السبت  28 كانون الأول 2024

للحديث بقية.. بقلم: فاطمة نزال

2015-12-10 11:10:03 AM
للحديث بقية.. بقلم: فاطمة نزال

"1"

سأراك غدا سأراك ، ستتجاوز قدماي كل نقاط التفتيش اللعينة بخفة غزالة شاردة ، ستحتضن أصابعي كفيك الملتصقتين بالشبك الحديدي ، ستقبلك عيناي ، وستتقمص روحي جسد فراشة تحط على كتفك المتعب .

سأكون حبات العرق المتقاطرة من جبينك،

وسأتكوّر كحبات الخرز وأختفي بينها، وأجعل شعري خيوط الحرير الذي كانت بقائمة الطلبات في رسالتك الأخيرة.

هكذا حدثني قلبي وأنا أجهز حقيبة ببعض الملابس والأغراض التي يسمح بدخولها الى المعتقل، لن أنسى قهوتك المفضلة من بن السيد ، آه وقنينة الزيت وكيس والزعتر. كيف لي أن أنسى الزعتر الذي جمعته من جبال دوثان كُرمى لعينيك !

بطني تنتفخ ، ويكبر في أحشائي حلمنا الذي صنعناه ذات شوق مطاردا بالهواجس ووقع أقدام القوة المداهمة .

لم أذكر لقاء حميميا من لقاءاتنا المعدودة دون أن تكون قوات الاحتلال حاضرة تعد أنفاسنا وشغفنا المبتور.

كيف سيكون لقاءنا الأول غدا في سجن مجدو بين جموع المعتقلين وأهاليهم ، بين الصراخ والصيحات والتحايا البعيدة، كيف ستصل همساتنا دون أن تتوه مع صوت الريح بين الخيام؟!! .

"2"

آآه كيف ستمد يدك تتحسس بطني وتدنو

براسك لتسمع نبض حلم صنعناه معا ؟!

أتذكر ماذا همست في أذني عندما سرقنا تلك اللحظات من الجنون ، وضحكنا معا ، يومها قلت لي : أريدها مجنونة مثلك تقامر بحياتها من أجل من تحب ، فأجبتك بل أريده فدائيا يحمل عنفوان أبيه وقلبه العاشق

لا أذكر أن جفنيّ تعانقا تلك الليلة إلا لأستبق الساعات المتبقية لأراك

الخامسة فجرا ، لم يتنفس الصبح بعد تجمعنا عند مقر الصليب الأحمر وركبنا الحافلات التي ستقلنا إلى سجن مجدو

كان أغلب من في الحافلة نساء وأطفال ورجال مسنون ، أخذ مسؤول الرحلة يتلو أسماء المعتقلين المسموح لهم بالزيارة، والأهالي يؤكدون تواجدهم .

انطلقت الحافلات باتجاه شارع حيفا ، أزحت ستارة النافذة ما زالت خيوط الفجر تطل على استحياء تمد اذرعها على امتداد السهل تقبل حقول القمح المترامية كل شيء يعدو مسرعا هاربا ، وأنا المقبلة بكل شوق العالم

أعادتني إلى صخب الحافلة لكزة سيدة ثمانينية تتوكآ عكازها وتجلس بقربي

- رايحة تزوري مين يا بنيتي؟

- رايحة أزور جوزي يا حجة

- لحالك؟

- آه يا حجة لحالي أحمد ما إلو حدى بالبلد هون جوزي من لاجئين غزة وأصله من المجدل

- وشو جابو هون يا ستي

- نصيبه يا حجة نصيبه

إييييه نصيبه ... عدت إلى صخب ذاكرتي تهاوت الصور من الأمس القريب

ما زالت عيناي في دهشة النظرة الأولى ، عندما التقينا في بيت أحد الرفاق وكنت مطاردا

أتذكر كيف دبرت لك مبيتا في بيت جدتي عندما أتيت متسحبا قفزت عن السور حتى لا يصدر الباب الصدئ صوتا ، وحتى لا يتنبه أحد من الجيران؟.

كنت أبقى مناوبة على سطح البيت منصتة لأي حركة غريبة، تصادقني كلاب الحي وتتعاون معي في نباح محموم ، لتعلن لي قدوم قوة مداهمة فجائية؟

وكذا بقيت بعد ارتباطنا يا أحمد أتنقل من بيت لآخر لالتقيك بعيدا عن أعين الفضوليين والجواسيس

إلى أن كان ذلك اليوم المشؤوم يوم اعتقالك على حاجز "طيار" نصب فجأة عند مفرق عرابة وكأنه نصب من أجلك

من يومها لم أعرف لك مكانا ولم تُعرض حتى على محكمة، وفي كل مرة أزور فيها الصليب الأحمر كانوا يخبرونني بأنه غير مسموح لك بالزيارة .

اليوم سأراك ، بعد ساعة او ساعتين ستكون أمامي حتى ولو بيننا شبك حديدي وجنود مدججين وبوابات ، اليوم سأجدد عهدي بالوفاء لك ولغدنا معا