصحفية التي وجدت نفسها رغما عنها على الهامش؛ تلك الوكالات التي لا تجد ما تسدّ به رمق صحفي ينتسب إليها أو مراسل؛

بدايةً حاول مختلف رؤساء التحرير ودون تنسيق بينهم؛ حيث لا يمكن لفكرة التنسيق أن تجد لها مكانا؛ كما لا يمكن لأي فكرة أخرى غير فكرة السبق الصحفي أن تكون؛ حتى السبق الصحفي تلاشت أهميته أمام الخبر؛ الخبر الذي طغى على ما سواه من أخبار؛ إذن فقد حاول مختلف رؤساء التحرير على اختلاف ميولاتهم واعتقاداتهم؛ عدم تسريب الخبر للتأكد؛ لكن الخبر كان واضحا؛ مؤكَّدا؛ جازما؛ دقيقا؛ لا يحتمل أيّ تأويل؛

همس "قنديل واصف رمزي" في أذن زميله: أحقا يكون هذا الخبر؟؛

"قنديل واصف رمزي" من خيرة صحفيي البيبيسي اللندنية؛ صحفي عربي لجأ في بداية عمره من أرض فلسطين؛ وهي الأرض الواقعة على شكل هلال شرق البحر المتوسط وغرب قارة آسيا؛ هي تلك الأرض التي ظلت على مدار آلاف السنين مسرح اقتتال بين بني العمومة؛ وبنو العمومة هؤلاء هم أبناء إسحق وإسماعيل ابني إبراهيم أحد أولي العزم في تاريخ البشرية؛

وقد أدهش الخبر "قنديل واصف رمزي"؛ ظنه في البدء سمكة نيسان؛ وهي تلك السمكة التي ترمز للأكذوبة؛ فتكون عند مبتدأ شهر نيسان من كل سنة؛ غير أنه ما فتئ أن تراجع عن هذا الاعتقاد؛ أوّلا لأنه في شهر آب وفي وسطه تحديدا؛ وثانيا؛ إنّ سمكة نيسان لا تتناقلها وكالات الأنباء؛ ولا يتمّ استدعاء ما في المعمورة من أنظمة سياسية لمختلف هيئاتها والدخول في اجتماعات مُغلَقة؛ كما لا تكون سمكة نيسان سببا في جلسة أمنية مفتوحة لمجلس الأمن الدولي وهو أعلى هيئة دولية تهتم بشؤون الأمن عبر العالم؛ هذه الهيئة التي ما تفتأ كل مرة تخرج عن إطار مهامّها التي تبدو نبيلة لصالح جهات خَفيّة قد لا يُدركها عامة الناس ولا حتى عامة الأنظمة؛ فتجدها تتورط في الوحل العفن للسياسة؛
الأمر المدهش في الخبر أنه استنفر كل من في المعمورة؛ ليس سكان الحواضر والمناطق الخاضعة للتقنية المتطورة وقوانين المعرفة الحديثة فحسب؛ بل استنفر حتى أولئك الجياع من السواحليين شرق إفريقيا والبورانا والبوروبا والزولو في باقي جهاتها؛ كما استنفر عموم أفراد الأبوريجان في استراليا؛ وأيضا سكان المايان والغاريفونا والكزينكاس في جنوب أمريكا وشعوب لاكوتا والهوكان من الهنود الحمر في شمالها؛ بل تعدّى الأمر حدود المعقول واستنفر حتى سكان أقاصي سيبيريا هؤلاء الذين لم يتفاعلوا أبدا مع مُستجَدّ من مستجدات البشرية طيلة أيام التاريخ المعروف؛ وظلّوا يتابعون حياتهم في هدأة من العيش موغلين في الصمت الرهيب فجعلوا من الصقيع الأزلي عندهم عنوان سلام؛ المرعب أنه استنفر بقايا الفيكينغ وشتات الإسكيمو حيث الليل يمتد ثمانية أشهر في السنة؛ فشدّ انتباههم عن مطاردة سمكة مهما بدت صغيرة تحت طبقة الجليد السميكة؛ بكل المعايير المسجلة في فنون الصحافة وربما أيضا تلك التي لم تُسجَّل بعدُ؛ كان الخبر عاصفا؛ آسرا؛

