الجمعة  27 كانون الأول 2024

رحل عبد الرزاق عبد الواحد- بقلم: سعد فاخر الغراوي

2015-11-09 09:02:40 AM
رحل عبد الرزاق عبد الواحد- بقلم: سعد فاخر الغراوي
صورة ارشيفية

 

كان كاوتسكي أبرز قادة الحركة الشيوعية العالمية بعد كارل ماركس وفردريك انجلز، لكن مواقفه المؤيدة للحرب العالمية الأولى واتخاذه مواقف شوفينية لتبرير الحرب، دفعت فلاديمير لينين إلى وصمه بالارتداد عن مبادىء الشيوعية التي لا تعرف العنصرية ولا الشوفينية انطلاقا من جوهرها الإنساني.

لكن هذا لم يمنع لينين من تبني موقف كاوتسكي تجاه المثقفين والأدباء والفنانين والشعراء، وجوهر هذا الموقف، إن هؤلاء وبما يملكونه من مواهب وقدرات يظنون أنهم أرفع مكانة من الفئات والطبقات التي ينتمون لها حتى وإن ظلت حياتهم مماثلة لشروط حياة الفئات والطبقات التي نشأوا فيها، وعليه يبرز هذا الصراع الداخلي عند هؤلاء الذي ينتج عنه تعالٍ غير مبرر على واقعهم الحقيقي واضطراب يبعدهم شيئاً فشيئاً عن واقعهم الطبقي، لقد تبنى لينين هذا الموقف وأضاف إليه: أن المثقفين أقدر الناس على ارتكاب الخيانة، لانهم اقدر الناس على تبريرها.


رحيل الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد إلى عالم الأنوار، كون العالم الآخر عند الاعتقاد المندائي ينقسم إلى عالم أنوار وعالم نار، رديف الآخرة في المعتقد الإسلامي، هذا الرحيل سيعيد النقاش ثانية حول إشكالية مواقف المثقفين والادباء والفنانين والشعراء من قضايا الجمهور وهل سيكون مبرراً لهؤلاء اتخاذ مواقف لا يتلزمون بها أو بعيدة عن الجوهر الانساني لقضايا الناس،، وهل ستغفر قدرات ومواهب هؤلاء مهما بلغت من العلو والسمو، ابتعادهم عن هموم الناس واتخاذهم مواقف سياسية واجتماعية خاطئة.

سيحاكم عبد الرزاق عبد الواحد بعد وفاته وينعت بشتى النعوت، وهو لاينفرد بذلك، قبله حوكم سعيد عقل ابرز شعراء لبنان على مدار عقود من الزمن، بدأ هذا الشاعر مدافعاً شرساً عن قضايا الناس وأمته، ولكنه انحدر في الآخر الى الاجتماع مع الإسرائيليين ودعوته لهم بقتل الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية.

كذلك حوكم صاحب أنشودة المطر الشاعر الذي بنى أسس متينة للشعر الحر بدر شاكر السياب، عندما انحدر في أواخر حياته ليمتدح في قصيدة عصماء قتل الشيوعيين عام 1963، ويمتدح الإطاحة باول زعيم للجمهورية العراقية ويمجد حزب البعث، كما روى ذلك عيسى بلاطة في كتاب خص به حياة السياب، وبعد أن رفعه الشيوعيون الى عنان السماء وساهموا بانتشاره.

لا يختلف احد حول شاعرية عبد الواحد، ولا شاعرية وابداع عقل والسياب، ولكن هل يبرر هذا الابداع والقدرات والمواهب لهؤلاء تسخير ابداعهم وموهبهم لخدمة السلطان، أو حتى في انتاج فناعلى الضد من مشاعر الناس؟

هي تساؤلات تظل تلح كلما رحل رجل اشكالي كعبد الرزاق عبد الواحد، ويعود النقاش حامياً كل مرة، وسنسمع الثناء والمديح كما نسمع الشتائم والسباب، ولا نصل إلى نتيجة حاسمة، لأن الأمر ببساطة؛ أن هناك رأيان وتوجهان يحكمان المسألة لا يلتقيان الا حين تعود مجتعاتنا سوية لا تضطر المبدعين الى بيع انتاجهم من اجل العيش.