السبت  28 كانون الأول 2024

قوافل زهر

2015-12-09 02:43:58 PM
قوافل زهر
مرمر عمر

بقلم: مرمر عمر القاسم الأنصاري

السّماء قريبة جداً. حين تغلق كل الطرق بوجهك يبقى السبيل الوحيد لتحقق الحلم الكتابة عنه.

تسعى هذه الورقة إلى قراءة رواية "السّماء قريبة جداً" لمشهور البطران من خلال النظر في طريقة السّرد الروائي في توظيف عناصر منتقاة مستمدّة من معاناة الشعب الفلسطيني بهدف إقامة خطابه الرّوائي الخاصّ وربّما دس آرائه الخاصة كذلك. وإذا كان المقصود بالمعاناة العامّة المعروفة، فقد يكون الأمر بحاجة إلى بعض التّوضيح فيما يتعلّق بمعاناة أسر السجناء ثم السجناء المحررين، خاصة وأن الرواية تتناول حقبة زمنيّة قريبة تمت خلالها العديد من عمليات اغتيال لسجناء خرجوا من السجن بناء على اتفاقيات تبادل وخلال المفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية. ومن خلال النظر في تفاصيل دقيقة تتعرّض حياة الأسرى وأسرهم لتجاهل في العادة.

ولكنّ هذه التّفاصيل ليست هي في ذاتها مركز اهتمام هذه الرّواية، ولكنّ مشهور البطران استخدمها بالدّلالات لكي يقدّم تفسيراً أفضل وصورة أكثر دقّة لمعاناتهم في سياقها العام أو الكبير. مثل المذكّرات والرّسائل الشخصيّة، والذاكرة الشّفوية، والصّور العائلية، وكذلك أشياء أخرى مثل المهارات الّتي يكتسبها السجناء، فهو يبحث في ممارسة البشر اليوميّة لحياتهم وصولاً إلى قراءة ملامحهم التّاريخيّة الّتي تندرج في السياق الزّمني العام، وتلتقي من هذه النّاحية مع فروع معرفيّة مجاورة مثل الأنثروبولوجيا التّاريخيّة، والتّاريخ العقلي الثّقافي والاجتماعي.

يطرح الروائي مشهور البطران في روايته "السّماء قريبة جداً" بين أيدينا موضوعاً آخر نستعين به لمعرفة كيف جرت بعض الإسقاطات وكيفية تجنيد العملاء، بأسلوب جيد وموضوعي يرفع من مستوى الفطنة ولعلّه يساعدنا على تطوير النظرة النقديّة لأي علامة استفهام نجدها في أي علاقة كانت لتوخي الحذر اللازم. بسرد قصصي جميل يصور الكاتب شخصيات فردية من خلال سلسلة من الأحداث والأفعال والمشاهد، وما صحبها من تحرر الفرد من رقة التبعية الشخصيّة "القبائلية" زيدون، وعزّت، نبيلة وأمل، شخصيات لكلّ منها اختلاجاتها وتداخلاتها وانفعالاتها.

والأكثر تطوراً وتغييراً في الشكل والمضمون بحكم موقعه وما لهُ صِلة بالمجتمع الفلسطيني وإشكاليّة العلاقة ما بينه ومابين الكفن، وفن المقاومة كخيار مفروض وإن كانا يعدان أساساً واحداً من الأسس التي قامت عليها رواية الثورة الفلسطينية. كما تتناول الرواية مشكلات الحياة ومواقف الإنسان منها في ظل التطور الحضاري السريع الذي شهده المجتمع الإنساني خلال هذا القرن وما احتوته هذه الرواية من قواعد اجتماعيّة ترجع إلى نقد النزعة القبلية والعشائريّة وأصولهما.

ليس ثمة بطل واحد من بين شخصيات الرواية، فكلّ شخصية هي محور منفرد يلتقي والشخصيات الأخرى في بطولة تتجسّد في حياة جمعت الأبطال معاً ليشكلوا حياة كاملة في قالب كتابي يكشف عن نفسية الشخصيات وإحياء مناخ دلالي عميق على امتداد الرواية، كما أنه كشف عن دوافع الشخصيات وطباعهم سمادار الشخصية اليهودية ووالدها لم أفهم الغاية من ظهور هاتين الشخصيتين في الرواية مع إبراز وجود "اليهودي الصالح" ولست أدري إن كان ذلك رأي الكاتب في شأن وجود يهود صالحين في أرض محتلة من قبلهم، وادعائهم الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في قضيتهم ضد الإحتلال، ثم جعلهم يبدون كضحية للاحتلال مثلهم مثل الفلسطينيين.

أو كما جاء على لسان الراوي "سمادار وأمل ضحة الإرهاب" مع أن سمادار قتلت بأيدٍ فلسطينية وأمل تعرضت للعنف والقمع على أيدٍ صهيونية، وهنا كأن الكاتب يقول بطريقة غير مباشرة بأن الدفاع عن الأرض ومحاربة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين بالرصاص يعدّ جريمة إرهابيّة، ولعلّ الروائي هنا لم يقصد ما ذهبت إليه إنما نظر إلى كل حالة بحيادية وتعامل مع "سمادار" كضحية كونها ابنة ليهودي يعارض وجود الاحتلال.