الأحد  22 كانون الأول 2024

خلف جدار الموت لــ يسري الغول.

2014-08-26 11:08:15 PM
خلف جدار الموت
لــ يسري الغول.
صورة ارشيفية

 قصة قصيرة

خرجنا من أخر ومضة واجهتنا، جثونا نحو البعيد . كل منا يحمل سلاحه وأسداله ، نتعثر بخشخشة الثياب على الأجساد. الطائرات تحلق في المدى الفاصل بين الموت والموت، ونحن نتخفى بين انثناءات الروح، نداري أشباحنا خلال مسيرتنا نحو الحدود. الأجساد تلتصق بالجدران الحجارة. الصمت. وعندما ندرك أول منعطف يتجة نحو الشمال تطلق الدبابة قذيفتها، تلقيها بجوارنا فنختفي، نتوسد الرمل، نلتصق مرة أخرى بأجسادنا، ونلزم الصمت. عندما وصلنا نقطة التجمع كنا أربعة فقط، وكان الخامس ما يزال يرقد بسلام بين الألم والموت، اكتفى بما جرى معه تلك الليلة الضبابية الخابية، حين غادرونا الاصقاع المتاخمة للمخيم، بكتف واحد أخذ يعدو، نسي الأخرى او تناساها بينما نحن ما زلنا نجري، نهرب كالمجانين، نتعثر بالموت في كل مكان، ندوس الخوف دون أن ندرك من سيحالفه الحظ بالبقاء على قيد الجنون.

حين ولجنا المنطقة المحددة، انصهرت مع أشباهي. جلسنا القرفصاء، أخذنا نجهز أسلحتنا من جديد، تحدثنا بصوت خافت ملؤه اللهاث الى أن انتهى العزف تحت سمائنا الباهتة، اختفت أصوات الطائرات، تلاشت، كأننا ما زلنا نتسكع في صخب المدينة. لحظتها فقط ضحكنا كأننا في رحلة نحو المجهول الذي يراودنا ضحكنا ثم بدأنا العمل من جديد.

***

مع هزيع ليلنا الأخير بدأت أدندن بأنغام لم أفهم معناها بعد، قمت أتعثر بصخور لم تكن موجودة من قبل، فئران لم تكن قد سكنت المكان تداعب أقرانها، تجري دون أن تأبه بما يجري في هذه البقعة القذرة من العالم.

 هذه الفئران التي لم تتركنا نهنأ في مواقع رباطنا، أخذت تجري تجاهنا دون خوف، كأنها لا تأبه بوجودنا. لحظتها حاول قائد فرقتنا إخافتها فأشعل أضواء بطاريته القديمة، لكنها لم تهرب، بل عادت مرة أخرى تجري بين سلاحنا. ضحكنا وضحكنا حتى أن أحدنا حاول اختراع الحكايا ، فهتف:

هذه التي تجري بيننا "حردانة" وتريد أن تنتحر .

 ابتسمنا بينما تابع الأخير حكايته بجدية أكثر:

 ها هو زوجها قد حضر كي يستجديها عطفاً أن تعود إليه ..

صخب يتعالى، وأنا وحدي يملأني الحنق. تراودني ملامح زوجتي التي غادرت إلى بيت أهلها كي لا تموت معي وتدفن بين الأنقاض. وأنا لا أستجديها عطفاً، لا أتوسل إليها بأن تعود ..."حاولت جهدي أن أثنيها عن قرارها، لكن دون فائدة، كانت تخشى على وليدنا وروحها من الانفجار، الموت في دوامة الصفر..  وأنا المكلوم أغفو على أحزان لا تنتهي" لا أبالي بعودتها ، ولن أفعل.

***

 هذا الفأر الغبي، إنه يغيظني، يثير بداخلي خوفاً من شيء ما، أحاول أن أقوم إليه كي أقتله، أمسك بحجر ضخم. ألقيه بقوة تجاهه، ولكن صوت القائد يهتف بي :

 احذر ، تريد أن تقتلنا بجنونك هذا.

أغمض عينيّ ، أفقأ حلمي "سأتركها ، نعم وستدرك أنني كنت مصيباً يوماً"... يوقظني أحد الرفاق من بقايا الكابوس لحظة أن يبعث بأجزاء سلاحه النائم يفزعني حين يهتف القائد مرة أخرى :

 لا تفعل ذلك مرة أخرى، وإلا .

 ثم متابعاً :

سنغادر الأن هذه النقطة السوداء لانهم ربما أدركوا المكان بغبائكم.

 لهثات كجريان الدم يسري في جسدي المحموم، يحاول أحدنا الاحتجاج، ولكن دون فائدة. ثم ...... قذيفة تنفجر بين أقدامنا، تطوحنا، لا تتركنا نهنأ حتى في قرارنا الأخير، نموت بسرعة غريبة، وننتهي قبل أن تنتهي الحكاية.