لماذا؟؛ لماذا فقط؟.. أريد أن أعرف..؛ ظل يتساءل "قنديل واصف رمزي" أمام زميله؛

ما أقلق "قنديل واصف رمزي"؛ أنّ هذا الخبر بالذات عِوض أن تَفرَح له البشرية؛ أو أن تمتدّ علاماتُ الإرتياح عناوينَ بارزة على مختلف المحطات؛ ساد مكانَها الوجومُ؛ وساد الرعب؛ بل وساد القلق من الآتي؛ يبدو أن كل جهة تخاف على شيء ما؛ فلا يُعقَل أن يكون خوف البشرية واحد؛ لا يُعقَل أن يكون خوف الأبورجان مثل خوف "قنديل واصف رمزي"؛ ولا يُعقَل أن يكون خوفهما مثل خوف "يهوذا" جاره في المسكن اللندني في جادة البيكاديللي؛ والذي هو أيضا حسب شجرة السّلالة البشرية يكون ابن عمه؛

ويزداد قلق "قنديل واصف رمزي" بعدَ زمنٍ يسيرٍ يمضي؛ يزداد بعدَه الصمتُ عبْر كل منابر الكلام الدولية؛ ويتساءل عن سبب الرعب الذي راح يتسلل ليغزوَ كل بقعة من المعمورة؛ أهو رعب من التعرّي؛ رعب من الحقيقة؛ يمكن تفسير رعب جهات معينة كانت تبدو استفادتها من الأوضاع الدولية القائمة إلى حد ما ؛ ويَتبدّى ابتزازها لهذه الأوضاع في كل منعطف للأحداث كما يمكن تبريره؛ أما أن يكون الرعب من جهات هي المستفيد الأول من الخبر؛ وهي حسبما يبدو للمتابع تكون حريصة على ما وقع الليلة السابقة؛ حرصها على الحياة نفسها؛ فهذا هو المحير بحق؛ إلا أن الخبر لغرابته ومفاجأته فضح الكثير من خيوط القضية التي كانت تُدار في الخفاء؛ وكان يتم التأجيل المتكرر لحلها؛ كانت القضية محل تجارة دولية مثلما يكون في سوق نخاسة مُقرِف؛ حتى أنها بَدتْ مثل لعبة لتماديها؛ فأصبحت بلا نكهة؛ بلا طعم؛ حتى كان قرارُ التّخلي عنها هكذا بكل بساطة الكلمة؛ دون سابق إنذار ودون تمهيد؛ وكان موقف أصحاب القضية؛ هو ما أقلق جياع إفريقيا والسكان الأصليين لكل بقاع العالم؛ أقلق المنبوذين في الهند وأقلق "قنديل واصف رمزي" على حدّ سواء؛ "قنديل واصف رمزي" الذي لاحظ بمجرد انتشار الخبر مُتتالية حَدَثيّة؛ لاحظ استقالة رؤساء التحرير في مختلف الشبكات العالمية للأخبار ووكالات الأنباء التي ظلت المصدر الوحيد للخبر؛ لاحظ حَلّ جميع مجالس الإدارة فيها؛ بعدها لاحظ حَلّ هذه الشبكات والوكالات لنفسها؛ ولاحظ ما هو أخطر من كل هذا؛ لاحظ أن مجلس الأمن الدولي ظلّ مجتمعا مثل حاسوب عملاق دخل في استغراق نمطيّ تحليليّ لأوامر مُعَيّنة فلم يعد في استطاعته الاستجابة مما أدّى إلى شللٍ في جميع وظائفه؛ لاحظ أيضا؛ أن تلك البقعة التي كانت موضوع الخبر تتلاشى فجأة وتتآكل؛ بفعل تجاذبات محلية؛

"قنديل واصف رمزي" كان قد سجّل في دفتر جيبه الذي يُدوّن فيه يوميا مستجداته؛ وقال: فعلا لقد أُسقِط في يد العديد منهم؛ من أولئك الذين ظلوا يمثلون أدوار البطولة..

"قنديل واصف رمزي"؛ كتب عنوانَ الخبرِ الرئيس دون تحريف أو زيادة أو نقصان؛

"قنديل واصف رمزي"؛ كتب: "في قرار مفاجئ وغريب؛ إسرائيل تُقرّر حلّ نفسها؛ مغادرةَ فلسطين؛ والعودةَ من حيث جاءت"